خبر ضربة إسرائيلية لمنشآت نووية ..طلعت مسلم

الساعة 08:56 ص|15 ابريل 2009

ـ الجزيرة نت 14/4/2009

بعد تسلم الإدارة الأميركية الجديدة مهامها ومع تشكيل حكومة إسرائيلية يمينية جديدة جاءت إسرائيل لتعاود الحديث عن الخطر الإيراني والتصدي له عسكريا، بينما اتجه مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة إلى دراسة احتمالات ضربة عسكرية توجهها إسرائيل إلى إيران, وفي هذا السياق اتجه مسؤولون من إسرائيل إلى الولايات المتحدة لمحاولة بحث الموضوع، وذلك بعد أن زارت وزيرة الخارجية الجديدة هيلاري رودهام كلينتون إسرائيل.

أما مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية فقد قام عبد الله طوقان أحد المتعاونين معه بكتابة تقرير جديد بعنوان "دراسة حول ضربة إسرائيلية لمنشآت التطور النووي الإيراني".

ويلقي ترأس بنيامين نتنياهو الحكومة في إسرائيل واختيار أفيغدور ليبرمان رئيس حزب إسرائيل بيتنا لوزارة الخارجية بظلاله على هذه الاحتمالات، بل وعلى تطورات الأمور في المنطقة.

تصعيد إسرائيلي وأميركا تتحفظ

مازالت هناك مؤشرات تثير القلق بين إسرائيل وإيران، فقد تصاعدت تهديدات إسرائيلية جديدة ضد إيران بأن إسرائيل لن تستطيع أن تتعايش مع البرنامج النووي الإيراني طويلا قبل أن يوجهوا إليها ضربة عسكرية.

وقد توجه غابي أشكنازي رئيس أركان القوات الإسرائيلية إلى واشنطن لبحث القضية إلا أنه لم يجد البساط مفروشا له حيث لم يتمكن خلال زيارته التي استمرت خمسة أيام إلا من لقاء جيمس جونز مستشار الأمن القومي في الإدارة الجديدة، وهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، ودينيس روس المستشار الخاص لوزارة الخارجية الأميركية حول "الخليج وجنوب شرق آسيا".

وقد صرح رئيس الأركان الإسرائيلي بأنه أبلغ دينيس روس أن إسرائيل لن تتعايش مع إيران النووية وأن إسرائيل ترى أنه يجب أن يبدأ العمل مع إيران بالاقتراب الدبلوماسي، ولكن إسرائيل يجب أن تستعد أيضا لاحتمالات أخرى.

وقد حاول غابي أشكنازي أن يلتقي إدارة الرئيس أوباما ولكن المسؤولين لم يكونوا متاحين، وفشل في الوصول إلى أي من أعضاء الوزارة بما فيهم وزير الدفاع أو رئيس الأركان المشتركة الأدميرال مولين.

وقد صرح أحد الدبلوماسيين الأميركيين بأن الإدارة الجديدة تبعث برسالة واضحة جدا بأنها تريد الحديث عن فلسطين وليس عن إيران. وكان الهدف من الزيارة وفقا لمصادر إسرائيلية هو إغراء الإدارة الأميركية بالتخلي عن خطة الحوار مع إيران، ولكن أحدا من صانعي ومتخذي القرار لم يكن مستعدا لمقابلة إشكنازي بداية بالرئيس باراك حسين أوباما ونائب الرئيس جوزيف بايدن، ووزير الدفاع روبرت غيتس، ومدير الاستخبارات الوطنية دينيس بلير، ورئيس الأركان المشتركة مايكل مولين.

زاد الطين بلة من جهة أخرى أن قام بنيامين نتنياهو الذي يوصف بأنه رأس الصقور في إسرائيل ورئيس الحكومة ببعض التعيينات الهامة تتعلق بإيران أيضا، فقد تم اختيار أفيغدور ليبرمان -أقصى المتطرفين اليمينيين وعدو العرب المتشدد والمتطرف- ليكون وزيرا لخارجية إسرائيل, وتسلم عصا السياسة الإسرائيلية الإيرانية، أكثر من هذا أنه أعطى ليبرمان مسؤولية الحوار الإستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة حول قضايا مثل إيران.

