خبر مفترق بيبي..معاريف

الساعة 09:25 ص|24 ابريل 2009

بقلم: بن كاسبيت

بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان لم يدخلا للمنصب جاهزين. من الممكن فهم ذلك بالنسبة لليبرمان لان احدا لم يتوقع حصوله على (15) مقعدا قبل عدة اشهر او يتوقع حصوله (باستثنائه هو) على منصب وزير الخارجية. ومع ذلك حولته سلسلة التصريحات التي يطلقها بلا داع من بديل لنتنياهو الى عبء على كاهله. اما بالنسبة لنتنياهو فالمسألة اكثر غرابة. هو يخطط للعودة منذ عشرات سنوات ومنذ حرب لبنان الثانية يعرف انه سيعود، بينما اصبح الجميع يعرفون انه عائد منذ شهر تشرين الاول الماضي (بعد ان قطع الطريق على حكومة لفني). الان ها قد عاد. كان من الممكن التوقع منه بان يحضر طاقما قويا يعرف ماذا يفعل والى اين يسير ويضع امامه خطة سياسية جديدة بدلا من ذلك يتلعثم بيبي ويسير في طريق غامض الى مكان ما، وعملية "اعادة التقييم" التي طرحت حتى الان قضية "اسرائيل كدولة للشعب اليهودي" واخرجتها من النفتالين، تحاول اطفاء الحريق اليومي الذي يشعله ايفيت ليبرمان في كل صباح، ويأمل ان يصبح الامر على ما يرام. وكذلك نحن.

هناك اثنان من نتنياهو. الاول هو بيبي الاحلام. بيبي المحادثات المغلقة مع اشخاص مثل شمعون بيرس وايهود باراك ومسؤولين امريكيين ومجموعة دافئة من المقربين. هذا نتنياهو الذي يتحدث ببطىء ويستخدم مصطلحات حذفها اليمين قبل اجيال، ويتحدث عن الفرصة التي لا تتكرر لصنع السلام ومقتنع بأنه هو وحده القادر على اختراق السور والذي سيحتل الجبل ويجلب السلام والامن لاسرائيل. نتنياهو في هذه المباحثات يتحدث كشخص يفهم ان العالم قد تغير وان امريكا اوباما ليست امريكا التي ترعرع في حضنها قبل عشرين او ثلاثين عاما. هو يخشى مثل هذه اللقاءات من التصادم المباشر والشديد مع الادارة الجديدة وهو يعرف في مثل هذه اللحظات من الصحوة ان اسرائيل ان تستطيع مواجهة التهديد الايراني وحدها وان هذا التهديد اهم للوجود اليهودي في البلاد من تلال يهودا والسامرة.

النتنياهو هذا يسحر من يستمعون اليه ويبعث في النفوس الامل. بيرس مثلا مغرم به. في المحادثات المغلقة يقول بيرس ان نتنياهو ان لديه تلك الميزة. وانه قد تغلب على نقاط ضعفه واصبح اكثر طمأنينة وقدرة على صناعة الامور. نتنياهو كما يقول بيرس يتميز بثلاث صفات مركزية جيدة: اولا، هو ليس شريرا. ليست لديه الغريزة التي تتوقد في نفوس اغلبية السياسيين. وثانيا، هو قادر على الاصغاء ليس لنفسه فقط وانما لرفاقه في القيادة واخرين. وثالثا، هو رجل كتاب. يعرف القراءة ويهتم ويتثقف. وهو لا يقرأ كتب ابيه البروفيسور بنتسيون نتنياهو. بيرس يدقق قائلا ان نتنياهو لا يتحرك بدافع مشاعر ظلامية ورغبة بالانتقام او قسوة وغلظة سياسية كما تحتاج الامور عندنا. هو على قناعة ان مستقبل الامة يعتمد عليه وربما كان على حق. هو على ثقة بانه قادر على وضع بصماته. السؤال الان كيف يمكن ان يتم ذلك.

اذا هذا ما حدث فقد علق نتنياهو في مرحلة التنفيذ. هو لا يعرف الى اين يذهب. وهو ممزق كالعادة بين ميله الشخصي الايديولوجي الذي رضعه من المكان الذي جاء منه وبين الرياح التي تهب في الخارج والتغيير الذي يمر على العام والحاجة لشق طريق جديد.

