خبر دولة شريعة.. هآرتس

الساعة 08:56 ص|12 ابريل 2009

بقلم: جدعون ليفي

بعد ايام من توجيه عشرات الاف الاسرائيليين انظارهم الى السماء في ساعات الصباح الباكر لاستقبال الشمس التي حملت فجر الانبعاث، وملايين الاسرائيليين قرأوا باستمتاع تراتيل عيد الفصح لشكر الرب على معجزة انقاذ شعب اسرائيل من الامراض ومن الذين ارادوا الفتك به وانقاذهم من الاوبئة – آن الاوان لتقديم الشكر والامتنان: نحن نعيش في دولة دينية.

في ايام العيد هذه حيث تحول الفروض الدينية العيش في اماكن معينة الى مهمة مستحيلة بما في ذلك مبادرة الحاخامية الرئيسية لمنع وصول كل المنتوجات الحامضة كما تفترض الشريعة اليهودية من خلال برنامج محوسب خاص، ومع الحاخام الرئيسي يونا مستغار الذي يتوجه للحاخام يعقوب يسرائيل ايفرغين المسمى "رندغن" حتى يؤثر على اتباعه، ولنوحي دنكنر حتى يقوم بوضع البرنامج المحوسب ضمن حاجياته، ومع حمية وعدم تناول المواد الحامضة في بلادنا ليس من الممكن ان يشعر الانسان انه يعيش في دولة غير توراتية. فكل شيء من حوله يدل على عكس ذلك.

يجب ان نعترف: هذا مجتمع ذو مزايا دينية ظلامية جدا. الاجنبي الذي يجد نفسه في اسرائيل في هذه الايام يسأل نفسه ما هو المكان الذي وصلت اليه ايران ، افغانستان، السعودية؟ على اية حال هو يدرك انه لم يصل الى مجتمع ليبرالي علماني حضاري كما يحاولون اظهار اسرائيل. لا حاجة لقطع ايادي اللصوص او تغطية وجوه النساء حتى تكون اسرائيل دولة دينية. بالضبط مثلما لا يمكن للدولة التي تحتل وتسيطر على ثلاثة ملايين ونصف انسان مجردين من كل الحقوق المدنية الاساسية ان تسمي نفسها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط"، وكذلك الحال مع الدولة التي لا يوجد فيها خبز طوال اسبوع متواصل بسبب ديانتها التي تفرض ذلك، هذه الدولة لا يمكنها في هذه الحالة ان تسمي نفسها دولة علمانية وليبرالية.

الحقيقة هي ان السنوات الاخيرة بشرت بالمزيد من الانفتاح تحديدا. مراكز اللهو مفتوحة في ايام السبت في بعض المدن في بلادنا. بطريقة تختلف عما كان في الماضي منذ ايام اعمال الشغب في سينما بيتح تكفا. لا يمكن ايضا ان يدفن الانسان اخيرا بمراسيم مدنية مقابل حفنة من الشواكل. ولكن هذا لا يكفي حتى نستطيع ان نسمي انفسنا مجتمعا علمانيا. ومن المحظور ان نخدع انفسنا: كل شيء ديني تقريبا من الميلاد حتى الوفاة مرورا بالزواج والطلاق.

ليست هناك دولة في العالم كله لا تسير فيها الباصات والقطارات في ايام السبت او لا يعمل المطار فيها يوما كاملا في الاسبوع. وليست هناك دولة لا يقدمون فيها كل الاطعمة في كل الايام باستثناء اسرائيل. هذا وضع غريب ولا يتلاءم مع الدولة التي تسمي نفسها دولة ليبرالية متنورة. كما ان الفصل بين الرجال والنساء ليس ظاهرة قائمة في الدول الديمقراطية. الدين لم يفصل هنا ابدا عن الدولة وهما يقومان معا يدا بيد لادارة حياتنا المدنية.

لا يتوجب القاء اللائمة عن ذلك على المجتمع الديني ومؤسسته. من حق الاصوليين والمتدينين ان يبذلوا كل ما بوسعهم لفرض عقيدتهم على الاغلبية العلمانية. اللائمة في ذلك معلقة على العلمانيين وحدهم. تماما مثلما لا يمكن لوم عدم تجنيد شبان المعاهد الدينية للجيش الاسرائيلي عليهم وانما على الاغلبية العلمانية التي تسمح بذلك، نفس الشيء يقال ايضا عن كل ما تبقى من مجالات حياتنا. نحن العلمانيون الذين نوافق على كل ذلك نتحمل المسؤولية وحدنا ونحن الذين نستسلم ونخضع. تماما مثلما نصمت على طغيان اقلية اخرى في المجتمع وهم المستوطنون الذين يفرضون سطوتهم على الاغلبية في اسرائيل. طغيان المستوطنين يشبه طغيان الاصوليين في هذه البلاد، هذا الطغيان قائم بفضل صمت الاغلبية العلمانية التي اختارت الانصياع له.

لذلك لا توجهوا انتقاداتكم وادعاءاتكم للمتدينين. العلمانيون هم الاغلبية وبامكانهم ان يغيروا هذه الصورة. لو ان الاغلبية اصرت على حقوقها ولم تخضع للاقلية لسافرت الباصات في كل ايام الاسبوع ولتم بيع الخبز في ايام عيد الفصح ايضا. من هنا تساورنا الشكوك باننا متدينون اكثر مما نفصح علانية، نحن علمانيون في تصورنا الذاتي ولكننا متدينون في جوهرنا.

لو اننا اعترفنا بذلك على الاقل، لتغير الامر. ولكن المجتمع الذي يراهن على طرح نفسه كمجتمع غربي متنور لا يمكنه ان يخدع نفسه وهو يعيش نهج حياة دينية بهذا الشكل، وظلامي. منذ الايام التي قبلنا فيها كتب التوراة حيث كنا نعتمر القبعات فوق رؤوسنا احتشاما واعتقدنا اننا علمانيون لم يتغير الكثير. لذلك هيا بنا نعطر انفسنا بطعم فطائر عيد الفصح كما تتطلب الشريعة والا نحاول اخراج زجاجة بيرة من وراء ستار النايلون السخيف في اماكن البيع ولنعترف نحن (تقريبا) دولة شريعة.