يهود أوكرانيا بعيون "إسرائيلية"..بقلم/ نبيل السهلي

الساعة 10:12 ص|26 مارس 2022

فلسطين اليوم

تستغل "إسرائيل" الغزو الروسي لأوكرانيا لجذب مزيد من اليهود الى فلسطين المحتلة خاصة بعد تراجع أرقام الهجرة خلال العقدين الأخيرين. وقد باشرت المؤسسات "الإسرائيلية" والوزارات المختلفة في تهيئة الظروف عبر خطة طوارئ لاجتذاب واستيعاب عدد كبير من يهود أوكرانيا وبواقع خمسة آلاف مهاجر يهودي أسبوعياً مع استمرار الحرب هناك، وذلك بالتنسيق الوثيق مع الوكالة اليهودية، والمنظمة الصهيونية العالمية، ووزارة الأمن والجيش "الإسرائيلي". وفي مقابل ذلك ثمة عقبات وإشكالات تواجه استقدام مهاجرين يهود من أوكرانيا.

تعتبر الهجرة اليهودية الى فلسطين ركيزة صهيونية لفرض التفوق الديموغرافي اليهودي على الفلسطينيين في وطنهم من جهة والاستفادة من الطاقات العلمية بين المهاجرين للبحث والتطوير خاصة في الجيش الإسرائيلي ومراكز البحث المهمة من جهة أخرى. وثمة 200 ألف يهودي في أوكرانيا فضلاً عن 600 ألف يهودي روسي، بينهم العديد من العلماء والأكاديميين، يمكن الاستفادة منهم في مراكز البحث والتطوير الإسرائيلية المختلفة.

وتسعى "إسرائيل"، حسب وزيرة الداخلية الإسرائيلية ايليت شاكيد، الى اجتذاب مئة ألف مهاجر يهودي أوكراني وروسي وإعطائهم الجنسية "الإسرائيلية" مع استمرار الحرب. لكن في مقابل ذلك سيسعى بعض يهود أوكرانيا وروسيا الهجرة الى الدول الأوروبية الأكثر جذباً بالنسبة لهم من "إسرائيل"، ولهذا ستحاول تل أبيب الاستمرار في دعايتها وحملتها الإعلامية لتوفير الحماية والأمن لبعض يهود أوكرانيا بغرض جذبهم في نهاية المطاف.

تعتبر الهجرة اليهودية الى فلسطين ركيزة صهيونية لفرض التفوق الديموغرافي اليهودي على الفلسطينيين في وطنهم من جهة والاستفادة من الطاقات العلمية بين المهاجرين للبحث والتطوير خاصة في الجيش الإسرائيلي ومراكز البحث المهمة من جهة أخرى

وفي هذا السياق استغل رئيس الوزراء "الإسرائيلي" نفتالي بينيت، دور الوساطة بين أوكرانيا وروسيا، طالباً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مساعدة موسكو لإجلاء نحو ثمانية آلاف يهودي يحملون الجنسية "الإسرائيلية" باتجاه فلسطين المحتلة لإسكانهم في المستوطنات القائمة في الضفة الغربية بما فيها القدس وفي الداخل الفلسطيني أيضا بغرض التفوق الديموغرافي على الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين. ورغم الحديث الإسرائيلي المتواتر حول إمكانية استقدام مهاجرين يهود من أوكرانيا لكن هناك معوقات قديمة تحول دون نجاح المسعى "الإسرائيلي" نظراً لتفضيل المهاجرين اليهود الهجرة الى دول أوروبية وكندا التي هي أكثر جذباً على المستوى الاقتصادي من إسرائيل، فضلاً عن التناقضات الجوهرية داخل التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين المحتلة على أكثر من صعيد حيث ينحدر اليهود في التجمع من أكثر من مئة دولة في قارات العالم المختلفة، والأهم من ذلك أن الدعاية والشعارات الصهيونية لم تعد مدخلاً مغرياً للكثير من يهود العالم.

