خبر « إنْ قُلْتَها مُتّ، وإن لم تَقُلْها مُتّ ، إذَنْ، قلها ومُتْ » ..أيوب عثمان

الساعة 07:25 ص|28 ابريل 2009

 

 

عن قضية عبد الستار قاسم:

"إنْ قُلْتَها مُتّ، وإن لم تَقُلْها مُتّ ، إذَنْ، قلها ومُتْ"

 

         بقلم : الدكتور / أيوب عثمان  

         كاتب وأكاديمي فلسطيني - جامعة الأزهر بغزة

 

الكلمات التي بين القوسين ليست من إنشائي. إنها كلمات الشاعر الفلسطيني الثائر معين بسيسو. هي كلمات تحكي حكاية عبد الستار قاسم الأخيرة، حتى اللحظة، والتي لها ما بعدها... كلمات كتبها المرحوم معين بسيسو لتظل حيةً طالما بقيت هناك حياة يتصارع فيها الضدان: الخيروالشر، الوطنية والانهزامية، الحرية والعبودية، التقدمية والرجعية،و.... و....،

  إذا كان صحيحاً أن الوطني الثائر الغيور الأستاذ الدكتور/عبد الستار قاسم قد وصف إطلاق النار على الشيخ البيتاوي بأنه "عمل يخدم مصلحة الإسرائيليين والأمريكان

 وإذا كان صحيحاً أن إطلاق النار على الشيخ البيتاوي هو "عمل مدان بكل المعايير"، كما قال الناطق الرسمي باسم محافظة نابلس، و"جريمة غير مقبولة وتصرف مرفوض"، كما قال، فهمي الزعارير، المتحدث باسم حركة فتح، و"جريمة نكراء واعتداء جبان"، كما قال النائب قيس عبد الكريم (أبو ليلي),عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، مطالباً "بمحاسبة المسؤول عن هذه الجريمة النكراء محاسبة صارمة وتقديمه إلى القضاء لينال العقاب المناسب"، و"اعتداء على ممثل منتخب في المجلس التشريعي"، كما قالت المبادرة الوطنية الفلسطينية، مطالبة "بفرض أشد العقوبات على مرتكب تلك الجريمة وضمان سلامة نواب الشعب وممثليه من أي شكل من أشكال الاعتداء خاصة من قبل الأجهزة الأمنية في كل مكان"، مضيفة أن "هذا الاعتداء يشكل خطورة على السلم الداخلي وعلى جهود الوحدة الوطنية المبذولة الآن",

 وإذا كان صحيحاً أن تعقيب الدكتور/ عبد الستار قاسم على حادثة الاعتداء على الشيخ البيتاوي كان من قبيل ممارسته لحرية الرأي والتفكير والتعبير، وهو بالتأكيد كذلك،

 وإذا كان صحيحاً ان القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور الفلسطيني المؤقت) يحمي هذه الحرية ويصونها بموجب مادته (19) التي تقضي بأنه "لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة  أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن"،

وإذا كان صحيحاً أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد كفل أيضاً هذه الحرية وصانها في مادته (19) التي تنص على أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية" ,

وإذا كان صحيحاً ان قانون المطبوعات والنشر والإعلام الفلسطيني يكفل هذه الحرية ويصونها ويحميها بموجب مادته (2) التي تقضي بأن "الصحافة والطباعة حرتان، وحرية الرأي مكفولة لكل فلسطيني وله أن يعرب عن رأيه بحرية، قولاً، وكتابة، وتصويراً، ورسماً، في وسائل التعبير والإعلام

وإذا كان الأستاذ الدكتور/عبد الستار قاسم يعلم علم اليقين أنه يتصرف منطلقاً من قناعته بأنه مثقف وطني ثائر, وأستاذ جامعي مفكر، وأنه ليس ملكاً لنفسه فقط ولزوجه وبنيه وبني بنيه،

وإذا كان صحيحاً أن الدكتور/عبد الستار قاسم يؤمن بأن المثقف قائد وطني مقدام يُخْشى منه ولا يُخَشى عليه، وأن الأستاذ الجامعي الغيور هو صانع للعقول ومربٍ للأجيال، مستنهض للهمم ومدرب للرجال،

