من هو قاسم سليماني؟

الساعة 12:19 م|03 يناير 2022

فلسطين اليوم

قاسم سليماني، الاسم الأبرز في الصراع مع الاستكبار العالمي، رجل إيران الذي اختار أن يقارع أميركا والاحتلال الإسرائيلي وأدواتهما من أنظمة ومجموعات "إرهابية".. رجل الميدان والسياسة من إيران الثورة، إلى سوريا والعراق ولبنان وفلسطين واليمن.

ولد قاسم سليماني يوم 11 آذار/ مارس من العام 1957، في بلدة رابور في محافظة كرمان في إيران، لأسرة تعتاش من الفلاحة.

في العشرينات من عمره، أسس قاسم سليماني لواء "41 ثأر الله" عام 1980 خلال الحرب العراقية الإيرانية، ثم تولى في تسعينات القرن الماضي قيادة حرس الثورة في محافظة كرمان الحدودية مع أفغانستان، قبل أن يعيّن قائداً لفيلق القدس في 1998 خلفاً لأحمد وحيدي.

وواصل قاسم سليماني تقدمه في الحرس الثوري، إذ تولى في تسعينيات القرن الماضي قيادته للحرس الثوري في محافظة كرمان الحدودية مع أفغانستان، ومكنته تجربته القتالية والعسكرية في وقف تهريب المخدرات من أفغانستان إلى تركيا وأوروبا عبر إيران.

ملفات كثيرة عمل عليها الشهيد قاسم سليماني، وقدرات كبيرة ساهم في خلقها، أرادت أميركا من خلال الاستهداف ضربها في مقتل، لكن واضح أن الصمود لايزال سمة محور المقاومة كاملاً، لا بل إنه يتقدم في كثير من الجبهات، فيما تصمد إيران ولا تتنازل، بل وتجبر الآخرين على استجداء التفاوض معها، ما يعني أن اغتياله لم يحقق لأميركا الهدف الذي استندت إليه في عملية الاغتيال.

جمع الشهيد سليماني في عمله بين الأبعاد العسكرية الجهادية والدبلوماسية والمعنوية والإنسانية، هو الذي يرتدي سترة القتال وخوذة الحرب ويحضر في الخطوط الأمامية، وهو نفسه ذاك الإنسان الذي كان يوصل الدواء والمواد الطبيّة والتجهيزات إلى بلاده المحاصرة اقتصادياً، وإلى أولئك الذين حاصرهم "الإرهابيون" في العراق وسوريا.

أيضاً بات واضحاً الدور الكبير الذي قام به الشهيد في دعم وتمويل وتدريب وتسليح مختلف الفصائل الفلسطينية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يؤكّد جديّة سليماني وقوّة القدس وإيران في محاربة "إسرائيل" وقتالها ودعم المقاومة.

القائد الذي لم يعرف الجلوس خلف طاولة مكتب، دأب على العمل العسكري الميداني، متنقلاً من جبهة إلى أخرى طوال 40 عاماً، تارة تراه في صلاح الدين العراقية خلال استعادة تكريت من داعش، وتارة تراه في البوكمال آخر معاقل "داعش" في سوريا، ومرة يكشف أنه كان برفقة السيد حسن نصر الله والشهيد عماد مغنية في الضاحية الجنوبية خلال حرب تموز 2006، وأخرى يجتمع بالقيادات الفلسطينية في لبنان.

إنجازاته الكبيرة، خاصة خلال الأعوام الـ 10 الأخيرة، حوّلته إلى مادة رئيسية لنشرات الأخبار والمقالات والأفلام الوثائقية، حتى استحق أن يقلده مرشد الثورة الإيرانية، السيد علي خامنئي، وسام "ذو الفقار"، وكانت المرة الأولى التي يُمنح بها هذا الوسام منذ قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ومع تزايد قوته العسكرية من ناحية، وشعبيته الكبيرة لدى الشعب الإيراني والشعوب المقاومة للنفوذ الأميركي، خاصة بعد دوره الرئيسي في القضاء على تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، وإسقاط الخطط الأميركية التي كانت معدة للبلدين، وضعته الولايات المتحدة على قائمة "الإرهاب" وفرضت عليه عقوبات.

"إسرائيل" من جهتها، اعتبرته الشخصية الأخطر، ووضعته على رأس قائمتها للاغتيالات، بالإضافة إلى الشهيد بهاء أبو العطا، والسيد حسن نصر الله، وفعلاً تم إحباط مخطط عربي-إسرائيلي لاغتيال قاسم سليماني في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

الهدف من اغتيال قاسم سليماني

عندما اتّخذ الأميركيون، وتحديداً الرئيس دونالد ترامب شخصياً، بدفع ومتابعة مباشرة من بنيامين نتنياهو، قرار اغتيال قاسم سليماني ورفيق دربه الحاج أبو مهدي المهندس، كان الهدف المعلن (الادعاء الكاذب) هو منع مناورة استباقية يخطّط لها الحاج قاسم لاستهداف الوحدات الأميركية في العراق، وحماية الأمن القومي الأميركي.

عملياً، كان الهدف الفعلي لهذا الاغتيال هو وقف مسار تصاعد قوة محور المقاومة وقدراته، عبر إزاحة قائد قوة القدس، المدبر الفعلي والمنسق لعمليات هذا المحور في مواجهة الأميركيين و"الإسرائليين" و"الإرهاب" المنبثق من الطرفين (داعش وملحقاته).

ولكن الأيام والوقائع على الأرض تشير إلى تزايد فرص وإمكانية استهداف الوحدات الأميركية في المنطقة والضغط الجدي لإخراجها، وخصوصاً الاستهداف الإيراني لقاعدة عين الأسد في العراق، والاستهدافات لمقار أميركية وقواعد بصواريخ عراقية مرات عدة.