لم تتوقف المؤسسات الصهيونية المختلفة عن مساعدة "إسرائيل" في فتح أبواب الهجرة ليهود العالم واستيعابهم في فلسطين المحتلة، وتبعاً لذلك تواصل الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية بالتعاون الوثيق مع وزارة الخارجية "الإسرائيلية" نشاطها المكثف داخل الدول المجاورة لأوكرانيا، وتمكنت من جذب الآلاف من يهود أوكرانيا خلال الشهر الأول من الغزو الروسي لأراضيها. وقد وضعت حكومة بينيت قبل عدة أشهر من اندلاع الحرب على أوكرانيا خطة لجذب واستيعاب خمسة آلاف يهودي أوكراني الى فلسطين المحتلة كل أسبوع. وشاركت مختلف الوزارات في خطة حكومة بينيت، وذلك تحت رعاية وإشراف وزيرة الهجرة والاستيعاب، بنينا تمنو – شاتا وهي من يهود الفلاشا، في الحملة الخاصة لنقل وجذب يهود أوكرانيا عبر رحلات جوية من أوروبا الى فلسطين المحتلة.

لكن في مقابل ذلك أشارت وزيرة الهجرة والاستيعاب "الإسرائيلية" الى وجود تعقيدات ومشاكل وتحديات كثيرة تواجه حملة استقدام المهاجرين اليهود من أوكرانيا. وفي هذا السياق يمكن الجزم بأن عددا كبيرا من يهود أوكرانيا ويهود روسيا يفضلون الهجرة الى دول أوروبية وأمريكا وهي أكثر جذباً من "إسرائيل" في المدى البعيد على المستويين الأمني والاقتصادي أيضاً، وذلك رغم المغريات الإسرائيلية العديدة مثل وضع مطار بن غوريون في مدينة اللد المحتلة على استعداد لاستيعاب المهاجرين من أوكرانيا، بما في ذلك تسليم بطاقات الهوية، واستيعابهم في مراكز الاستيعاب أو الفنادق، والمرافقة في بداية إقامتهم في فلسطين المحتلة جنباً الى جنب مع السماح لجميع الأوكرانيين الدخول إلى فلسطين المحتلة دون مانع خاص.

وتجدر الإشارة الى وجود إشكالات عديدة في اندماج يهود أوكرانيا داخل التجمع الاستيطاني اليهودي الإسرائيلي نظراً لانحدارهم من أكثر من مئة دولة في العالم، هذا فضلاً عن العنصرية إزاء اليهود الشرقيين وخاصة الفلاشا باعتبار أن بناة دولة الاحتلال الإسرائيلي وروادها هم اليهود الغربيون الاشكناز.

وثمة تناقضات ثقافية جوهرية بين التجمعات اليهودية الاستعمارية في فلسطين قد تطفو الى السطح بين فترة وأخرى. لوحظ ذلك أخيرا خلال اشتباكات بين يهود أوكرانيين مع يهود روس بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط /فبراير الماضي الأمر الذي يؤكد بأن الآلاف من المهاجرين اليهود الى فلسطين المحتلة خلال العقود الماضية مرتبطون الى حد كبير بأوطانهم الأصلية، وما إسرائيل إلا مجرد محطة مؤقتة فقط. اللافت أن إسرائيل أدانت أخيرا الغزو الروسي لأوكرانيا منحازة بذلك الى موقف الحليف الأمريكي الداعم الأكبر لها على الصعد كافة، لكنها أبقت على علاقاتها الجيدة مع موسكو من خلال عرض الوساطة لوقف الحرب، خاصة وأن لدولة الاحتلال الإسرائيلي مصالح مشتركة ومتداخلة مع موسكو في عدة ملفات سياسية وفي عدة مناطق. لكن العين الإسرائيلية ستبقى شاخصة وبقوة لجهة جذب مزيد من يهود العالم الى فلسطين المحتلة وخاصة من أوكرانيا وروسيا على حد سواء حيث يعتبر الهاجس الديموغرافي أولوية لإسرائيل وقادتها والمخططين الاستراتيجيين بغض النظر عن خلفياتهم وانتمائهم الحزبي.

كلمات دلالية