عندما تصبح الجامعات ساحة للعنف

الساعة 12:30 م|05 ديسمبر 2021

فلسطين اليوم | عرفات عبدالله أبوزايد

"نصيحة وتجربة عملية لقيادة العمل الطلابي بالضفة المحتلة"

بقلم : عرفات عبد الله أبو زايد                                            

لقد شعرت بالألم الشديد تجاه المشاهد التي تم نشرها والتي تتعلق بحادثة مقتل الطالب مهران خليلية وإصابة آخرين من طلبة الجامعة العربية الأمريكية في جنين، وفي الواقع أود هنا أن أتوجه بنصيحة إلى إخواني قيادة العمل الطلابي في الضفة المحتلة، على خِلاف مقالاتي السابقة فإن نصيحتي في هذا المقال هي نتاج تجربة شخصية عملية وميدانية قضيتها لأكثر من 15 عام داخل أروقة وجنبات العمل الطلابي، بدأتها في المرحلة الثانوية عندما كنت منسقاً للجماعة الإسلامية – الاسم السابق للرابطة الإسلامية- الإطار الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي، ونهاية مسؤولاً لملف الجامعات في قطاع غزة لذات الإطار الطلابي، ومروراً بالاطلاع ومعرفة كافة وأدق تفاصيل العمل الطلابي، خاصة وأنه تم انتخابي منسقاً لسكرتاريا الأطر الطلابية في قطاع غزة لأكثر من خمسة سنوات واكبت خلالها أشد الفترات تعقيداً ودموية داخل الجامعات، وهنا أكرر شكري لإخواني ورفاقي قادة الكتل الطلابية في حينه الذين كانوا يجددوا الثقة لي كمنسقاً لسكرتاريا الأطر الطلابية لمدة خمسة سنوات على الرغم من أن اللائحة الداخلية كانت تنص على أن لا تزيد فترة المنسق عن عام كحد أقصى.

وهنا لا أتحدث من باب الترف والإملاء على قيادة العمل الطلابي بجامعات الضفة المحتلة بقدر ما أنقل هم تجربة عملية يمكن الاستفادة منها، ويمكنني الادعاء بأنها تجربة ناجحة خاصة وأنها رافقت الأحداث الداخلية الدموية في العام 2007 حيث كانت جامعات غزة ساحة للبلطجة والقتل والفلتان والاشكاليات التي لم تتوقف للحظة، في تلك الفترة لم تكن مشكلاتنا تنحصر في الخلافات الدموية فحسب، بل واكبها تغول بعض إدارات الجامعات عبر العديد من القرارات المجحفة بحق الطلبة سواء رفع رسوم الساعات الدراسية أو رفع رسوم المعاملات الجامعية أو طرد الطلاب من قاعات الامتحانات لمن عليهم أقساط جامعية، حيث استغلت بعض إدارات الجامعات غياب مجالس اتحاد الطلبة المنتخبة المنوط بها الدفاع عن حقوق الطلبة، وكذلك حالة التشرذم والتشظي التي كانت تكتنف الكتل الطلابية نتيجة الانقسام الداخلي.

أتذكر في نهاية العام 2007 بدأت برفقة اثنين من قادة الأطر الطلابية الحديث عن ضرورة أن نضع حداً لما يدور داخل الجامعات، وبدأنا وضع الأفكار في كيفية عقد لقاء مصغر تكون فيه كتلة فتح وحماس الطلابية ضمن اللقاء، كان هذا الأمر شيء من الخيال، فنحن في أوج حالة الاحتقان ولا يقبل أي طرف منهما أن يلتقي مع الاخر مطلقاً، مجرد طرح الفكرة كانت خيال بكل معنى الكلمة، قمنا بتحويل هذه التحديات إلى فرص، عقدت جلسات منفصلة مع قيادة كل إطار منهما بشكل منفرد، منها جلسات مع كوادر من الشبيبة الفتحاوية كانوا في حينها "مطاردين" للأجهزة الأمنية وسألوني كيف نلتقي مع الكتلة ونحن مطلوبون لأجهزة الأمن في غزة، استطعنا أن نقوم بتفكيك التعقيدات واحدة تلو الأخرى من خلال الحصول على "أمان" لهم على كفالتنا الشخصية والطلابية "الرابطة الإسلامية" كإطار طلابي له تواجده وقوته داخل الجامعات، وفي بداية الأمر وعلى مضض وربما تحت الإحراج بسبب الضغط الذي مارسته عليهم أتفقنا على عقد لقاء ثلاثي نحن في الرابطة الإسلامية والشبيبة والكتلة الإسلامية، وفي الحقيقة على مستوى الرابطة الإسلامية قدموا دعم كامل لي وتجندوا تجاه تقريب وجهات النظر بما يخدم حفظ حقوق الطلبة داخل الجامعات، وبدأنا لقاءاتنا وبدأت أكوام الجليد تذوب رويداً رويداً، واستطعنا أن نضع جدول أعمال وخطوات إجرائية وعملية ميدانية تجاه تفعيل دور الأطر الطلابية، ومن ثم بدأنا الدعوة للقاءات بشكل موسع مع قيادة الأطر الطلابية الأخرى، وقد ساهم ذلك في إنشاء جسم سكرتاريا الأطر الطلابية، والتي كانت الرابطة الإسلامية لها الدور الأبرز في إنشاء هذا الجسم مع بقية الأطر الطلابية، وقد كان لي الشرف بوضع كل جملة وورقة وعبارة في كل ما يخص هذا الجسم من لائحة الشرف التي تم التوقيع عليها من كافة الأطر الطلابية في مهرجان كبير في قاعة رشاد الشوا، وكذلك البرنامج الانتخابي المعدل وفق نظام التمثيل النسبي وكذلك الشروط والأنظمة لممارسة العمل النقابي داخل الجامعات . إلخ.