خاب ظن أميركا

لا شك في أن عملية اغتيال قاسم سليماني ومعه أبو مهدي المهندس، مثّل مكسباً لأميركا تمثَّل في توجيه ضربة لقائد بارز في محور المقاومة، لكن سرعان ما تبين المكسب على أنه خسارة كبيرة لعدة اعتبارات، أهمها ما تحدثت به الصحافة الأميركية وعدد من قيادات الحزب الديمقراطي في ما يخص قوة القدس بعد سليماني. فهذا التشكيل العسكري لم يصبه الضعف أو الانكسار أو أثرت تلك الضربة على تسليحه أو خططه أو دعم حركات المقاومة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين المحتلة.

ذلك يدلل على أن الضربة التي جاءت بأوامر من ترامب كانت أقرب إلى العبثيّة، طالما أنها لم تُغيِّر من الواقع، خصوصاً وأن العميد إسماعيل قاآني الذي كان مقرَّباً من قاسم سليماني هو مَن حلَّ محل الأخير بعد استشهاده، وأعلن أنه سيسير على ذات النهج والخطط المتبعة لقوة القدس.

قاسم سليماني والسعودية.. والإغتيال

في وقت سابق، كشف المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني حسين أمير عبداللهيان، أنّ الشهيد سليماني كان قلقاً على مستقبل السعودية ووحدتها، في ظلّ حالة العداء التي تكنّها الرياض لطهران.

كان سليماني يرى أنّه يجب إبعاد خطر التقسيم عن السعودية، وهو خطر حقيقي. حيث كشف رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، حادثةً تؤكّد حرص إيران على إقامة علاقة طيبة والتقارب مع الرياض.

أورد عبد المهدي أنه عندما كان مع فريقٍ حكومي في زيارةٍ إلى الصين، اتصل به الشهيد سليماني وطلب منه أمراً في غاية الضرورة، وهو أن يكون وسيطاً لفتح صفحةٍ جديدة مع السعودية. ذهب عبد المهدي والتقى العاهل السعودي وولي العهد، وعلى حدّ قوله، بالرغم من الغضب السعودي، كانت الرياض مرحبة بالعرض، فطلب منهم عبد المهدي كتابة رسالةٍ إلى إيران، وأنها بدورها ستردّ.

وصلت الرسالة السعودية، وأصبح الردّ الإيراني عليها جاهزاً، وكان من المفترض أن يسلمه الشهيد سليماني لعبد المهدي، وبدوره إلى الرياض، لكنّ الرسالة لم تصل لأنّ قاسم سليماني قد استشهد قبل ذلك بساعات.

من كلام السيد عبد المهدي، يبدو أن بوادر حلحلة للأزمة بين الرياض وطهران، بدأها سليماني حرصاً منه على الوحدة والتقارب، لكنّ ما عرقل ذلك هو اغتياله، ويبقى السؤال: هل أن الرسالة والمساعي من قبل سليماني كانت إحدى الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة لتكون حاجزاً أمام أيّ تواصل سعودي إيراني؟

الردّ على اغتيال قاسم سليماني والمهندس

إيران ما زالت تؤكد أنّ قصف قاعدة عين الأسد ما هي إلاّ صفعةً للأميركي وأنّ الردع مستمر وأنّ إيران سوف لن تتنازل عن ردّها على استشهاد قاسم سليماني، وأنّ قائد قوة القدس الآن العميد إسماعيل قاآني قد أوحى عن طبيعة القوة الإيرانية، عندما ذكر أنّ ردّ إيران قد يكون في عقر دارهم.

وهنا صورة أخرى يمكن تصوّرها حول طبيعة المواجهة الأميركية الإيرانية. الواضح والثابت هي حقيقةٌ واحدة (إيران تجهّز لشيء ما)، لكنّ طبيعة وحدود هذا الشيء غير واضحٍ لغاية الآن، لأن وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي خاطب 60 وزير دفاع حول العالم، برسالة عن تورّط "إسرائيل" في اغتيال العالِم الإيراني محسن فخري زاده، وتصميم الإيرانيين على طرد القوات الأميركية من المنطقة، بالإضافة إلى أنّه مصدراً إيرانياً رفيعاً، كان قد كشف أن "إسرائيل" أساءت فهم سياسة إيران في المنطقة وراحت صوب مزيدٍ من التوتر، وهذا التوجّه الإسرائيلي جعل من المواجهة معها مطلباً قومياً ووطنياً في إيران.

إنّ هذه المعطيات لا تدلّ على تقاعسٍ إيراني في ردّها على اغتيال قاسم سليماني وفخري زاده والمهندس، فبغداد تعيش أزمةً حقيقيةً على خلفية تصاعد الضربات ضد المصالح الأميركية في العراق، ويبدو أنّ نذر المواجهة ليست ببعيدة عن التوقّعات.

وأما حقيقة ما صرّح به الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، "العالم أفضل من دون قاسم سليماني"، وتقييماً لهذا التصريح الذي جاء بعد اغتيال الشهيد، فهل فعلاً العالم اليوم أفضل؟ بطبيعة الحال، حجم الخطر المتصاعد لا يوحي بأنّ العالم من دون سليماني أفضل، وعلى لسان الأميركيين وقادة أغلب دول العالم، وإثر تحريض ترامب أنصاره على دخول الكونغرس وإثارة القلاقل الأمنية، ربما الحقيقة التي باتت أكيدةً هي أنّ العالم من دون ترامب أفضل.

انجازات قاسم سليماني.jpg
 

 

كلمات دلالية