ومن المعروف أن لجنة الحوار الإستراتيجي الأميركي الإسرائيلي هي المكان الذي تتخذ فيه القرارات الهامة المشتركة بالنسبة لكلا البلدين حول التهديد النووي المتصاعد والموضوعات الإستراتيجية الهامة خلال اجتماعها الذي ينعقد مرتين في العام، وكان إيهود أولمرت قد كلف وزير المواصلات شاؤول موفاز والذي كان رئيسا سابقا لأركان الجيش الإسرائيلي برئاسة وفد إسرائيل في تلك اللجنة بدلا من تسيبي ليفني وزيرة الخارجية التي اعتبرها حديثة عهد بالأمور العسكرية، بينما عين أفيغدور ليبرمان وزيرا للشؤون الإستراتيجية في عام 2006 وأصبح بها مسؤولا أساسا عن موضوع التهديد النووي الإيراني.

كان التعيين الثاني الهام الذي قام به نتنياهو هو تعيين عوزي أراد مستشارا للأمن القومي لنتنياهو وهو ظل عضوا في الموساد بين عامي 1975 و1997 وارتبط اسمه بفضيحة التجسس التي ضمت مسؤولين من "الإيباك" (لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية) ومسؤولا في وزارة الدفاع الأميركية، وقد قاد أحد أعضاء اللجنة المذكورة الحملة التي أدت إلى انسحاب تشاس فريمان من ترشيحه لرئاسة مجلس الاستخبارات القومي، وأساس الفضيحة هو نقل معلومات سرية عن خطط الولايات المتحدة حول إيران إلى مسؤولين في الإيباك والسفارة الإسرائيلية.

وقد منع أراد من دخول الولايات المتحدة منذ ذلك التاريخ لتهم الجاسوسية والتخريب التي تنتهك قوانين الهجرة.

تقرير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية

أما تقرير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية فقد كان يهدف إلى بحث أثر الضربة الإسرائيلية على الولايات المتحدة ومصالحها، وقد خرج التقرير ببعض الاستنتاجات التي بتحليلها نجد أننا في خلاف مع بعضها بينما نوافق على عناصر أخرى. وقد اشتملت الخلاصة على ما يلي:

• إن الضربة الإسرائيلية ضد المنشآت الإيرانية النووية محتملة، وإن المسار المفضل هو على طول الحدود السورية التركية ثم فوق جزء صغير من العراق ثم إلى إيران والعودة من نفس الطريق، لكن عدد الطائرات المطلوبة وإعادة ملء الوقود على طول المسار والوصول إلى الأهداف بدون اكتشافها سيكون معقدا وعالي المخاطرة، وسيفتقر إلى أي تأكيدات بأن المهمة ستحقق معدل نجاح عاليا.

• إن الدول العربية غالبا لن تتسامح مع أي هجوم على إيران بحجة أن إيران تشكل تهديدا لوجود إسرائيل ولأمن المنطقة كلها، بينما لدى إسرائيل من مائتي إلى ثلاثمائة سلاح نووي ووسائل إطلاقها باستخدام صواريخ "أريحا" بالإضافة إلى أن إسرائيل مازالت تحتل الضفة الغربية ومرتفعات الجولان السورية.

• كلما كان هناك تهديد إسرائيلي لبقاء النظام في إيران كلما زاد تصميم إيران على امتلاك الأسلحة النووية. وأن إيران قد تنسحب من معاهدة عدم الانتشار على أساس أنها محتاجة لامتلاك الأسلحة النووية لحماية سيادتها ولأي اعتداء إسرائيلي أو من الولايات المتحدة.

• ستؤدي الضربة الإسرائيلية على إيران إلى ارتفاع التوتر وعدم الاستقرار والنزاع الإقليمي وكذا الإرهاب في المنطقة.

• يجب على الولايات المتحدة أن تنخرط في اتصال مباشر مع إيران يشتمل على كل المجالات العسكرية وغير العسكرية، وتلك التي تتفق معها عليها والتي لا تتفق عليها، وأن أي حل واقعي مع برنامج إيران النووي سيتطلب اقترابا يشتمل على المصالح العسكرية والاقتصادية والسياسية وخلافات الولايات المتحدة مع إيران.

