تعيش السلطة الفلسطينية التي يترأسها محمود عباس، في أصعب وأحنك مراحلها التي من المرجح أن تزداد تعقيدًا وتأزمًا خلال الفترة القليلة المقبلة، في ظل مؤشرات ودلائل قوية على الأرض تؤكد أن السيناريو الأخطر والمتمثل بانهيار هذه السلطة وتسليم مفاتيحها "لإسرائيل" بات يقترب كثيرا.
السلطة ورغم تحذيرات قادتها ومسئولي حركة “فتح” والحكومة، بأنها تعاني من أشد وأخطر الأزمات السياسية والمالية، وأنها بحاجة عاجلة للدعم والمساندة العربية والدولية وحتى الأمريكية لإنقاذها، إلا أن الجميع ولا يريد مد يده للمساعدة، وتركها تغرق ببطء.
التخوف من انهيار “سلطة رام الله” لم يقتصر فقط على الفلسطينيين، فالجانب الإسرائيلي كذلك يخشى من حدوث هذا السيناريو الذي وصفته بعض الصحف العبرية بـ”سيناريو الرعب”، وهو اللحظة التي تعلن فيها السلطة رسميًا الانهيار وتقرر تسليم مفاتحيها للاحتلال الذي يتحكم بها بلغة الواقع.
وحذرت المُحاضرة والباحثة الإسرائيلية “رونيت مرزن” من انهيار قريب للسلطة الفلسطينية سيبدأ، وفق اعتقادها، من جنين ويتجه نحو مقر المقاطعة في مدينة رام الله، وذلك في تصريحات نشرها الملحق الأسبوعي لصحيفة “هآرتس”، الأسبوع الجاري.
وشغلت مرزن سابقًا مناصب رفيعة في جهاز “الشاباك” وقبله جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”، وهي حاليًا تعرّف نفسها بأنها باحثة متخصصة في المجال السياسي والاجتماعي الفلسطيني، وتتمحور أبحاثها حول مشاعر وأفكار الفلسطينيين.
تحذير لإسرائيل
وأشارت مرزن إلى تقديرات سابقة لها تحققت بالفعل، أبرزها توقعها اندلاع ثورة بين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، قبل ثلاثة أشهر من الاحتجاجات التي رافقت حرب غزة الأخيرة في شهر أيار/مايو الأخير، إضافة لتوقعها اندلاع مظاهرات شعبية بمشاركة أطفال ونساء في قطاع غزة عند السياج الفاصل، وقالت: “سألتهم آنذاك: ماذا ستفعلون في هذه الحالة؟ هل ستطلقون النار عليهم؟ عندها نظروا إلي كأني نزلت من القمر، لكن بعد ثلاثة أشهر جاء الغزيون إلى الجدار”.
وحذرت مرزن كذلك الإسرائيليين من أن “حركة فتح -الحزب الذي تقوم عليه السلطة الفلسطينية- سيتحطم على رؤوسهم”، داعية إلى إنقاذ ما تبقى من شرعية السلطة في الشارع الفلسطيني، متوقعةً أن الانهيار سيبدأ من جنين وسيتدفق الناس نحو المقاطعة، واصفة الرئيس محمود عباس بأنه “حصانٌ ميت”، ومدعية أنه يبني منزلاً في الأردن ويبدو أنه سيهرب إليه.
وجاءت المقابلة بمناسبة إصدار “مرزن” كتابًا جديدًا بعنوان “الأب والابن وحروب الثورة”، تحاول فيه تفسير “الربيع العربي”، باعتباره “تمردًا على السلطة الأبوية في العالم العربي، المكونة من ثلاثة مستويات: الأب البيولوجي، والأب الحاكم، والأب الغربي” وفق رأيها.
يُشار إلى أن “مرزن” عملت من عام 1958 حتى 1993 في وحدة “أمان”، ثم انتقلت إلى جهاز “الشاباك” وعملت فيه 19 سنة، حيث تخصصت في “ملفات غاية في الإثارة” على حد وصفها.
التخوف الإسرائيلي من انهيار السلطة، لم يتوقف عند التصريحات والتحذيرات بل تحركت حكومة الاحتلال رسميًا للطلب من الإدارة الأميركية دعم الفلسطينيين مالياً، لتجنب التكلفة الباهظة التي قد تضطر لتحمل تبعاتها عند بلوغ تلك المرحلة.
