كأننا جسد واحد..
انه حرمان من أبسط الحقوق الإنسانية.
كانت تسمح لنا ما تسمى إدارة سجون الاحتلال بتدخيل الملابس ثلاث مرات بالعام، أي أن كل 3-4 أشهر يكون هناك زيارة واحدة مسموح فيها التدخيلة أي تدخيل الملابس، باعتقادهم بأن هذه السياسة تنغص على الأسيرات مسار الحياة.
إضافة إلى ذلك، سنت قرارات تعسفية خبيثة وهي بالتأكيد بالنسبة لنا كأسيرات كانت فاشلة، وذلك بتحديد عدد الملابس التي يسمح بتدخيلها، كـ مثلا: (بيجامة عدد ٢ بنطلون عدد ٢ بلايز عدد ٢ جربان عدد ٢ جلباب عدد ١ وبشاكير عدد ١ ملف تخت عدد١).
كما تقوم بتحديد الألوان، حيث (منع اللون الزيتي والرمادي وفي بعض الأحيان منع اللون الأسود)، وفوق كل ذلك تحدد نوع الملابس المسموحة، مثلا:- (منع تدخيل الجينز والكتان والجوخ والصوف واي ملابس تحتوي على الاجياب والملابس التي تحتوي على القبعات والملابس المبطنة والملابس الثقيلة نوعاً ما والجاكيتات، بأغلب الأحيان يمنع تدخيل الملابس التي تكون بسحاب وكذلك الحرير) إلا أن رغم أنوفهم كنا نشعر بأنها حرير.
لن ننحني ابدا ما نجح السجان بتضييقاته كسر إرادتنا وتضييق علينا الزنزانة الضيقة، بل كان يشعل بدربنا الطويل منارة التحدي ويرعرع بنا روح الإصرار.
قد قُنعنا بالعطاء صنعنا من اللا شيء أروع معاني الشيء ففي حين تستلم كل اسيرة تدخيلة ملابسها الخاصة بعدما أن انتظرتها طويلاًـ تأتي روح الإيثار والعطاء حيث تقوم بتقديم وعطاء افضل ملابسها بخزانة العام بكل حب وإخلاص.
خزانة العام: تضم هذه الخزانة جميع المستلزمات وتستخدم في حالة الطوارئ، مثلا في حال اي اسيرة انقطعت من الكنتينة أو الملابس أو اسُستقدمت أسيرة جديدة للمعتقل تغطي هذه الخزانة كل احتياجاتها على الأقل لمدة ستة شهور حتى يسمح لها بالزيارة وتدخيل الملابس و"الكنتينة".
إذ تهدف الأسيرات من هذا البرنامج ان تعتاد الأسيرات على أنهن جسد واحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، كما أنه يحمل للأسيرة الجديدة رسالة اطمئنان وشعور أنها قد اكتسبت عائلة اخرى.
عندما ترى الأسيرة ملابسها
ترى الاسيرة ملابسها وهي تغمرها الفرحة، كطفلة صغيرة اشترت ملابس العيد وبقيت بين أيديها تنتظر العيد، نعم كنت كذلك، كنت انظر لهن واحدث نفسي نفرح كل هذا على ملابس لم نشتريها نحن ولم نعش هذه الأجواء،
وأجمل شيء كنت احتفظ بها دون أن ارتديها حتى نبقى اشتم بها رائحة البيت رائحة أمي والعائلة.
أذكر مرة تحديدا في يوم 16/2/2015 قدمت أمي لزيارتي وقامت بتدخيل جلباب وكانت شابكة زناره خوفاً من مصادرته بخيط، ويا الله كم فرحت لهذا الخيط البسيط وكم بكيت حينما رأيت هذا الخيط البسيط واحتفظت به وما زلت احتفظ به في دفتر مذكراتي، كم هو شيء بسيط وتافه ولكن عندما تمر السنين دون رؤيته يصبح شيئا ذي قيمة قيمة وخصوصا لأسيرة باتت الأمور الممنوعة أكثر بكثير من المسموحة.
ورغم ذلك، أصبح اتساءل كيف لو يأتينا الآن ما يحمل لنا خبر مفرح حقا كـ صفقة تبادل اسرى وكم كنت اشعر حينها باختناق وانا أرى لحظة حريتي اقتربت دونهن.
كنا نذهب لغرف بعضنا كي ترى كل واحدة منا ملابس الاخرى، كنا نحتفظ ببعض الملابس للمناسبات (هذه للزيارة وهذه للعيد وهذه للمحكمة)، حيث قبل الزيارة بأسبوع كانت تقوم كل منا بتجهيز ماذا سترتدي ونذهب لغرف بعضنا البعض هذه تريد حجاب وهذه تريد حذاء وهذه تريد جلباب وهكذا نستعير من بعضنا ونسند بعضنا، لنبين الأجمل أمام عائلاتنا رغم بشاعة السجن والسجان.
لبسة على أمل ما
أول ما كنت أفعله هو اختار لبسة لتفاؤلي الدائم أو احتفظ بها على امل أنها ستأتي صفقة مفاجأة لكن قضيت سبعة اعوام دون ان تأتي هذه اللحظة، وفي كل مرة أبدل اللبسة الجديدة بالقديمة واتمتم عليها أدعية الأمل.
شئ آخر جميل هناك حينما كانت أسيرة تتحرر تقوم قبل أيام من تحررها باهداء ملابسها للأسيرات وتخرج من المعتقل بأبسط الملابس حتى تترك الأفضل لمن بقين خلفها.
ربما كتبت هذه الكلمات وأنا على عجل، حيث تتدفق سريعا من الذاكرة، مثل تدفق الأفكار بهذه المادة، إلا أنها وصف بسيط لما تشكله هذه الزاوية من زوايا الأسر ارتباطا وثيقا به.