خبر بحثتم ووجدتم / معاريف

الساعة 10:42 ص|10 ابريل 2009

بقلم: بن درور يميني

        (المضمون: الفساد الذي اتهم به اولمرت كان مجرد وسيلة استخدمت من اجل احراز هدف سياسي بعد ان قرر الجمهور ان على اولمرت ان يغادر بسبب حرب لبنان - المصدر).

        الجميع، يقولون لنا الان، وفي الواقع ليس الان فقط – ان كل شيء يبدأ وينتهي عند شخصية وطبع من كان رئيس وزراء لاسرائيل حتى ما قبل عشرة ايام، طبع رديء. هو شخص يميل للترف والملذات والرحلات الجوية الاستعراضية في الدرجة الاولى والسيجار الفاخر. وعندنا كما هو معروف يعتبر الترف فسادا. شريطة ان تسمى ايهود اولمرت. ذلك لانه حتى لو بحثنا في المجهر هناك شك في ان نجد فرقا جديا بين الشخص الذي اقيل والشخص الذي انتخب والشخص الذي خاض المنافسة. عند الاخيرين نتنياهو وباراك، بحثوا ووجدوا ووضعوا في الملفات. عن حق او من دون حق . اما عند اولمرت فبحثوا ووجدوا وبنو ملفات ضخمة. فهل كانت شخصيته هي التي تسببت باسقاطه؟

        اولمرت اراد وتمنى شطب وحذف السنة الاخيرة من حياته. كل رؤساء الوزراء والرؤساء عندنا منذ عقد ونصف من الزمان خضعوا للتحقيقات الشرطية وهذا رقم قياسي عالميا. كلهم نجحوا في لف انفسهم بجلد فيل ورفسوا سياسيا ومع ذلك عرفوا كيف يعودون. هذا بعد ان تمكنوا من صنع شيء لمصلحتهم الخاصة. مع ان هذا العمل هو مشكلة بذاته. فهم سياسيون وليسوا رجال اعمال وليست لديهم قدرات اقتصادية. الامر الوحيد الذي يستطيعون بيعه هو علاقاتهم السياسية وهم يعرفون كيف يفتحون الابواب ورؤساء الشركات الضخمة سيفرحون للرد على مكالماتهم الهاتفية. وهذا يساوي ثروة. اسمهم الشعبي يستغل لزيادة حساباتهم في البنوك.

        الا ان السياسيين عندنا وليس عندنا فقط هم طراز قادر على الصمود والتحمل. اولمرت كما يدعي البعض اكثرهم قدرة على ذلك. قدر كبير من العار الصق به وقضايا كثيرة وتحقيقات حتى انهار هو نفسه مع انه كبير الصامدين. ستار دخان السيجارات الفاخرة لم ينفعه شيئا وصب ضد مصلحته في هذه المرة. اولمرت اجتاز لبنان الثانية وتقرير فينوغراد ولكنه لم يتمكن من اجتياز تلانسكي. شهادة تلانسكي تلك والجلبة الصحفية التي اعقبتها كانت شديدة الوقع ومنذ ذلك الحين بدأ العد التنازلي بالنسبة لاولمرت.

        اولمرت كان في السنوات التي سبقت تحوله الى رئيس للوزراء عدوا لوسائل الاعلام. لسانه كان طويلا وسليطا وكان يضع الصحافين في المكان المناسب لهم. وقد كان محقا في مرات كثيرة. اما في المجال السياسي فقد اجتاز تغيرا جديا. وكان شارونيا اكثر من شارون ذاته. والايام ستقول انه هو على ما يبدو الشخص الذي تسبب بتغيير شارون. ولكن شخصيته لم تتغير. كما ان الود الذي حظي به من بعض رفاقه في وسائل الاعلام وهم ليسوا قلائل لم يغير الاسلوب. هو بقي وما زال ميالا للترف والملذات والجدالات.  اما رئاسة الوزراء فقد وصل اليها بالصدفة كما يعرف الجميع. مسألة فنية اوصلته الى رئاسة الوزراء.

        اولمرت بدأ تغير منذ ذلك الحين. المنصب ملزم الا ان صندوق الافات كان في الانتظار. لم تتناول اية قضية تحقيق بصدد اولمرت السنوات التي ترقى فيها ليصبح رئيسا للوزراء. كل القضايا تعود للماضي الى المرحلة السابقة. اغلبية تلك الامور كانت معروفة او كان من الممكن ان تكون معروفة. ولكن اولمرت ولتذكير كان عشية الانتخابات السابقة ضيف الشرف عند حركة جودة الحكم. وهكذا وليس اقل من ذلك. كما انهم اقترحوا على الجنجي ان يكون وزيرا، المقترح كان من دان مرغريت. الاقتراح شمل دان مريدور ايضا. من هنا اسمح لنفسي بالمراهنة والقول على انه لو قبل اقتراح مرغريت لكانت هذه بوليصة تأمين لاولمرت. ربما سيصبح رئيسا للوزراء وسنعود لذلك فيما بعد.

