"القائد ثابت مرداوي.. صاحب الإرادة العالية".. بقلم أ. محمد حميد

الساعة 08:15 م|12 فبراير 2022

فلسطين اليوم | أ.محمد حميد

"القائد ثابت مرداوي.. صاحب الإرادة العالية" بقلم أ. محمد حميد

 لم يكن عجباً على أهل فلسطين أن يتفردوا بالجهاد والمقاومة، بل لم يكن عجباً أن يكون لهم أسلوبهم الخاص في ممارسته، ولم يكن عجباً أن يكون فيه من العناوين الشامخة ممن مارس الجهاد في نَقْع الميادين وفي مقاساة الإصابة وكذلك خلف قضبان السجان، فكان مجاهداً صلباً وجريحاً صابراً وأسيراً شامخاً ومحارباً بأمعائه وجسده، لم يكن عجباً أن نتحدث عن الأسير القائد المجاهد/ ثابت مرداوي الذي استطاع أن يجمع هذه المظاهر الكريمة من الجهاد والمقاومة والنضال.

فمدرسة الصبر والجهاد والمصابرة هي فاتحةُ انتماء الأسير المجاهد/ ثابت مرداوي إلى حركة الجهاد الإسلامي، فكان لاعتقاله منتصف تسعينيات القرن الماضي الفضل في التعرف على هذه الفكرة العظيمة والتواصل مع عددٍ من كوادرها، فاطلع على أدبياتها بكثبٍ وتأثر بأفكار الشهيد المؤسس/ د. فتحي الشقاقي، وذلك في سن صغيرٍ نسبياً حيث لم يكن قد أتم دراسته الثانوية بعد، بل كان الأسر ظرفاً مرافقاً لحصوله على درجة متميزة فيها.

وبعد تحرره من السجن التحق الأسير القائد/ ثابت مرداوي بمجموعات الحركة العاملة في جنين إلى جانب دراسته الجامعية في جامعة القدس المفتوحة، فكان أحد نشطائها الفاعلين في العمل السياسي الذي بلغ ذروته مع دخول الانتفاضة الثانية عام 2000م، ليمتطي الفارس جواده ويكون من السباقين في حمل السلاح في وجه الاحتلال ويشارك إخوانه في سرايا القدس تصديهم للاجتياحات المتكررة لمناطق محافظة جنين، ويكون أحد المشرفين على العديد من العمليات الجهادية في قلب مدن العدو متسبباً في مقتل العشرات من الصهاينة وجنود الاحتلال.

لقد كان الأسير البطل يواكب الليل بالنهار عملاً مع إخوانه من مجاهدي مخيم جنين للتحضير للدفاع عنه بعد ازدياد المؤشرات الأمنية على نية الاحتلال اجتياحَ المخيم، حيث أبلى رفقة إخوانه في تجهيز عتادهم عبر قُنية السلاح وتجهيز العبوات الناسفة وإعداد الكمائن المباغتة استعداداً لساعة الصفر، لتكون معركة جنين عام 2002 أحد المعارك الفارقة في تاريخ الصراع بعد أن تمكن مجموعة من الشباب الفلسطيني على رأسهم أسيرنا المجاهد المنتمين إلى سرايا القدس وغيرها من أذرع المقاومة الضاربة من الصمود أمام آلة الحرب الصهيونية العاتية لأكثر من أسبوعين، نجحوا فيها بالمناورة من بيت إلى بيت ومن ساحٍ إلى ساحٍ متسلحين بإيمانهم العميق بالله سبحانه وتعالى ثم بأسلحتهم الخفيفة ليلحقوا بهذا العدو الغاشم عشرات القتلى ومئات الجرحى، بعد أن كتب الله لهم التوفيق في تنفيذ خطتهم الدفاعية اللافتة في صد هذا العدوان الذي أفضى إلى استشهاد أكثر من 50 مواطناً من المخيم الجريح.

لقد صمد الأسير القائد/ ثابت مرداوي صموداً أسطورياً في هذه المعركة رغم إصابته برصاصةٍ في البطن وأخرى في اليد، فواصل مع زملائه القتال حتى نفاد ذخيرتهم، لتلقي قوات الاحتلال المعتدية القبض عليه مصاباً جريحاً، وليحكم عليه لاحقاً بالسجن لأكثر من واحدٍ وعشرين مؤبداً وهو ما عبّر عن حالة واضحة من دولة الاحتلال للانتقام من الأسير القائد. وكما الأسر الأول بوابة الانتماء كان الأسر الثاني بوابة القيادة والرؤية الثاقبة، فقد كان للأسير القائد/ أبو سامة دور بارز في قيادة الحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال رغم الآلام والأوجاع التي خلفتها إصابته وفاقمها إهمال الاحتلال الطبي المتعمد بحقه، وقد أسعفه في ذلك تنقله في مختلف سجون العدو وهو ما ساعد في اضطلاع دوره القيادي والتوعوي.

لقد امتلك الأسير القائد/ أبو أسامة بصيرة ثاقبة مكنته من الاستقراء الصحيح للمتغيرات السياسية العربية في زمن الربيع العربي، فكان أحد القلائل الذين لم تأخذهم حمية التحولات الديموقراطية في المنطقة والتي كانت ولا تزال إحدى أمنيات المواطن العربي البسيط الذي أنهكه الفساد الإداري والانحراف السياسي، ورغم ترحيب الأسير القائد/ أبو أسامة بهذه التحولات، إلا أنه كان فطناً إلى أن قوى الشر الغربية لن تمرر هذه التحولات وتتيح للجماهير العربية المسلمة اختيار قيادتها السياسية بشكل حرٍ ونزيه، فقد أكد دوماً أن هذه التحركات الشعبية الفطرية وذات النوايا الحسنة ستصطدم بالواقع الاستعماري بالمنطقة الذي تفضله قوى الشر.

فعبر الأسير القائد/ أبو أسامة في أكثر من رسالة وفي ذروة الانتشاء بهذه التحولات عن قلقه ومخاوفه من عملية التفتيت التي يُخَطط لها في المنطقة العربية والتي يراد بها تجزئة المجزأ وتفتيت المفتت، فكان ينصح دائماً بالتعاطي مع هذه التطورات خاصة الحرب في سوريا وما تصبو إليه دولة الاحتلال من تفتيت الوطن السوري إلى أقليات طائفية وعرقية، وتضمنت رسائله عديد التنبيهات إلى إمكانية استهداف محور المقاومة في لبنان وإيران وفلسطين عبر البوابة السورية التي تعتبر أقرب البوابات إلى خط المواجهة مع العدو كدولة.

الأخ الأسير القائد/ أبو أسامة يستطيع التعبير عن نفسه بجدارة، ولكنني أعبر عما فهمته مما كَتَبَه من رسائل خلال سنوات الأسر، فقد أدرك خطورة التحدي الغربي في المنطقة وأوضح كيفية مواجهته من خلال حركات المقاومة في فلسطين ولبنان وإيران في وقتٍ استسلم فيه الكثيرون من قادةٍ وحكام عربٍ ومسلمون لهذا القدر حتى أضحى الاستسلام للتبيعة الأجنبية أهم سمات الحاكم العربي.

لا أستطيع أن أفي الأسير القائد/ أبو أسامة بهذه الكلمات حقه، ولكنني آثرت أن أكتبها وفاءً له داعياً الله له بالفرج القريب وجميع أسرانا خاصةً وقد أنهكهم الأسر والمرض لسنواتٍ طوال.

 

 

كلمات دلالية