حيلة أم احتيال على الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير؟

الساعة 09:34 ص|12 مارس 2022

فلسطين اليوم | انيس قاسم

بتاريخ 6/3/2022، صدر عدد الجريدة الرسمية الفلسطينية (عدد ممتاز) ويحتوي على القرار بقانون رقم (11) لسنة 2022 بشأن دعاوى الدولة، ومن الواضح أنه يلغي ـ عملياً ومن دون النص على ذلك – القرار بقانون (دون رقم) لسنة 2022، الصادر عن ديوان الرئاسة بتاريخ 8/2/2022، الذي أثار اللغط الكثير حوله، عند صدوره لأنه أدرج منظمة التحرير كإحدى دوائر دولة فلسطين. وقيل أيامها إن المستشار القانوني للرئاسة الفلسطينية أوضح أن هناك «سوء فهم» لبعض العبارات الواردة في ذلك القرار بقانون والمطعون عليه (وكالة صدى نيوز 2022).

لقد سبق أن ناقشت القانون المطعون عليه، وكتبت إنه باطل بطلاناً مطلقاً لعدة أسباب «القدس العربي» 22/2/2022. يمكن تلخيصها بأن السبب الأول يكمن في عدم شرعية السلطة التي أصدرته، وثانياً أن تغيير الوضع القانوني للمنظمة يجب أن يصدر عن المجلس الوطني، وليس بقرار رئاسي، ولم يصدر مثل هذا القرار عن المجلس. أما ثالث الأسباب فهو أن القرار الأممي الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29/11/2012 الذي اعترف بفلسطين دولة غير عضو، أضاف القرار ذاته أنه «لا يمس بحقوق منظمة التحرير الفلسطينية المكتسبة وامتيازاتها ودورها في الأمم المتحدة بصفتها ممثل الشعب الفلسطيني» أي أن المنظمة الدولية أعطت الأهمية للمنظمة، وليس للدولة، ويبدو أن القرار اعتبر المنظمة هي الأصل وهي التي اعتبرها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.

ومن المهم ملاحظة أن المنظمة هي إنتاج الشعب الفلسطيني ككل، من كانوا داخل الوطن أو خارجه، ومن هنا تكتسب شرعيتها الدولية، بينما السلطة الفلسطينية هي مخلوق من صنع الاحتلال، وليس صحيحاً ـ من الناحية القانونية – إن منظمة التحرير هي التي خلقت السلطة، ذلك أن مرجعية السلطة هي اتفاق أوسلو وليس المنظمة، والاحتلال هو الذي صمم السلطة وجعلها بديلاً للإدارة المدنية.

ومن الواضح أنه على ضوء الانتقادات الموجهة إلى القانون المطعون عليه، من العديد من قطاعات الشعب الفلسطيني، وما نقل عن مستشار الرئاسة، استقرّ الرأي على استصدار القانون الجديد. إلاّ أنه يبدو أن القائمين على التصويب لم يحالفهم الحظ، بل وقعوا في مطب أكثر سخونة من المطب الأول.

لا جهة تمتلك ـ مهما أوتيت من شرعية ـ حق تغيير الوضع القانوني أو الشكل القانوني للمنظمة، إلاّ أصحاب المنظمة، أي المجلس الوطني

جاء في المادة (2) من القرار بالقانون الجديد أنه «لغايات تطبيق أحكام هذا القرار بقانون، تعامل الدعاوى المتعلقة بمنظمة التحرير الفلسطينية ودوائرها، ومؤسساتها، والمؤسسات التابعة لها كافة، معاملة دعاوى الدولة وتعتبر في حكمها، مدعية كانت أم مدعى عليها». قصر التصويب على «الدعاوى» التي تقام ضد أو من منظمة التحرير، من دون أن تتحول المنظمة إلى «دائرة من دوائر الدولة». وقد ظنّ القائمون على الصياغة أن التعديل يضعهم في مأمن من النقد. إلاّ أن نص المادة الثانية أورد تعبير «وتعتبر في حكمها» أي اعتبار منظمة التحرير في حكم دائرة من دوائر الدولة، من دون أن يصرح بذلك، كما ورد في القرار بقانون المطعون عليه والصادر في فبراير/ شباط الماضي. وإصراراً على ذلك، فإن تعبير «وتعتبر في حكمها» وردت اثنتي عشرة مرّة في القرار بقانون الجديد. وهذا ـ تأكيد على أن هذا التعبير قصد منه الإيضاح في مواقع شتى في القانون من أن منظمة التحرير هي دائرة من دوائر الدولة وتعامل معاملتها، بل هي في حكمها. ولبيان ذلك، نشير إلى نص المادة (3) على سبيل المثال، التي تنص على « تقام الدعاوى ضد جهات دعاوى الدولة ومن في حكمها، على النائب العام…». أي أن الدعاوى تقام مثلاً على أو من قبل، دائرة المياه او الكهرباء الفلسطينية، كما تقام على أو من قبل «من في حكمها» أي على دائرة من دوائر منظمة التحرير. وهذا يعني بوضوح ـ وباختصار- أن الشخص القانوني الذي يمثل منظمة التحرير هو «النائب العام» وليس رئيس المجلس الوطني. هذه حيلة للبدء ـ قانوناً- بسحب الرصيد من الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني تدريجياً وإيداعه في حساب النائب العام الذي يخضع لسلطة الاحتلال. في النهاية تكون المنظمة وحقوقها والتزاماتها تحت سيطرة الاحتلال، ذلك أنه حتى «رئيس دولة فلسطين» بذاته وعظمته وفخامته يعترف ويقرّ في أكثر من مناسبة أنه لا يستطيع الوصول إلى مكتبه في المقاطعة، إلا بإذن سلطة الاحتلال. وتجدر الإشارة إلى تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في مطلع العام الحالي، الذي يؤكد أن «المناطق أ، ب، ج بقيت جميعها تحت السيطرة الإسرائيلية وما زالت هي مناطق محتلة».