 فإنه يكون قد وفق في حمل رسالته وأداء أمانته، كما يكون قد هيأ نفسه لتحمل تبعاتها وسلوك الوعر من دروبها والمشي على أشواكها، وكأني به يقول بكل ما أوتي من الحزم والعزم والقوة:

 

أنا لن أنافقْ

حتى ولو وضعوا بكفـّي

المغارب والمشارقْ

يا دافنين رؤوسكم مثل النعام

تنعَّموا

وتنقَّـلوا بين المبادئ كاللقالقْ

ودعوا البطولة لي أنا

حيث البطولة باطلٌ

والحق زاهقْ

هذا أنا اجري مع الموت السباق

وإنني ادري بأن الموت سابقْ

لكنما سيظلُّ رأسي عاليا أبداً

وحسبي أنني في الخفض شاهقْ

فإذا انتهى الشوط الأخيرُ

وصفـّـق الجمع المنافقْ

سيظل نـَـعْـلي عاليا ً

فوق الرؤوس

إذا علا رأسي

على عُـقَــد المشانقْ

أما أنت يا عبد الستار، فلتتذكر حوار أحمد مطر مع الحاكم على باب المنفى:

ــ لقد جاوزتَ حَـدَّ القـولِ يا مَطَـرُ
ألا تدري بأنّكَ شاعِـرٌ بَطِـرُ
تصوغُ الحرفَ سكّيناً
وبالسّكينِ تنتَحِــرُ ؟!
ــ  أجَـلْ أدْرِي
بأنّي في حِسـابِ الخانعينَ، اليـومَ،
مُنتَحِـرُ
ولكِـنْ .. أيُّهُم حيٌّ
وهُـمْ في دوُرِهِـمْ قُبِـرُوا ؟
فلا كفُّ لهم تبدو
ولا قَـدَمٌ لهـمْ تعـدو
ولا صَـوتٌ، ولا سَمـعٌ، ولا بَصَـر .
خِـرافٌ ربُّهـمْ عَلَـفُ
يُقـالُ بأنّهـمْ بَشَـرُ !
 
شبابُكَ ضائـعٌ هَـدَراً
وجُهـدُكَ كُلّـهُ هَـدَرُ.
بِرمـلِ الشّعْـرِ تبني قلْعَـةً
والمـدُّ مُنحسِـرُ
فإنْ وافَـتْ خيولُ الموجِ
لا تُبقـي ولا تَـذَرُ !
ــ  هُـراءٌ ..
ذاكَ أنَّ الحـرفَ قبلَ الموتِ ينتَصِـرُ
وعِنـدَ الموتِ ينتَصِـرُ
وبعـدَ الموتِ ينتَصِـرُ
وانَّ السّيفَ مهمـا طالَ ينكَسِـرُ
وَيصْـدأُ .. ثمّ يندَثِـرُ
ولولا الحَرْفُ لا يَبقى لهُ ذِكْـرُ
لـدى الدُّنيـا ولا خَـبَرُ !
 
وماذا مِن وراءِ الصّـدقِ تنتَظِـرُ ؟
سيأكُلُ عُمْـرَكَ المنفـى
وتَلقى القَهْـرَ والعَسْـفا
وترقُـبُ ساعـةَ الميلادِ يوميّاً
وفي الميلادِ تُحتضَـرُ !
ــ  وما الضّـرَرُ ؟
فكُلُّ النّاسِ محكومـونَ بالإعـدامِ
إنْ سكَتـوا، وإنْ جَهَـروا
وإنْ صَبَـروا، وإن ثأَروا
وإن شَكـروا، وإن كَفَـروا
ولكنّي بِصـدْقي
أنتقي موتاً نقيّـاً
والذي بالكِذْبِ يحيا
ميّتٌ أيضَـاً
ولكِـنْ موتُـهُ قَـذِرُ !

أما آخر الكلام ، فإن الذي ظل حتى اليوم ساري المفعول في بلادنا هو بوليسية مقيتة يصفها "أنجيل بوليس" إذ يقول :

في البدء كان الكلمهْ

ويوم كانت أصبحت متهمهْ

فطورِدَتْ

وحوصرتْ

واعْتُقِلَتْ

وأعدمَتْها الأنظمهْ

في البدء كان الخاتمهْ!