        حكومة اولمرت انطلقت في طريقها في البداية والفساد لم يكن قد وصل الى عناوين الصحف بعد. الحدث الاكبر كان حرب لبنان الثانية. حرب لبنان اعتبرت عندنا فشلا هائلا وما ان اصبح اولمرت رئيسا للوزراء حتى اصبح دمه مباحا. ليس صدفة ان الصحفيين اللذان كانا طوال حرب لبنان الثانية جوقة تشجيع لاولمرت تحولا الى الاشخاص اللذان شرعا في حملة صليبية ضده. الامور العامة تحولت الى امور شخصية وخاصة. اولئك الصحافيون وبالتحديد اولئك الاثنين اصبحا اكبر مطاردين في مجال الفساد ايضا.

        يجب التوقف للحظة وطرح السؤال: حسنا ولكنهم محقون. فهذا الشخص قد فشل من الناحية الاستراتيجية وكذلك ظهر انه فاسد. ولكن هذا ليس دقيقا. عندما نتذكر المدة التي احتاجها الروس للسيطرة على الشيشان يتبين لنا ان الامر احتاج لسنوات ومع دمار كبير ومئات الاف القتلى وعندما نتذكر المدة التي احتاجتها امريكا للسيطرة على بغداد نرى انها فترة طويلة وصعبة. اذا المشكلة مع لبنان كان في التوقعات اكثر منها في النتائج. لاننا اردنا ان ينفذ اولمرت هناك عملية خاطفة سريعة على شاكلة حرب حزيران او عملية عنتيبيا، كانت توقعاتنا حمقاء. التوقعات التي لا تشخص التغيرات في ارض المعركة والواقع الجديد في الحرب على شاكلة الطالبان وحزب الله وحماس هي توقعات حمقاء.

        اولمرت ليس هو المذنب في عدم تحقيق التوقعات وانما العمى الذي اصاب الخبراء وتسبب في طرح توقعات لا اساس لها.

        فلنرجع للمجال الشخصي. هل كان اولئك الصحفيون انفسهم سيطاردون اولمرت لو ان حرب لبنان الثانية اعتبرت نجاحا. السؤال معروف. ليس هنالك اية صلة بين مستوى الفساد وبين حملة الصيد التي تجري عندنا ضد الشخصيات العامة. المطاردة هي نتيجة لمكانتهم الجماهرية في لحظة معينة. لو ان اولمرت خرج كبطل لحرب لبنان لاعتبر الجمهور كل عمليات التحقيق ضده ملاحقة مغرضة. وتلانسكي لم يكن ليدخل الوعي الشعبي لانه لن يصل الى منصة الشهود في مجريات ضعيفة الاساس بكل بساطة.

        وان كان احد ما يريد برهانا جديدا على ان اولمرت هو ضحية مأساوية للظروف وليس بالضرورة للفساد، فمن الاجدر تذكر حكاية حديثة العهد وهي قضية شركة "تاورس" التي تخص ايهود باراك. مال المتبرعين وصل وكان من المفترض ان يصل لعائلة باراك بواسطة شركة خاصة اقامتها زوجته نيلي فريئيل.

        الامر انتهى عند باراك بالتوبيخ. اما عند اولمرت فلم يكن ذلك ليمر من دون نصب المشنقة. هل كان ذلك ليحول اولمرت الى شخص مستقيم؟ بالتاكيد لا وهذا ليس الادعاء. الادعاء هو ان الملاحقة التي تجري عندنا هي وظيفة وضع علامات مسجلة سياسيا وشعبيا. الناس جاهزون للصفح عن الشخص ان كان يروق لهم ووسائل الاعلام جاهزة دائما لغسل الادمغة اما القانون فهو متحرك ومرن.

        هناك من يعتقد ان اسقاط اولمرت هو انتصار هائل للصحافة وسلطة القانون في كفاحها الكبير ضد الفساد. ليس هناك قول احمق اكثر من ذلك. الاستنتاج من قضية اولمرت معاكس تماما. الفساد لم يسقط اولمرت. الجمهور الاسرائيلي وهذا يتضمن الصحافة وجهاز القانون والقضاء قادر على تحمل الفساد والصفح عن كل قائد سياسي شريطة ان يأتي بالبضاعة المطلوبة او يظهر على هذا النحو. هذا ما حدث مع شارون ومع باراك وهذا ما حدث مع اولمرت الى اللحظة التي اقنع فيها الجمهور بان عليه ان ينصرف الى بيته بسبب لبنان وليس بسبب الفساد. بدءا من تلك اللحظة تحول الفساد الى وسيلة واداة تنفيذية واستغل باكثر صور هزلية لتحقيق هدف سياسي. وهذا امر رهيب لان صحافيين مستقيمين ورجال قانون وخبراء ومحللين يتطوعون كلهم من اجل هذا الهدف وهو قطع راس قائد سياسي من خلال استخدام الفساد وجهاز القضاء من اجل التنفيذ. الفساد امر يطاق طالما كان الشخص محبب على قلوبنا الا انه يتحول الى اداة تنفيذية للاعدام الشعبي عندما يتبدد سحر الشخص المقصود.