سجل بايدن يُجيب على تساؤل لماذا تعجز واشنطن عن إدانة مقتل شيرين أبو عاقلة؟

الساعة 10:48 ص|14 مايو 2022

فلسطين اليوم

منذ اللحظات الأولى لخبر مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة صباح الأربعاء الماضي ترددت إدارة بايدن في تبني الرواية الفلسطينية، وفضلت تبني الرواية الإسرائيلية، ودعت "إلى تحقيق مشترك لكشف ملابسات الحادث".

وقد تطور الموقف الأميركي إلى مرحلة الغضب من إسرائيل بعد بث شبكات الأخبار الأميركية ومواقع التواصل اعتداءات قوات الاحتلال على جنازة شيرين أبو عاقلة التي تحمل الجنسية الأميركية، لكن أيا من المسؤولين الأميركيين لم يدن عملية الاغتيال.

وبالعودة إلى مارس/آذار الماضي يبدو جليا كيف تتخذ واشنطن مواقف متباينة إزاء مقتل الصحفيين، فعندما قُتل الصحفي الأميركي برنت رينو خارج العاصمة الأوكرانية في كييف في الـ24 من الشهر المذكور سارعت إدارة بايدن إلى إدانة روسيا.

وغرد المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس بالقول "نحن مرعوبون من أن الصحفيين وصانعي الأفلام -غير المقاتلين- قد قتلوا وأصيبوا في أوكرانيا على أيدي قوات الكرملين".

وأضاف برايس "نتقدم بتعازينا لجميع المتضررين من هذا العنف المروع، هذا مثال مروع آخر على تصرفات الكرملين العشوائية".

وعلى النقيض جاءت تغريدة برايس بعد مقتل شيرين أبو عاقلة على النحو التالي "نحن حزينون وندين بشدة مقتل الصحفية الأميركية شيرين أبو عاقلة في الضفة الغربية، يجب أن يكون هناك تحقيق فوري وشامل، ويجب محاسبة المسؤولين عنه، وفاتها إهانة لحرية الإعلام في كل مكان".

وهكذا اختلف رد الفعل الأميركي بصورة واضحة في كلتا الحالتين، فعند وفاة رينو أشارت الخارجية إلى أن ذلك "شيء مروع"، كما أنها أدانت روسيا والكرملين على الفور رغم نفي روسيا أي مسؤولية عن قتله، ولم تدع واشنطن إلى إجراء تحقيق، وفي حالة شيرين لم يتم ذكر اسم "إسرائيل" على الإطلاق.

وخلال المؤتمر الصحفي لوزارة الخارجية أول أمس الخميس قال برايس إن "الإسرائيليين لديهم الموارد والقدرات اللازمة لإجراء تحقيق شامل"، في إشارة إلى ضرورة ترك الإسرائيليين يجرون التحقيقات.

وعلى الرغم من حمل الراحلة شيرين أبو عاقلة الجنسية الأميركية فإن واشنطن لم تشر إلى رغبتها في الانضمام للمحققين في حادثة مقتلها، والسبب الوحيد لذلك هو أن مثل هذه المبادرة قد تغضب الجانب الإسرائيلي.

وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي على استعداد واشنطن للنظر في أي طلب مساعدة في التحقيقات، وقالت "نحن على استعداد لمساعدة أي من الطرفين بأي طريقة ممكنة، لكن لم يطلب أي من الطرفين مساعدتنا بعد".

في ظهورها الأخير باعتبارها متحدثة رسمية باسم البيت الأبيض قالت جين ساكي "لقد رأينا تلك الصور، نحن نعلم أن هناك لقطات مزعجة من موكب الجنازة اليوم في القدس، ونأسف لاقتحام ما كان ينبغي أن يكون موكبا سلميا، نحن نحترم المشيعين والعائلة في هذا الوقت الحساس".

وتجنبت ساكي التنديد بالسلوك الإسرائيلي أو حتى بالاستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الجنازة.

أما وزير الخارجية أنتوني بلينكن فقد غرد يقول "لقد أزعجتنا بشدة صور الشرطة الإسرائيلية وهي تتدخل في موكب جنازة الأميركية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، تستحق كل عائلة أن تودع أحباءها بطريقة كريمة ودون عوائق".

أما المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد فقد عبرت عن شعورها "بألم شديد إزاء الصور التي ظهرت خلال تشييع جنازة شيرين أبو عاقلة".

وهكذا لم يدن أي من كبار المسؤولين الأميركيين إسرائيل، وانتهت إدارة بايدن إلى ضرورة أن تحقق إسرائيل بنفسها في الحادثة، وهو ما اعتبره الكثير من المعلقين عدم مبالاة بمعرفة الحقيقة ومحاسبة الجناة.

بعد أن سحقت جرافة إسرائيلية الناشطة الأميركية راشيل كوري حتى الموت عام 2003 وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون إدارة جورج بوش بأنها ستطلق "تحقيقا شاملا وموثوقا وشفافا".

لكن كل ما انتهى إليه التحقيق كان تقريرا سريا للجيش الإسرائيلي خلص إلى أن وفاة كوري كانت مجرد "حادث مأساوي".

وحينها تم توزيع التقرير على أعضاء الكونغرس الأميركي، وقدم النائب السابق براين بيرد (ديمقراطي من ولاية فرجينيا) مشروع قرار يدعو إلى إجراء تحقيق أميركي مستقل في وفاة كوري، إلا أن قادة مجلس النواب رفضوا تحريك مشروع القرار، وأرجع النائب تردد قادة الكونغرس إلى الخوف من إغضاب اللوبي الإسرائيلي.