في اخر المطاف وهذه مسالة مؤكدة تماما سيعترف بالفم المليء بمبدأ الدولتين. ليس هناك مخرج اخر وهو يقول ذلك ويعترف به. في الاطر المغلقة جدا صرح نتنياهو عدة مرات بانه لم يرغب "باهدار الدولتين على تسيبي لفني" هو قصد اعطاء ذلك لاوباما. المسألة انه الى ان يحدث ذلك يتوجب عليه ان يدفع ضريبة كلامية. عليه ان يهدأ شركائه من اليمين ولذلك انتج دراما الاصرار على الاعتراف باسرائيل كدولة للشعب اليهودي. وكأن المسالة لم تطرح في كل الاطر السابقة وفي كل المفاوضات التاريخية وكل الوثائق والمؤتمرات التي نظمت. كل من شارك في هذا المجال يعرف ان الفلسطينيين في الوضع الحالي لا يستطيعون اعطاء اعتراف علني كهذا. هذا يفترض ان يحدث في المرحلة النهائية وبين الدخول في التسوية. نحن لسنا في هذه المرحلة فلماذا اذا يطرح ذلك الان؟ اسرائيل اقيمت على اساس قرار الامم المتحدة الذي قسم البلاد لدولتين قوميتين وواحدة منهما هي دولة الشعب اليهودي. افليس شعار الدولتين لشعبين كافيا الان؟ عن اي شعبين يجري الحديث؟ الفلسطيني والاوزبيكي؟

        المسألة هي ان من الممكن حشر الفلسطينيين عند الجدار وطرح ذرائع لا تنتهي لتضييع المفاوضات وعرقلتها ووضع الصعوبات امامها. نتنياهو يفهم في ذلك ويجيده جيدا. هو فعل ذلك في المرة السابقة. السؤال هو هل سينجح ذلك الان. وهل سيقبل براك اوباما بهذا التسويف مثلا. هل يقبل عالم اليوم نتنياهو وقضاياه مع ايران النووية وباكستان النووية التي توشك على السقوط في يد القاعدة والازمة الاقتصادية العالمية التي تهدد النظام العالمي والصبر الاقصر بكثير مما عرفناه من ذي قبل؟

الادارة الامريكية الجديدة – ويدل على ذلك الف مؤشر تنوي الانقضاض على الجبل بجموعها من اجل احتلاله. ليس من اجل نقله الى مكان اخر. نتنياهو سئل في هذا الاسبوع ان اقترح عليه اوباما صفقة: نحن نعالج ايران وانتم تصنعون السلام مع العرب. في هذه الحالة، قال نتنياهو، سيقوم بالتحقق من تفاصيل الصفقة. فليقترح ذلك اولا. وان اقترح؟ ان اقترح سأطلب منه الحصول على تفاصيل في المسالة الايرانية. يريد القول: على اوباما هذا ان لا يعتقد بان بامكانه ان يتحايل علي. او ربما يريد القول: ان كنت تنوي قصفهم فهناك ما يمكن ان نتحدث عنه. بكلمات اخرى: ان قام اوباما بالتحايل على نتنياهو فان بيبي سيرد عليه بنفس الشيء. المسالة ان بامكان اوباما ان يسمح لنفسه بالتحايل على من يريد اما بيبي فلا. هو قد يجد نفسه في دور المادة التي يدهنونها للتحايل.

المهم انه يؤلف كتابا

هكذا يسير الامر. نتنياهو يقضي نصف وقته في المسالة الاقتصادية. اما النصف الثاني فيكرس لاعادة النظر سياسيا وامنيا. بين هذا وذاك عليه ان يجد لنفسه مديرا عاما لديوانه وهو لا يمتلك هذا حتى. اليكم مثلا على الخطوات التي يقوم بها لاكتشاف هذا المسؤول: نتنياهو يقابل تساحي فيشباين صاحب شركة "اوفيس ديبو" في ميمونا سابقا ويسأله "ماذا بالنسبة لك يا تساحي هل انت متفرغ للنقليات؟" فيشباين (الذي باع نصيبه في الشركة مؤخرا) يرد بالايجاب. بعد ذلك يتصل زئيف روبنشتاين رجل الاعمال الاسرائيلي الذي يقيم في نيويورك والمقرب جدا من نتنياهو ويسأل فيشباين ان كان هناك ما يمكن الحديث حوله في قضية توليه منصب ديوان رئاسة الوزراء. والامر ينتهي عند هذا الحد. هو لا يسمع من اي احد شيئا بعد ذلك. الكثيرون رفضوا المنصب حتى الان. افي غيفن وغيره وهناك اسماء اخرى تطرح في السياق داني غيلرمان سفير اسرائيل في الامم المتحدة سابقا (فكرة رونالد لاودر) الذي يمكنه بالمناسبة ايضا ان يكون سفير اسرائيل في واشنطن. هنا تعتبر فكرة نتنياهو بارسال مايكل اورين لهذا المنصب فكرة غير سيئة. شخص دعاوي متميز وفصيح ومن المحافظين الجدد "الخفاف" الذي يمكنه ان يكون ملائما للاجواء الحالية السائدة في واشنطن.