• سيكون على الولايات المتحدة أن تحاول أن تجعل من التحقق الشامل لبرنامج التطوير النووي الإيراني أحد أولوياتها في أي حوار دبلوماسي، بينما تحاول في نفس الوقت إغراء إيران على إيقاف برنامج التخصيب، على أن على الولايات المتحدة أن تسير وتتفاوض على خط رفيع جدا بين أسلحة التدمير الشامل الإسرائيلية وقدراتها الصاروخية البالستية من جهة، وبرنامج إيران النووي من الجهة الأخرى حيث على الولايات المتحدة أن تدرك أن كلا الموضوعين مترابطان بشدة، وأن كلا منهما يشعل الآخر، وهكذا على الولايات المتحدة أن تستعد لمناقشة كلا الموضوعين على التوازي بينما تحاول ألا يظهر أنها تتبع معايير مزدوجة بالنسبة لإسرائيل.

ملاحظات على التقرير

نختلف مع التقرير في بعض النقاط أولها مسار الضربة العسكرية الإسرائيلية حيث يعتبر المسار المرجح غير مناسب حيث يحتمل تعرضه للاعتراض من أكثر من جهة سواء في الذهاب أو العودة من كل من سوريا وتركيا وإيران، وهناك احتمال لاعتراضه حتى من الولايات المتحدة في العراق، لكن الولايات المتحدة غالبا لن تحاول إسقاط الطائرات الإسرائيلية القائمة، بالضربة وقد ترى إرغامها على الهبوط أو العودة حيث ستصبح الولايات المتحدة متورطة في الضربة رغما عنها إذا لم تفعل ذلك.

وقد أوضح التقرير صعوبة اتخاذ هذا المسار ومخاطره. والأغلب -إذا قررت إسرائيل القيام بضرب المنشآت النووية الإيرانية منفردة- أن تتخذ مسارا عبر الأجواء الأردنية ثم الأجواء العراقية حتى مصب شط العرب في الخليج ثم تدخل الأجواء الإيرانية قريبا من المنشآت النووية الإيرانية وخاصة المفاعل النووي، والعودة من نفس الطريق حيث تكاد لا تتعرض الطائرات الإسرائيلية في هذه الحالة لمحاولات الإسقاط، ولكن قد تحاول الولايات المتحدة في العراق منعها من تنفيذها فقط، كما أن الأردن يفتقر إلى وسائل دفاع جوي فعالة لاعتراض الطائرات الإسرائيلية.

الخلاف الثاني بالنسبة لموقف الدول العربية، فإذا كان التقرير يستخدم اصطلاح "عدم التسامح" "not condone " فإن المؤكد أن الدول العربية ستستنكر الضربة وتدينها مراعاة لمصالحها مع إيران، لكن تعبير عدم التسامح قد لا يكون دقيقا حيث يصعب تصور أنها ستقوم بعمل إيجابي يعبر عن عدم التسامح.

الخلاف الثالث يتعلق باحتمال أن تقوم الولايات المتحدة بالربط بين البرنامج النووي الإيراني والقدرات النووية الإسرائيلية حتى لا تبدو أنها تتخذ معايير مزدوجة حيث يصعب تصور مثل هذا السلوك في وقت قريب خاصة بعد أن نجح اللوبي الإسرائيلي في إثناء مرشح مجلس الاستخابارات عن الترشيح.

هكذا يمكن القول إنه رغم ما يصدر من إسرائيل من تصريحات فإن قيام إسرائيل بعمل منفرد أمر مستبعد في المستقبل القريب، خاصة وأنه يصعب على إسرائيل معتمدة على إمكانياتها أن تقوم بالضربة وحدها، كما أن الولايات المتحدة ستتحمل نتائجها حتى وإن لم تشارك في الضربة.

كما أن العلاقات الأميركية مع إسرائيل في الوضع الحالي ليست في أحسن أحوالها، كما أن العلاقات الإسرائيلية التركية لا تشكل النموذج المناسب للقيام بعمل عسكري إقليمي يحرج تركيا، وخاصة بعد الحرب على غزة، وامتناع إسرائيل عن تنفيذ قرار مجلس الأمن وفتح المعابر وإنهاء الحصار.

من المتوقع أن يحاول كل من الجانبين الأميركي والإسرائيلي أن يغير من موقف الآخر خاصة وأن إسرائيل تعترف بأن يكون العمل الدبلوماسي سابقا وأن يستنفد فرصه، لكن من الواضح أن استعداد القيادة الإسرائيلية عموما، وحكومة نتنياهو الجديدة بصفة خاصة للصبر محدود للغاية، وستحاول دفع المنطقة إلى الصدام والتوتر.