صرخات أطفال ودماء وموت قريب

الصحفيون: شهود أحياء يروون لأول مرة أصعب المشاهد في "معركة سيف القدس"

الساعة 09:57 ص|10 مايو 2022

فلسطين اليوم

لا يختلف اثنان على صعوبة وقساوة تفاصيل وأحداث معركة "سيف القدس" التي يعيش الفلسطينيون ذكرى عامها الأول، وليس أبلغ من أن يتحدث ناقلوها عبر الصوت والصورة عن هذه المشاهد التي مازالت عالقة في أذهانهم، نسوا في لحظاتها أنهم صحفيون، واستذكروا أطفالهم وعوائلهم، سالت دموعهم على كاميراتهم التي كانت توثق الأحداث لحظةً بلحظة.. لكنهم كانوا مُصرين على نقل فضائح وجرائم الاحتلال "الإسرائيلي" في قطاع غزة.

ففي العاشر من مايو 2021، شنت "إسرائيل" حرباً كانت الأصعب بلسان من عايشها على المدنيين والسكان، استهدفت فيها "إسرائيل" البشر والحجر والشجر، ولم ترحم صغيراً أو كبيراً، فحلت المأساة على عوائل كثيرة في قطاع غزة، وهدمت بيوتاً وعمارات على ساكنيها، وأبراجاً على المكاتب العاملة فيها..

الصحفيون أكثر الفئات التي كانت شاهدة بالصورة والقلم، فوثقوا بكاميراتهم وقلمهم أحداث المعركة، فتحدثوا بألم وحسرة، عن أكثر المشاهد والمواقف صعوبة..

استهدف الصحفيين بشكل مباشر

الصحفي والمصور أشرف أبو عمرة، وصف المعركة بأنها أكثر شراسة من كافة الحروب التي مرت بها قطاع غزة وعايشها، قائلاً:" أعمل في مجال الصحافة منذ 20 عاماً، وعايشت 4 حروب و20 تصعيداً، ولكنها كنت المعركة الأشرس في استهداف المدنيين والعزل.

وأوضح أبو عمرة لمراسلة "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، أن هذه المعركة كانت مختلفة في قوة وغزارة الصواريخ والنيران التي وقعت على رؤوس السكان المدنيين وقتلت النساء والأطفال وأبادت عائلات بأكملها.

وأكد أبو عمرة، أن الصحفيين كانوا في مرمى النيران والاستهداف، كما كل أبناء شعبنا، حيث تم الاستهداف بشكل مباشر لكل مكونات العمل الصحفي كالأبراج التي كانت تأوي مكاتب صحفية، كبرج الجوهرة الذي تدمر بالكامل، وبرج الجلاء، حيث تشرد الصحفيون في الشوارع.

وبين أبو عمرة، أن الاحتلال حاول استهداف الصحفيين بشكل مباشر لوقف نقل الحقيقة التي ظهرت جليةً أمام العالم وشكلت حالة ضغط عالمي، لافتاً إلى استشهاد الصحفي يوسف أبو حسين.

أصعب المشاهد وأقساها

وعن أصعب المشاهد التي عايشها الصحفي أبو عمرة ولازالت عالقة في ذهنه، هو مشهد انتشال الطفلة سوزي رياض اشكنتنا البالغة من العمر سبعة أعوام أنذاك التي نجت من الموت ووالدها، بعد قصف منزليهما وفقدان والدتها وأشقائها الأربعة، ليلة 16/5/2021، في اليوم الدامي الذي استهدفت فيه طائرات الاحتلال شارع الوحدة وسط مدينة غزة.

ويقول أبو عمرة:" كان من المواقف الصعبة التي مرت بي خلال الحرب، حيث هرعنا إلى مكان القصف لنفاجئ بقصف دموي لأبراج ومنازل في شارع الوحدة، وعشرات النساء والأطفال تحت الأنقاض، فكانت الطفلة سوزي التي كانت تصرخ من تحت الركام، لتخرج حية لتكون بارقة أمل لوجود أحياء تحت الأرض."

"كان شعوراً صعباً عندما ترى طفلة تحت الركام تصرخ، وليس بمقدورك أن تهون عليها بل تتذكر عائلتك وأطفالك، وهو شعور صعب لا يمكن وصفه". يضيف أبو عمرة.

في هذه الليلة، استشهد مايقرب من 45 فلسطينياً من عائلات اشكنتنا وأبو العوف والكولك والافرنجي، جلهم أطفال ونساء ليس لهم حول ولا قوة، في القصف العنيف الذي نفذه سلاح الجو الإسرائيلي في منطقة شارع الوحدة وسط غزة.

في أحد عشر يوما، قتل في القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي على قطاع غزة 232 شخصا بينهم 65 طفلا وأصيب 1900 آخرون بجروح، وفق وزارة الصحة.

وتفرض "إسرائيل" حصاراً مشدداً براً وبحراً وجواً على القطاع الحدودي مع مصر، وهو شريط ساحلي ضيق يسكنه 2,3 مليون شخص.

كل يوم مجزرة وجريمة

الصحفي المصور حسن اصليح، اتفق مع زميله أبو عمرة على أن الحرب الأخيرة كانت الأكثر صعوبة وشراسة، حيث كان في كل يوم مجازر ومشاهد لا يمكن نسيانها، وباتت عالقة في الذهن، وستبقى.