على نتنياهو ان ينتهي من ثلاثة تعيينات عما قريب: السفير في واشنطن والمدير العام ومنسق قضية الاسرى والمفقودين (بدلا من عوفر ديكل). بالنسبة لديكل يتوجب بل ومن المهم ان نتوسع في الحديث. ساد انطباع في وسائل الاعلام بانه قد استقال. الا انه انطباع خاطىء بعد لحظة سنعتقد ان نتنياهو حاول سد الطريق على ديكل بجسده . الحقيقة مغايرة . ديكل فشل في دوره فشلا ذريعا بل واكثر من ذلك : خلال المهمة فقد ديكل ثقة الكثيرين من قادة جهاز الامن بمن فيهم كثيرون جدا في محيط رئيس الوزراء. المشكلة كانت سلوكية وتضمنت مشاكل في الثقة واليكم ايضا قطرة خاصة للنهاية: حقيقة قيام ديكل خلال شغله للمنصب الهام والحساس، قد وقع على اتفاق بنشر كتاب حول تلك المفاوضات الحساسة التي اجراها، بل انه لم يوقع فقط وانما نشر فصلا خاصا من الكتاب المستقبل في الصحيفة هي حقيقة غريبة.

جلبة ثارت طبعا. مثل هذا الامر لم يحدث من قبل. ديكل خاض المنافسة قبل عدة سنوات حول منصب رئسيس الشاباك في مواجهة يوفال ديسكين. لحسن انه لم يعين، والا فمن يعرف فربما كان سينشر كتابا خاصا حول مغامراته في الشباك مع حلول راس السنة. رجل الظل الذي تحول الى كاتب للظلال. الفضيحة الداخلية التي اندلعت كانت عكرة بصورة خاصة. ديكل استلم رسالة تحظر عليه تأليف الكتاب. الفصل في الصحيفة تحول الى "صفحات من يومياته الشخصية". الالمان الذين عمل ديكل معهم بسرية في الماضي غضبوا. كذلك الحال مع اطراف اخرى كان يتعامل معها وابدت استغرابها. مثل هذه القضايا التي كلف ديكل بها يجب ان تبقى في الحفظ والصون. السرية ضرورية هنا بدرجة لا توصف وحتى اشخاصا معروفين من المحامي اوري سلونيم و المحامي امنون زخروني لم يتجرأوا على طرح مغامراتهم وما قاموا به بصورة مكتوبة عندما تولوا مهمات مشابهة. ديكل تجرأ. هو رجل اعمال خاص يتجول في ارجاء افريقيا محاولا جس نبض صفقات السلاح وعلى الطريق يحاول الوصول الى اطلاق سراح غلعاد شليت ويؤلف كتابا حول ذلك. لو ان الامر لم يكن محزنا جدا لكان من الممكن ان نضحك.

        فحصنا وهذا ما وجدناه

        الرصاص المصهور: الجيش الاسرائيل نشر في هذا الاسبوع التحقيقات التي توصل اليها بصدد العملية. قرأت بتمعن. كما انني قرأت باهتمام ما كتب في هآرتس في هذا السياق. كما يذكر كشفت الصحيفة قضية "قتل المدنيين عن قصد واصرار" (التي كشفت بالتزامن في القناة العاشرة وفي معاريف) بعنوان رئيسي على صدر الصفحة الاولى. ان اندلعت الحرب العالمية الثالثة (التي قد اندلعت في الواقع) فلن تحصل على عنوان رئيسي اكبر من ذاك الذي حصلت عليه جرائم الجيش الاسرائيلي.

في اليوم التالي وبالصدفة جلست مع اسرائيلي يعيش في شفايتس في النمسا واسمه امنون ريؤوفيني هو يتجول مع فكرة اقامة شبكة تلفزة دولية اسرائيلية باللغة الانكليزية على شاكلة الـ سي. ان. ان، تبث برامجها من اسرائيل موازنة القاذورات والكراهية والمعلومات المزيفة التي تبثها من هنا شبكات التلفزة الاجنبية الاخرى. فكرة جيدة ورؤوفيني يتقدم معها بصورة جيدة وهو في مرحلة البحث عن ممولين. رؤوفيني حدثني عن مكالمة هاتفية تلقاها قبل ذلك بيوم من زوجته الموجودة في النمسا اثر ما نشر. هي حدثته عن موجة ضخمة من المعلومات والمقالات التي تنشر ومظاهر اللاسامية والحكايات الفظيعة التي تغرق شاشات التلفزة في اوروبا. هم طبعا يضيعوا مثل هذه الفرصة حيث تقوم وسائل اعلام (اسرائيلية؟) بالتقرير بصورة قاطعة وصارخة بان جنود الدولة الصهيونية يوجهون سلاحهم نحو النساء والاطفال والعجائز البريئات ويقومون بحصدهم وابادتهم. وؤوفيني اصيب بالاكتئاب وانا ايضا.

