في الوقت الذي تاهت فيه البوصلة واختلط فيه الحابل بالنابل، وأصبح لا يُميز الحق من الباطل، لدرجة أنه تساوى بين العدو والصديق، كان الجهاد الإسلامي يصدح بكل وضوح وثقة وبدون أي تردد أن هذه الأنظمة الوجه الآخر لاسرائيل، الساعية إلى إرضاء امريكا بكل الوسائل والسبل، وإن حدث خلاف بين من أيٍ هذه الأنظمة واسرائيل أو امريكا فلا يتعدى خلاف الابن مع أبيه أو بشكل أصح كما خلاف العبد مع سيده، فلِما الغرابة من أي عملية تطبيع أو تنسيق أو تعاون اقتصادي أو سياسي أو أمني وعسكري، هذا هو الوضع الطبيعي لهذه الأنظمة، وهذه هي العلاقة التي تحكم هذه الدوائر منذ نشأة الاحتلال، فقط الذي تغير أصبحت العلاقة على العلن والمكشوف دون خجل أو وجل.
يبقى على الصوت الحر أن لا ينخدع ببعض التصريحات والشعارات المزيفة والتي قد يكون متفق عليها مسبقًا بين هذه الأنظمة وامريكا واسرائيل، لحفظ ماء الوجه، أو لتكامل الأدوار بين هذه الأنظمة، أو لتحقيق مصلحة وإيجاد مكان وموطئ قدم لدى قوى الشر، أو لامتصاص غضب الشعوب، أو لخداع بعض المغفلين وتعليق الآمال كما السراب الذي يحسبه الظمآن ماءً.
قوى الشر قد تغار على أرضها وتراثها وتاريخها وحضارتها الباطلة والمزيفة وتقرر خوض حروب قد يضيع ضحيتها آلاف الموتى، في حين الأنظمة كما الخنازير لا تغار لا على أرض ولا عرض ولا تاريخ وتراث ولا حضارة ولا حتى على دين.
ستبقى هذه الأنظمة تراوح مكانها وتتقلب بين قوى الشر امريكا واسرائيل وحلفائهم، بحثًا عن تثبيت عروشهم وحفاظًا على تلبية نزواتهم وشهواتهم، رغم ذلك لن ينالوها إلا إذا دفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرين، فلا أمل ولو بمقدار خرم إبرة في هذه الدوائر العفنة.
ولنا في تاريخنا وتراثنا قدوة حسنة،،، عندما كان العرب اذلاء قبل الإسلام وتبع للفرس والروم والحضارات الأخرى، فما أن جاء الإسلام والتزم العرب به قولًا وعملًا فتحوا البلاد وحرروا العباد وأقاموا الدولة التي لم تغب عنها الشمس، وفي الوقت نفسه وضمن هذا المشوار المشمس والمضيء عندما كانت الأمه أو بعض قادتها يعصي الله ولو باليسير كان يحل غضب الله وتتحقق فيهم الهزيمة. فما بالنا اليوم عندما تركنا منهج الله بالكامل وتنكرنا وتنكبنا له واعتبرناه رجعي وقديم ولا يصلح لحضارة القرن العشرين وما بعدها، واستبدلناه بنظم وقوانين وأفكار وضعية ما أنزل الله بها من سلطان صدرها لنا الاستعمار على أمل أن تحقق لنا نهضة وانتصار، فما كان إلا التراجع والهزيمة وعلى جميع الصعد الحياتية.
النصر لا يأتي إلا من عند الله فقط، وكيف يمكن أن ينصر الله أمة حاربت دينه وعباده وعلماءه، ورب العزة هزم جيش المسلمين وفي حضرة النبي عليه الصلاة والسلام في آخر غزوة أحد بسبب معصية الرماة، فما بالنا نحن اليوم، على من سنعول وعلى من سنعلق الآمال، إذا في حضرة رسول الله عليه الصلاة والسلام انهزم الجيش فما بالنا في حضرة زعماء وقادة ورؤساء العرب والمسلمين من باعوا أنفسهم لأمريكا وروسيا واسرائيل وغيرهم من قوى الشر في العالم.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ" سورة الممتحنة.
لا يعني ذلك أن الأمل مفقود والأمة عاجزة على مواجهة الشر، اسرائيل التي تُصدر نفسها القوة الأولى في المنطقة والرابعة في العالم وتمتلك الجيش الذي لا يقهر، الذي شكل الرعب على مدار سنوات للأنظمة العربية، وقف هذا الجيش وهذه الحكومة عاجزة أمام ضربات المقاومة الفلسطينية محدودة العدد والعدة، والمقاومة قهرت الحكومة والجيش في آنٍ واحد ضمن مشوارها الجهادي الذي وصل مؤخرا الى أن تُمطر مدن الاحتلال جميعها بالصواريخ التي شلت الحركة بالكامل وادخلت أكثر من نصف المستوطنين إلى الملاجئ، ودفعت حكومة الاحتلال لاستجداء التهدئة من امريكا ودول الجوار مرات عدة، وفي الوقت الذي كانت فيه قوى الشر تصول وتجول في العالم دون معارض ولو بالصوت، أصبحت اليوم تجد من يقول لها لا وتتلقى ضربات موجعة في ثكناتها العسكرية المنتشرة في العالم.
اللهمّ ردنا الى دينك ردًا جميلا، اللهمُ وحد صفنا وعلى الحق اجمع كلمتنا والهمنا التوفيق والسداد في القول والعمل.ش