9 شهداء آلاف الجرحى

بلدة بيتا...نموذج المقاومة المستمرة عام 2021

الساعة 10:12 م|16 ديسمبر 2021

فلسطين اليوم

 

 

منذ أيار/مايو الفائت وحتى الأن، ما يزيد عن 230 يوما، لا تزال فعاليات المقاومة الشعبية التي يقوم بها أهالي بلدة بيتا الواقعة إلى الجنوب من مدينة نابلس مستمرة، بلا كلل ولا ملل. وهو ما جعلها نموذجا استثنائيا من المقاومة الشعبية في مواجهة الاستيطان وسرقة الأرض في الضفة الغربية خلال العام 2021.

أهالي البلدة حولوا الفعاليات على جبل صبيح المهدد بالمصادرة وإقامة بؤرة استيطانية عليه، خلال طوال هذه الفترة إلى أسلوب حياة، وعزموا بشكل ضمني وغير مخطط له على المواصلة حتى تحرير جبلهم بالكامل من أيه مظاهر احتلالية، غير معتمدين في ذلك على أحد من خارج البلدة.

وتجددت قصة جبل صبيح بعد قيام مستوطن لإقامة بؤرة استيطانية أعلى الجبل ودعوة مئات المستوطنين للانضمام له، متخذا من عملية إطلاق النار التي نفذتها المقاومة الفلسطينية  في بداية أيار/مايو عند مفترق زعترة وأطلق عليها أسم "أفيتار"، وهو ما جعل الأهالي يهبون لإخلاء المستوطنين وحماية أرضهم.

ومنذ ذلك الحين وحتى الأن، قدمت البلدة تسعه من الشهداء وأكثر من 3300 إصابة بحسب الهلال الأحمر الفلسطيني، وأكثر من 61 معتقلا.

صبيح امتداد لجبل العرمة

ولكن، قد يكون من الخطأ تأريخ هذه التجربة من بداية أحداث جبل صبيح في القرية، لأنها لم تكن سوى امتداد لفعاليات بدأها أهالي البلدة في فبراير/شباط الفائت خلال تحركهم المقاوم لرفض الاستيطان على جبل العرمة، وبعد نجاحهم في استعادة هذا الجبل من خطر المستوطنين قاموا بنسخ التجربة لجبل صبيح.

وجبل العرمة هو جبل مشترك الملكية بين بلدة بيتا وقرية قصرة القريبة، ويعد من المناطق الاستراتيجية المرتفعة جنوب مدينة نابلس، ويعتبر واحد من أعلى قممها، ومن جهة أخرى يطل على جبال السلط الأردنية و منطقة الغور وأريحا.

بالإضافة لذلك، وتضم أراضي الجبل آثار تاريخية كانت طوال سنوات فائتة محط طمع المستوطنين للسيطرة بحجة أنها مكان مقدس لهم، ومع الوقت أصبحوا دائمي التواجد فيها، ونظموا مسار سياحي استيطاني، يقصده مستوطنين من كل الضفة الغربية.

ومع الوقت استشعر الأهالي أن تواجد المستوطنين في المنطقة أصبح بشكل دائم، مع محاولات لبناء بؤرة استيطانية هناك، وترافق ذلك مع منع أي تواجد فلسطينيي بالقوة/ وهو ما تحرك أهالي البلدة لمنعة من خلال التواجد الدائم على الجبل والقيام بسلسلة من الفعاليات التي أستمرت حوالي شهرين من المواجهات التي أستشهد فيها شابين وأصيب فيه المئات، حتى تم تأمين الجبل بالكامل وأصبح لا يستطيع أي مستوطن الوصول لهناك بدون حراسة مشددة من جيش الاحتلال.

استعادة جبل العرمة وتأمينه من قبل أهالي قرية بيتا لم يكن سهلا، فقد سقط الشهداء وجرح العشرات خلال ذلك، كما يقول والد الشهيد إسلام عبد الغني دويكات، والذي استشهد هناك في نيسان/ أبريل الفائت.

مشاركة جماعية من كل أبناء البلدة

يتابع دويكات ل"فلسطين اليوم" تجربة تأمين جبل العرمة لم تكن سهلة، ولكنها أثبتت أننا قادرون، ونحن الأن نستطيع الوصول للجبل في أي وقت، وتمكنا من بناء مجمع خدمات للمنطقة يحتوي على مركز للدفاع المدني، ومركز علاج طبيعي ومسجد".