        وفي الواقع يتبين ان هذا الامر لم يحدث. لم يكن هناك اطلاق نار موجه على المدنيين. هذه الفظائع لم تحدث من قبلنا والحمد لله. انا اصدق الضباط الخمسة الذين سمح لهم بالوصول الى كل المعلومات من اجل التحقيق في هذا الادعاء. هناك اشخاص يفضلون تصديق ما نشرته حماس او الدعاية الفلسطينية. انا لا اصدق رئيس الكلية التحضيرية العسكرية الرافض السابق للخدمة والذي تراجع بسرعة عن نصف الامور التي قالها. القتل الاهوج للمدنيين عن قصد هو من نصيب الطرف الاخر في هذه المرحلة. من المسموح لهم طبعا ان يفعلوا ذلك اطلاق الصواريخ طوال سنوات على المدن وتفجير انفسهم في النوادي الليلية وليلة عشاء عيد الفصح. اما نحن فلسنا هناك وبامكاننا ان نبقى مطمئنين. التحقيق الذي اجراه الجيش الاسرائيلي كان جريئا وقويا وواضحا ولم تنقصه الاعترافات والبيانات بصدد الاخطاء التي ارتكبت ميدانيا والتي كان بعضها صعبا والبعض الاخر كان من المحظور ان يحدث . ولكنها اخطاء.

هآرتس لم تنجح في الانتعاش من الصدمة. ربما لسنا في الواقع قتلة مقيتين كما يعتقد؟ هذا صعب فعلا. بدلا من معالجة السياق الصحيح في هذه القضية (الظاهرة المقلقة فعلا المتمثلة بتغلغل الحاخامات خاصة المتطرفين منهم الى صفوف المقاتلين وتأثيرهم عليهم) فضل من فضل الانقضاض على رئيس هيئة الاركان (الذي تجرأ على ارسال نائبه لطرح التحقيق الذي اجراه الجيش) والتهجم على الجيش والناطق باسمه وكل ما يمكن الوصول اليه باستثناء الانقضاص على من يتوجب الانقضاض عليه: على نفسه.

الحكاية بسيطة: ما تغير في الرصاص المصهور ليس الاخلاق اليهودية وانما سياسة اطلاق النار في الجيش الاسرائيلي. ان كان وزير الدفاع بنيامين اليعازر قد امر سلاح المشاة في جنين بتطهير المنطقة (وقتل 13 منهم) فقد فضل الجيش الان القصف الشديد. هذا يحدث في كل العالم. والجيش الاسرائيلي هو الاكثر لطفا ورقة بين الجيوش في ذلك. عندما يختبىء الارهاب بين السكان المدنيين الداعمين ويستغلهم ويطلق النار من بين صفوفهم ويخزن الاسلحة بين تجمعاتهم فليس هناك مفر: يتوجب نزع القفاز والقول لمن يريد ان يسمع بان القوانين قد تغيرت. الامريكيون ازالوا قرى باكملها في العراق وافغانستان والروس مسحوا مدنا في الشيشان والاوروبيون المتنورون ازالوا مئات والاف الناس في كوسوفو واماكن اخرى وما هذه الا نماذج قليلة.

غابي اشكنازي سمح لسلاح الجو وللجيش بتطهير الطرق من الالغام من خلال سلاح موجه ودقيق. هو فضل بان يسقط عدد من القتلى من بين المحليين على ان يكون هؤلاء من الجنود. ولو ان الامر كان معكوسا ليشكلوا هنا لجنة تحقيق رسمية للتحقق من فشل عملية الرصاص المصهور. لان المجتمع الاسرائيلي يقوم منذ زمن طويل بقياس النجاح والفشل وفقا لمعيار عدد القتلى. انا شخصيا اؤيد هذا القرار من كل قلبي. اخلاقيا يتوجب مواجهة الادراك بان هذا القرار يتسبب بقتل الابرياء. هذا ثمن الحرب وثمن الارهاب وعلى الدولة ان تعرف كي تدفع هذا الثمن وان تحرص ان يكون الحد الادنى وان تقوم بتنفيذ تحقيقات من بعدها. مثلما نفذ الجيش الاسرائيلي بشجاعة وجذرية بل ونشر (رغم ان المسالة قد زالت عن جدول الاعمال). اذا فهل الجيش الاسرائيلي هو الجيش الاكثر اخلاقية في العالم؟ الجواب هو نعم بالنسبة للجيش ومدى اخلاقيته طبعا. الى ان يتبرهن العكس (في هآرتس).