يقول اصليح لمراسلة "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"،:"في كل حرب كنا نشهد مشاهد وأحداث دموية صعبة، ويمر يومٌ بدونها، لكن في هذه المعركة التي استمرت 11 يوماً، كان كل يوم مشهد ومجزرة، ومشاهد قاسية وصعبة، وصور دم وأشلاء، فقد اقتربنا من الموت كثيراً، برفقة الطواقم الطبية والدفاع المدني".

وأضاف: "تعرض الصحفيون خلال المعركة لخطورة عالية خلال تغطية الأحداث، فكان القصف في كل مكان في وقت يمكن أن يستهدفهم، فاستهدف صحفي باستهداف مباشر لمنزل عائلته، فيما أصيب آخرون في قصف مباشر.."

اقترب من الموت

وأقر اصليح بأن ليلة 16/5/2021، هي الأصعب عليه، والتي كان قريباً منها، حيث سمع القصف في حوالي الساعة 1.30 فجراً، ومباشرة خرج لمعرفة مكانه، ليكون من أوائل الأشخاص الذي يصلون للمكان والدفاع المدني ، حيث الغبار ورائحة البارود.

ويستذكر اصليح مشاهد العائلات التي كانت تهرب وتصرخ، فيما آخرون يصرخون تحت الأنقاض والأرض، لترى الأطفال وكبار السن يصرخون ولا يعرفون ذويهم، وأين حلوُ ومن استشهد ومن بقي على قيد الحياة.

"كانت لحظات صعبة، أن ترى أمامك رجل يبكي بحرقة لا يعرف أين زوجته أو أطفاله، قلبه معلق لا يعرف هل هو شهيد أن كتبت له الحياة، فكل كلمة في هذه المقابلات استذكرها جيداً" يضيف اصليح.

كما شعر اصليح بالموت قريباً، عندما توجه للمنطقة الصناعية لتوثيق جريمة حرق المصانع التي تعمدت إسرائيل قصفها لمزيد من الخسائر الاقتصادية، فحوصروا ورجال الدفاع المدني بين النيران والدخان، فرأى الموت بعينه كما تحدث.

قصف سيارة الصحفيين  

المصور الصحفي داوود أبو الكاس، استذكر مواقف عدة خلال معركة سيف القدس، كان أبرزها استهداف الصحفيين، حيث كان ومجموعة من الصحفيين ذاهبين لتوثيق جرائم الاحتلال بعد ارتكابه مجزرة عائلة الطناني شمال قطاع غزة، وبعد وصولهم لمكان القصف، بصعوبة بالغة استطاعوا توثيق الحدث وغادروا على الفور.

وقال لمراسلة "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، :"بعد عودتنا مع طواقم الصحفيين تم استهدف السيارة التي كنا فيها بصاروخ استطلاع مما أدى إلى إصابتي بشظايا في ظهري ويدي، إضافة لإصابة زملائي الصحفيين، حيث تم نقلنا جميعاً إلى المشفى بواسطة سيارة اسعاف، لقد انتهت الحرب ولكن لم تنته نتائجها حتى اللحظة".

تقرير انتهاكات الصحافة

من جهتها، أكدت لجنة دعم الصحفيين، أن شهد شهر مايو/ أيار 2021، الشهر الذي شهد معركة سيف القدس كان أشد وأبشع الانتهاكات الدموية من قبل الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية الفلسطينية، حيث استشهد صحفياً بقصف منزله ودمر عشرات المؤسسات الاعلامية في جريمة حرب  مكتملة الاركان.

وقد استخدم الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه على مدار 11 يوماً على قطاع غزة، كافة ترسانته القتالية المميتة  ضارباً بعرض الحائط كافة القوانين والمواثيق تحديدا المادة رقم 19 التي كفلت حرية العمل الاعلامي، لا سيما في وقت الازمات والحروب، ويأتي ذلك في إطار محاولة طمس الحقيقة ومنع تغطية الصحفيين لعدوانه على قطاع غزة.

ووصلت انتهاكات الصحفيين خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى اكثر من 99 انتهاكاً ضد الصحفيين والإعلاميين، تنوعت ما بين رصد(1) شهيد،(12) إصابة، وتدمير59 مؤسسة إعلامية وشركة انتاج اعلامي ومطابع ودور نشر، و22 منزل صحفي  ، وتضرر اكثر من 5 مركبات لصحفيين.

قتل الصحفيين

حيث باغتت الطائرات الحربية الإسرائيلية، منزل الصحفي يوسف أبو حسين "المذيع في إذاعة صوت الأقصى"،  وهو آمن ليلاً بحي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة بتاريخ19 مايو 2021، في جريمة مروعة مما أدى إلى مقتله وتدمير منزله فوق رأسه.

استهداف الصحفيين

وبشأن استهداف الصحفيين أصيب أكثر من (12) صحافياً جراء تعرض العديد منهم  لكسور وجروح، وحروق والعديد من الإصابات جراء قصفهم بشكل مباشر، او خلال تدمير منازلهم، أو خلال إصابتهم من شظايا صواريخ الاحتلال وهم يمارسون عملهم وقيامهم بدورهم في تغطية العدوان الغاشم على  منازل المدنيين الأبرياء والأراضي الزراعية والمقار الحكومية والإنسانية والإغاثية، أو خلال تدمير مؤسساتهم الإعلامية .

 

 

 

كلمات دلالية