ويشير دويكات إن هذه التجربة كانت حاضرة في أذهان الأهالي بعد قيام المستوطنين بمحاولات بناء بؤرة استيطانية على جبل صبيح في أيار/ مايو الفائت، وكان التحرك التلقائي من جميع أهالي البلدة، وبدون خطط وحسابات فصائلية.

وتابع:" عندما خلت الفصائلية وأجتمع الأهالي على هدف واحد خرج أهالي البلدة بالكامل لصد خطر المستوطنين وليس أصحاب الأراضي فقط ".

وإلى جانب ذلك، كان من مميزات تجربة المقاومة المستمرة في جبل صبيح كما يقول دويكات، المشاركة الجماعية من قبل جميع أفراد البلدة ومن جميع الأعمار، من نفس العائلة الجد و الأب، والأبن، والحفيد على الجبل، وبشكل ضمني كان الجميع يقوم بما يستطيع أن يقوم به لدعم هذه المقاومة.

وتابع:" من لا يستطيع الوصول إلى الجبل يقدم الدعم المادي والمعنوي للجبل وضيوف الجبل من أعلام وفود تضامن".

عدم ارتباط هذه المقاومة بالأفراد أو المؤسسات هو ما ضمن استمراريتها طوال هذه الأيام، " هذه المقاومة لن تتوقف ما دام الخطر الاستيطاني موجود، وما دام دماء الشهداء هي التي تحرك هذا الفعل".

ولعل ما يميز هذه التجربة عن غيرها من التجارب المقاومة الشعبية في الضفة الغربية أيضا هي تعدد الوسائل التي استخدمتها وأهمها عمليات الإرباك الليلي، على غرار تجربة قطاع غزة في مسيرات الحدودية.

مقاومة مستمرة

وليست هذه المرة الأولى التي يحاول المستوطنين السيطرة على جبل صبيح، فقد كان مطمعا للاحتلال منذ بداية احتلال الضفة الغربية في العام 1967، وذلك لموقعه الاستراتيجي وقمته العالية،  ومع بداية الاستيطان في منطقة جنوب نابلس مطلع الثمانينات من القرن الفائت حاول المستوطنين السيطرة  على الجبل وإقامة مستوطنة ولكن أهالي القرية تصدوا لهم.

عادت محاولات السيطرة على الجبل في العام 2017، وأيضا بعد هبه أهالي البلدة خرج المستوطنين من الجبل دون أن يتمكنوا من السيطرة عليه، ليعودوا مرة أخرى مستغلين العملية التي وقعت عند حاجز زعترة القريب.

يقول المحاضر في جامعة النجاح حذيفة هلال، وهو من أبناء البلدة  وأحد أصحاب الأراضي المهددة بالمصادرة، ل"فلسطين اليوم" إن أهالي بيتا منذ ثمانينات القرن الفائت وهم يعملوا على طرد أي مستوطن يحاول الاقتراب من أراضيهم، "جميع أبناء القرية يهبوا حال سمع وجود مستوطن قريب على البلدة، ويعتبر كل فرد في القرية أن أراضي الجبل ملكه الشخصي".

وبحسب بدير فإن في كل مرة يحاول الاستيطان كسر إرادة البلدة من خلال العنف الذي يستعمله وسقوط الشهداء، يكون الرد بخروج الالاف في جنازة الشهيد لإكمال المسيرة، ومن قلب بيت العزاء يبدأ إعادة التأكيد على المواصلة و الثبات للحفاظ على الأرض بكل الوسائل المتاحة.

وبحسب بدير فإن الاستمرارية في هذا الفعل المقاوم لم يكن مخطط له، ولكنها بالتأكيد  ليست ردة فعل، فلو كانت كذلك لتوقفت بعد سقوط أول شهيد في البلدة، ولكن ما يوجد على الأرض بالواقع هو العائلات وتكاتفها لتحقيق الهدف بالحفاظ على أراضيهم نظيفة من الاستيطان.

هذا الإصرار يجعل أهالي البلدة يصرون أيضا على عمد الخروج من هذه المعركة من طرف واحد، وأن فعلهم المقاوم سيتوقف فقط مع إخلاء جبل صبيح بالكامل من أي تواجد استيطاني واحتلالي.

كلمات دلالية