هذا الدور الذي لعبناه بالرابطة الإسلامية في حينه لم يكن منفصلاً عن دور حركة الجهاد الإسلامي في إطار  جهودها لتضييق الفجوات وإنهاء حالة التشتت، فهذا واجب وطني وشرعي تجاه وطننا وطلابنا داخل الجامعات، حيث استطعنا وفقاً لهذا الدور أن نكرس العديد من المبادئ التي أصبحت واقعاً في العمل الطلابي بغزة لا يمكن تجاوزها، وقد كانت ترتكز علاقاتنا واتفاقاتنا كأطر الطلابية على مبدأ رئيس وهو "تجنيب الجامعات كافة المناكفات والتجاذبات السياسية" ومنع افتعال أي حدث إجرامي داخلها، ووفقاً لذلك شكلنا لجنة مصغرة كنا جزء رئيسي منها بهدف متابعة الجامعات على مدار الساعة وفي حال حدوث أي إشكالية نقوم بحلها على أرضها ميدانياً وعدم إعطاء مجال لتوسعها، وتم فتح خط ساخن مع أجهزة الأمن بما يخص الاعتقالات للكوادر الطلابية داخل الجامعات وكنت كمنسق للأطر الطلابية وظيفتي العمل على إخلاء سبيل أي كادر طلابي يتم اعتقاله على خلفية سياسية سواء تم الاعتقال داخل أو خارج الجامعة، وقد تم التجاوب من الأمن معنا في الغالبية العظمى من هكذا أحداث حيث ساهمت هذه الاتفاقيات بالإفراج عن العديد من الكوادر الطلابية قبل أن يمضي ساعات على اعتقالهم، وقد سمحت حالة الانسجام والالتقاء على القواسم المشتركة فيما بيننا على الوقوف أمام إدارات الجامعات بكل قوة، فلا يمكن أن نمسح من ذاكرتنا كيف واجهنا إدارات الجامعات وجهاً لوجه في اللقاءات الخاصة او حتى في الفعاليات النقابية والطلابية.

نصيحتي لإخواني ورفاقي قيادة العمل الطلابي بجامعات الضفة المحتلة، نعلم بأن الاحتلال قام بتقسيم المحافظات لديكم وهو ما يمنع تشكيل تنسيقية وجسم طلابي على مستوى محافظات الضفة ككل، ولكن بإمكانكم الاستفادة من تجربة سكرتاريا الأطر الطلابية في غزة التي انطلقت من رحم التحديات والتهديدات واستطاعت أن تتجاوز أكثر المحطات تعقيداً في تاريخ الجامعات بغزة، ولديكم الآن فرصة سانحة للاستفادة من هذه التجربة من خلال تشكيل تنسيقية في كل محافظة، وإن لم تتمكنوا فيمكن ذلك في كل جامعة وكلية، بحيث يرتكز هدفكم العام تجاه تجنيب الجامعات كافة المناكفات والتجاذبات العشائرية والقبلية والسياسية، وتتكاتفوا فيما بينكم وترفضوا الاعتقال السياسي داخل الجامعات بل تمنعوه بصدوركم وأجسادكم، وأن تتفقوا على وثيقة شرف تكون هي العقد الأساسي في آلية التعامل بينكم وتحدد ما لكم وما عليكم .. فلا تسمحوا أن تستمر إراقة الدماء والبلطجة داخل الحرم الجامعي، فالجامعات منارات وطنية يجب الحفاظ عليها، والعمل الطلابي هو أسمى وأنبل من أن يُسجل عليه السكوت والخضوع للأمر الواقع، عليكم كقيادة للعمل الطلابي أن تمارسوا دوركم الفعال في توجيه الوعي لدى جموع الطلبة.. "المثقف أول من يقاوم وأخر من ينكسر والمطلوب منه أن لا ينكسر"، هذا ما نريده عمل طلابي يتبنى هذا الهدف ويسعى لتحقيقه.

 

كلمات دلالية