وعقب مقتل شيرين أبو عاقلة أصدرت منظمة "أيباك" (AIPAC) -كبرى منظمات اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة- بيانا جاء فيه "من دواعي الغضب أن ترفض السلطة الفلسطينية مشاركة وتبادل الأدلة المتعلقة بوفاة شيرين أبو عاقلة، إن إلقاء اللوم على إسرائيل قبل إجراء تحقيق شامل وموضوعي هو محض بروباغندا، ويجب على قادة الولايات المتحدة إدانة ذلك ومطالبة الفلسطينيين بالتعاون للكشف عن الحقيقة".

بايدن وإسرائيل.. سجل التأييد

وقد اعتبر بعض المعلقين الأميركيين أن استمرار دعم جو بايدن لأكثر الحكومات يمينية وتطرفا في التاريخ الإسرائيلي يوفر غطاء لما نشهده من أعمال عدوانية إسرائيلية.

وهنا يثير المعلقون صمت واشنطن وفشلها فى إدانة أعمال العنف من المستوطنين واليمينيين المتطرفين الإسرائيليين في ساحة المسجد الأقصى قبل أيام من حادثة اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة.

ويمثل التزام الرئيس بايدن بالدعم الكامل لإسرائيل مفاجأة للكثير ممن صوتوا له في انتخابات 2020 الرئاسية، خاصة من بين داعمي التيار اليساري التقدمي في الحزب الديمقراطي، لكن هذه المواقف تبدو طبيعية بالعودة إلى سجل بايدن السياسي.

ويملك بايدن خبرة طويلة في العمل السياسي تمتد لأكثر من نصف قرن، ويشمل سجله الكثير من المواقف المؤيدة لإسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين والعرب.

ومنذ رحلته الأولى إلى إسرائيل عام 1973 قبل وقت قصير من حرب أكتوبر/تشرين الأول كان التزام بايدن بأمن إسرائيل لا يتزعزع، وخلال سنوات عمله سيناتورا عن ولاية ديلاوير ساعد في ضمان الدعم الثابت لأمنها.

وقاتل بايدن في مجلس الشيوخ لضمان حصول إسرائيل على أكبر قدر من المساعدات، وكثيرا ما وصف تقديم المساعدات المالية الاقتصادية والعسكرية لها بأنه "أفضل استثمار نقوم به بقيمة 3 مليارات دولار"، وعارض دائما مبيعات الأسلحة المتقدمة لجيران إسرائيل.

وخلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما -والتي خدم فيها بايدن نائبا للرئيس 8 سنوات- كان مدافعا رئيسيا عن تأمين الدعم للتكنولوجيات العسكرية الإسرائيلية المتقدمة، مثل نظام القبة الحديدية للدفاع المضاد للصواريخ، إضافة إلى نظام "أرو 3" الدفاعي.

وأشرف بايدن عام 2016 على توقيع مذكرة تفاهم غير مسبوقة بين واشنطن وتل أبيب بقيمة 38 مليار دولار لمدة 10 سنوات للمساعدة العسكرية لإسرائيل، وهي أكبر حزمة مساعدات عسكرية من هذا القبيل في تاريخ الولايات المتحدة.

وقاد الجهود الرامية إلى معارضة نزع الشرعية عن إسرائيل، سواء في المنظمات الدولية أو من خلال حركة المقاطعة داخل الولايات المتحدة، والتي تشمل الدعوة لسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها.

ومنذ وصوله إلى الحكم في يناير/كانون الثاني 2021 تعهد بايدن بإعادة المبادئ الحاكمة التي وجهت الدبلوماسية الأميركية نحو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويشمل ذلك دعم حل الدولتين، ومعارضة بناء إسرائيل المزيد من المستوطنات.

وأكد بايدن أنه لن يتراجع عن قرار الرئيس السابق دونالد ترامب نقل سفارة واشنطن إلى القدس، ولم يتراجع عن الاعتراف بها عاصمة لما تسمى "لإسرائيل".

وقبل عام وأثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو/أيار الماضي ومقتل مئات الأبرياء المدنيين أكد الرئيس بايدن على ما اعتبره "حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها في وجه آلاف الصواريخ التي تسقط عليها".

شعبية "إسرائيل" في أميركا

كشفت استطلاعات للرأي تجريها مؤسسة غالوب (Gallup) بصورة دورية سنوية منذ 1975 أن شعبية إسرائيل تزيد على شعبية الرؤساء الأميركيين.

وأظهر استطلاع حديث أجرته المؤسسة أن شعبية إسرائيل تبلغ 69% بين الأميركيين، وتقترب هذه النسبة من ضعف نسبة شعبية الرئيس بايدن نفسه بين الأميركيين والتي انخفضت لتصل إلى 38% خلال أبريل/نيسان الماضي.

ويرى بعض المعلقين أن التأييد الأميركي الكبير لإسرائيل يضر بالمصالح الأميركية، في الوقت الذي لا تكترث فيه إسرائيل بمصالح واشنطن.

ويستشهد البعض بما اقترفته إسرائيل في حق الولايات المتحدة، مثل تدمير المدمرة ليبرتي في ستينيات القرن الماضي، مرورا بتسريب أسرار عسكرية وتكنولوجية أميركية للصين، إضافة إلى التجسس على الجيش الأميركي نفسه في عدة مناسبات، ورفض إسرائيل حل الدولتين الذي تتبناه نظريا إدارة جو بايدن.

المصدر الجزيرة 

كلمات دلالية