خبر استقلال محدود الضمان.. يديعوت

الساعة 11:57 ص|27 ابريل 2009

بقلم: ناحوم برنيع

في حزيران 1948، في اثناء الهدنة الاولى في حرب الاستقلال، رفعت حكومة اسرائيل المؤقتة طلبا بتلقي قرض بمبلغ 100 مليون دولار من البنك  لاستيراد وتصدير حكومة الولايات المتحدة. تلك كانت ايام محملة بالمصائر للدولة: نسبة مذهلة من ابنائها قتلوا في الحرب. مئات الاف لاجئي الكارثة دقوا ابوابها. ومخازن الغذاء كانت فارغة.

وزارة الخارجية الامريكية عارضت بشدة. ونبعت المعارضة من ضغوط حكومة بريطانيا ومن الخوف من خسارة تأييد الدول العربية. كما ان ادارة البنك عارضت: رؤساؤه لم يؤمنوا بان اسرائيل ستكون قادرة على ان تسدد الدين في أي وقت قادم.

لاشهر استجدى الاسرائيليون الدبلوماسيين الامريكيين – عبثا. حين نفدت الحجج السياسية والانسانية، انتقلوا الى الحجج السياسية الداخية: الياهو افشتاين (ايلات)، رئيس الوفد الاسرائيلي في واشنطن، ذكر موظفي الادارة بانه في كانون الثاني 1949 ستعقد انتخابات اولى للكنيست. وحسب وثائق وزارة الخارجية من تلك الفترة اياها، قال لهم افشتاين: "المتطرفون في اسرائيل لا يزالون عنصرا هاما وخطيرا. من الحيوي ابقاؤهم تحت السيطرة".

جيمز مكدونالد، الذي كان رئيس الممثلية الامريكية في اسرائيل، كرر وراءه: القرض يجب المصادقة عليه من اجل تعزيز مباي في الانتخابات. مبام، الخصم الاكبر لمباي، يبدي عطفا على الاتحاد السوفييتي. وليس هو فقط: سليلو ايتسل (!) وليحي  يعقدون اتصالات سرية مع الكتلة السوفييتية. فقط سلطة بن غوريون ستضمن صلة اسرائيل بالغرب.

مجلس ادارة البنك صادق على القرض في جلسة عقدت – ويا لها من صدفة – قبل ستة ايام من الانتخابات في اسرائيل. الحجج كانت مهزوزة ولكن النتيجة ممتازة. القرض انقذ اقتصاد اسرائيل.

جدير لنا ذكر هذه القضية عشية يوم الاستقلال، ولو من أجل ان نذكر انفسنا جميعا بان الاستقلال هو موضوع نسبي. لا توجد دولة مستقلة تماما، لا من ناحية اقتصادية ولا من ناحية سياسية. النموذج الاسرائيلي حتى أكثر تعقيدا من غيره: اسرائيل مدينة بقسم كبير من استقلالها للعلاقة الخاصة التي نشأت بينها وبين الولايات المتحدة. استقلالها منوط بهذا التعلق. والتعلق ملزم.

هذا لا يعني أن على اسرائيل ان تطيع كل طلب امريكي. في 61 سنة للدولة شهدنا جدالات ومواجهات ووفرة من الاتفاق على عدم الاتفاق. ولكن قليلا من التواضع لن يضر. وهو لن يضر ايضا غدا وبعد غد، حين يتركز الاهتمام علينا، على ضحايانا، على ثكلنا، على انجازاتنا، على احتياجاتنا الامنية. اسرائيل ليست فقط نحن – نحن.

في السنوات الاولى للدولة كانت هناك احزاب رأت بنظرة سوء التقرب الى الولايات المتحدة. الحزب الشيوعي واجزاء من مبام تمنت وصول الجيش الاحمر. في بعض الكيبوتسات، نغبة، مثلا، خبأت السلاح تحت الارض، على فرض ان الجيش السوفييتي المنقذ سيحتاج الى المعاونين. في مباي حلم البعض عن الانضمام الى كتلة دول عدم الانحياز، الى جانب صديقتنا الهند، يوغسلافيا ومصر ناصر. ولشدة الحظ من قرر الى أين تذهب اسرائيل كان بن غوريون.

الاحلام الهراء اياها تعود الينا في الاسابيع الاخيرة بلباس جديد. وزير الخارجية في حكومة نتنياهو يتطلع الى روسيا. هناك مستقبلنا. هناك أمننا. هناك قيمنا المشتركة. وكما قالت القصيدة في الخمسينيات، "روسيا امنا، ستالين ابونا، ليتنا كنا يتامى".

ووزير الشؤون الاستراتيجية – يوجد شيء كهذا – يحذر الجمهور بعدم الحديث في حكومته في واشنطن وفي رام الله إذ ما الفرق بين واشنطن ورام الله، كلهم أعداء.

احدى مزايا العيش في دولة مستقلة، سيادية، هي انه لا حاجة للاثبات كل يوم لكل واحد باننا مستقلين وسياديين. وبالتأكيد ليس لاصدقائنا وحلفائنا. لشدة الاسف، حكومتنا كثيرة الوزراء، ترفض النضج. ومثل الفتيان في عمر الغباء – يعتقدون بان الاستقلال هو ازعاج المعلمة في المدرسة وشتم الجيران.