وتقف مخاوف حكومة الاحتلال، برئاسة “نفتالي بينيت”، من غياب السلطة الفلسطينية وراء السعي لمنع انهيارها، بسبب الرفض الإسرائيلي العودة للاحتلال المباشر، ولضمان استمرار التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة.
ويعني انهيار السلطة الفلسطينية بالنسبة للاحتلال، تحمل الخدمات المدنية والحياتية المقدمة للفلسطينيين، فضلاً عن مغادرة نحو 172 ألف موظف فلسطيني من مدنيين وعسكريين لمواقع عملهم والاصطفاف إلى نسب البطالة المرتفعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما يُنذر بتصاعد الأوضاع حد تفجرها في وجه الاحتلال.
وتعمل الحكومة الإسرائيلية على حث واشنطن على زيادة المساعدات المالية لميزانية السلطة الفلسطينية، والضغط على المجتمع الدولي لجهة الانضمام إلى جهود تعزيز السلطة اقتصادياً، وتنفيذ مشاريع اقتصادية كبيرة معها، بهدف منع انهيارها.
وتشارك واشنطن مخاوف الحكومة الإسرائيلية من نتائج الأزمة التي تمر بها السلطة، مما جعلها تدعو سلطات الاحتلال في وقت سابق إلى المساعدة في حلها بوسائل مختلفة، بخاصة تقليص خصم أموال عائدات الضرائب المُستحقة للشعب الفلسطيني.
تآكل السلطة
وفي دلالة أخرى على تآكل دور السلطة وقيادتها، قال 84% من الفلسطينيين وفق استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للمسح وبحوث السياسات إن الفساد منتشر في مؤسسات السلطة! فيما قال 56% منهم إن حماس تستحق تمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني، مقابل 14% قالوا ذلك عن حركة فتح! الأمر الذي يشكل تحولاً مهماً في توجهات الشعب الفلسطيني بعد معركة سيف القدس.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف: “إنّ قرار إنهاء السلطة الفلسطينية من قبل القيادة الفلسطينية أمر مشكوك به؛ لأنّه مرهون بالاحتلال والإدارة الأمريكية”.
وتابع: “السلطة تُريد الحفاظ على ما يمكن أنّ يحفظ ماء الوجه”، مُستدركاً: “حلّ السلطة إذا تم يجب أنّ لا يتم فقط من قبل حركة فتح والرئيس محمود عباس”، مضيفًا “قرار حلّ السلطة يجب أنّ يتم في ظل توافق فلسطيني؛ لأنّ النتائج المترتبة عليه ستكون كبيرة لا يتحملها فريق بمفرده”.
وتأتي الأزمة المالية الخانقة التي تشهدها السلطة نتيجة حجز الاحتلال لأموال الضرائب المستحقة للفلسطينيين، وتراجع الدعم الأميركي، وعدم التزام الدول العربية بتعهداتها التي أقرتها في قمم عربية سابقة بتقديم الدعم المالي اللازم للسلطة الوطنية.
فيما قد تدفع السياسة العدوانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى انهيار السلطة، نظير مواصلة الاستيطان والتهويد والقمع والقتل والتهجير ضد الشعب الفلسطيني، وضم أجزاء من المنطقة “ج” للجانب الإسرائيلي، والتي تشكل 62 % من مساحة الضفة الغربية بما تحويه من إمكانيات استثمارية وطبيعية واقتصادية، يقع 90 % من غور الأردن ضمنها، فضلاً عن الحفاظ على سلطةٍ منقوصة السيادة في الضفة الغربية، وأخرى محاصرة في غزة.
فيما تبلغ قيمة الخصومات والاقتطاعات الإسرائيلية من المقاصة، والتسربات المالية في ملفات تماطل في تسويتها، نحو 1.4 مليار دولار منذ بداية العام 2021، وفق وزير المالية في السلطة الفلسطينية، شكري بشارة.
وتتسبب الخصومات الإسرائيلية، التي تتم بذريعة أنها تعادل ما يتم صرفه من الحكومة الفلسطينية لإعانة عوائل الشهداء والجرحى والأسرى في سجون الاحتلال، في 42 % من عجز الموازنة والتي بلغت 400 مليون دولار، مرشحة للزيادة مع نهاية العام إلى نحو 960 مليون دولار، في حال عدم تحويل الحكومة الإسرائيلية الخصومات المتراكمة خلال أيام.
وتُضاف إلى هذه الخصومات اقتطاعات إسرائيلية شهرية، مثل الكهرباء والمياه وبدل الخدمات، بلغت منذ مطلع العام الحالي 451 مليون دولار.
المصدر: الرأي اليوم