إن الحيلة في تغيير صياغة المادة (2) واستبدالها بالبند (1) من المادة (1) من قانون فبراير، لم تكن موفقه، والتغطية على النص بنص عام مثل «ومن في حكمها» لم يكن أكثر من ورقة توت. ومن الواضح أن واضعي الصياغة لم يتمعنوا في تداعيات هذا النص. يبدو أن هناك إصرارا من واضع القانون على تحجيم منظمة التحرير واختصارها إلى مجرد دائرة من دوائر سلطة تحت الاحتلال، وهو أمرٌ فيه انتهاك فاضح للميثاق الوطني ولكل التاريخ الوطني الفلسطيني، ذلك أنه لا جهة تمتلك ـ مهما أوتيت من شرعية ـ حق تغيير الوضع القانوني أو الشكل القانوني للمنظمة، إلاّ أصحاب المنظمة، أي المجلس الوطني، الذي عليه أن يصدر قراراً بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين والغائبين

ولم يقل لنا واضعو هذه الصيغة، القديمة والجديدة، ما هي الأسباب الموجبة لهذا التقزيم لمنظمة انتشرت في كل أصقاع الأرض؟ وكم هو عدد الدعاوى المقامة من أو ضد المنظمة في المحاكم الفلسطينية؟ هناك قضايا أقيمت ضد المنظمة في المحاكم الأمريكية للمطالبة بمئات الملايين من الدولارات، من قبل يهود أمريكيين مطالبين بتعويضات، مما يزعم أنه أصابتهم أضرار من قبل فلسطينيين تسببوا في إلحاق أضرار بهم أو بمورثهم بسبب مقتله أو اصابته بعجز أثناء زيارة مورثهم إلى فلسطين، لكن لا نعلم عن قضايا محلية في محاكم عربية او فلسطينية.

وختاماً، هناك نص ورد في المادة (11) يقول عند اكتساب الحكم الصادر ضد «جهات دعاوى الدولة ومن في حكمها الدرجة القطعية» ترفع صورة من الحكم إلى رئيس الوزراء الذي «عليه أن يأمر بتنفيذه» ولا يجوز لدوائر التنفيذ أن تقوم بالتنفيذ. هذا النص غريب بل إنه خبث، ذلك أنه يُخضع صاحب الحق الذي صدر الحكم لصالحه للضغط والابتزاز، ذلك أن دوائر التنفيذ تنشأ في النظام القضائي لكي تمكن أصحاب الحقوق من الوصول لمبتغاهم على نحو سلس وسهل وطبقاً لإجراءات رسمها القانون. أما الآن، فإن المحكوم له يخضع لرغبات رئيس الوزراء دون بيان ما هو مصير القضية؟ إن رفض الرئيس الأمر بتنفيذ الحكم القطعي، وهنا يخضع صاحب الحق للابتزاز من رئيس الوزراء أو من حاشيته، كما هو حاصل حالياً، إذ أن بعض مسؤولي السلطة، وبالتواطؤ مع الحكم العسكري، يتقاضون مبالغ طائلة من العمال الفلسطينيين مقابل استصدار تصريح عمل لهم داخل دولة المستوطنين. ولا يخفى على الكافة أن الفساد في السلطة أصبح عنواناً ثابتاً.

كلمات دلالية