خبر كتب صالح النعامي : الإعلام الإسرائيلي.. مُجَنَّدٌ لصالح الرواية الرسمية

الساعة 06:20 ص|10 ابريل 2009

على الرغم من أن الكيان الصهيوني لا يملك وسائِلَ إعلاميةً تتحدَّثُ باسمه، كما هو سائدٌ في معظم الدول العربية، إلا أن أداء الإعلام الإسرائيلي خلال الحرب الإجرامية على قطاع غزة، يُدَلِّل بِمَا لا يدع مجالًا للشكِّ أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تجنَّدَتْ قُبَيْل الحرب وخلالها وبعدها؛ لتسويغ المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين في القطاع خلال الحرب، وحَرَصَتْ على تسويق الرواية الرسمية الإسرائيلية والتشكيك في الرواية الفلسطينية، في حين عَمِلَ الصحافيون الإسرائيليون كما لو كانوا كتيبةً مقاتلةً في الجيش الإسرائيلي.

 

ولقد مثّل سلوك وسائل الإعلام الإسرائيلي برهانًا آخَرَ على أنه لا يمكن اعتبار نظام الحكم في تل أبيب نظامًا ديمقراطيًّا، على اعتبار أن وسائل الإعلام في الأنظمة الديمقراطية تَحْرِصُ على ضمان حقِّ الجمهور بمعرفة ما يدور من أحداث، والنضال من أجل ذلك، لكنّ وسائل الإعلام الإسرائيلية لم تُحَرِّكْ ساكنًا عندما فرض الجيش الإسرائيلي تعْتِيمًا على الحرب ومسارِها، بل وتَطَوَّعَتْ للدفاع عن قرار الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي فَرْضَ التعتيم على مسار الحرب. ولقد تجَنَّدَ الإعلام الإسرائيلي لترويج وتسويق المعلومات التي أمَدَّهَا به الناطق باسم الجيش دون فحصها والتَّحَقُّق من صحتها، وتَحَوَّل إلى مدافع عنها، وخير دليل على ذلك تَصَدِّي الإعلام الإسرائيلي خلال الحرب للروايات الفلسطينية التي أكَّدَتْ أن جرائم حرب بشعة ارتكبها الجنود خلال الحرب، مع العلم أن الضباط والجنود الإسرائيليين أنفسَهُم اعترفوا بعد الحرب أنهم أقدموا على ارتكاب مجازر ضد المدنيين الفلسطينيين، بناءً على تعليماتٍ من قيادة الجيش.

 

ولعل من الأمثلة الواضحة على تَجَنُّدِ وسائل الإعلام الإسرائيلية الأعمى لصالح الرواية الرسمية، هو ما حدث في الأسبوع الثاني من الحرب، عندما قامتْ طائرات سلاحِ الجَوِّ الصهيوني بقصف شاحنة فلسطينية تحمل اسطواناتِ غازٍ في شمال القطاع، لِتَدَّعِي وسائل الإعلام الصهيونية بعد ذلك أن هذه الشاحنة كانت مُحَمَّلَةً بصواريخ " جراد "، بل عرَضَتْ قنوات التلفزة الإسرائيلية صُوَرًا ادعتْ أن طائرات عسكرية بدون طيار التقطَتْهَا للشاحنة لحظةَ قصفها.

 

وقد أثبتت حركة يسارية إسرائيلية أنّ رواية وسائل الإعلام الإسرائيلية كانت مُضَلِّلَة وأنّ الشاحنة كانت مُحَمَّلَةً فقط باسطوانات الغاز، وأن رواية الجيش التي تلقَّفَتْها وسائل الإعلام كانت مُفَبْرَكَةً من أساسها. وقد وصل تطوع وسائل الإعلام الإسرائيلية لترويج الرواية الرسمية لدرجةٍ دفعت ايدي ايندسبيرغ، وهي مُحَرِّرَةٌ كبيرةٌ في القناة التلفزيونية الإسرائيلية الأولى، للقول: إن الناطق بلسان الجيش تَحَوَّلَ على أرض الواقع إلى رئيس تحريرٍ أعلى لكل وسائل الإعلام الإسرائيلية، في إشارةٍ إلى أنّ وسائل الإعلام الإسرائيلية تقوم في الواقع بِنَشْرِ ما يريده الناطق بلسان الجيش.

 

ومن الدلائل على الدور الخطير الذي لَعِبَتْهُ وسائل الإعلام الإسرائيلية هو تَرْدِيدُ مزاعم قيادة الجيش الإسرائيليّ، مُنْذُ بدء الحرب وحتى تَوَقُّفِهَا، بأنّ جميع الفلسطينيين الذي قُتِلُوا خلال الحرب هم من المقاتلين، مع العلم أنّ هناك دلائِلَ على أن أكثر من 80% من القتلى هم من الْمَدَنِيِّينَ الذين لا علاقة لهم بالعمل العسكري.

 

واتَّسَمَتْ تغطية وسائل الإعلام الإسرائيلية لأحداث الحرب بأنها تغطيةٌ انتقائية؛ حيث إنها حَرَصَتْ على التركيز على أحداث محددةٍ، وتجاهُلِ أخرى، بما يَنْسَجِمُ مع الخطّ الدَّعَائِيّ للكيان الصهيوني.

 

وحَرَصَ الإعلام الإسرائيلي على محاولة نَزْعِ الشرعية عن حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، من خلال عَرْضِ عمليات المقاومة على أساس أنها عملياتٌ إرهابِيَّةٌ، مع تجاهُلٍ مُتَعَمَّدٍ للأسباب والعوامل التي تجعل الشَّعْبَ الفلسطيني يخوض هذه المقاومةَ، ويُقَدِّمُ في سبيلها التضحيات.

 

في نفس الوقت حَرَصَ هذا الإعلام على تشويه المقاومة ورجالِهَا، عبر الزَّعْمِ أن مقاومي حركة حماس كانوا يتَّخِذُون من المدنيين دروعًا بشرية يحتمون بها، مع أن لجنة دولية زارتْ غزة، وأجرتْ تحقيقًا مُكَثَّفًا عن مسار الحرب، أكدتْ أن حركة حماس لم تتخذ من المدنيين دروعًا بشرية.

 

وعَمِلَ الإعلام الإسرائيلي على تقديم عمليات قتل المواطنين الفلسطينيين كأمرٍ لا يستحق التَّوَقُّفَ عنده، حيث كان يتم التعامل مع الفلسطينيين القتلى كأرقام. ولم يَقِفِ الأمر عند هذا الحد، بل حَرَصَتْ وسائل الإعلام الإسرائيلية على اتباع الأساليب التحريرية التي تَخْدُمُ الخطّ الدعائي الصهيوني. فمثلًا حَرَصَتِ الصحف الإسرائيلية على استخدام أسلوب الْمَبْنِيّ للمجهول، في الإشارة إلى عمليات القتل التي يُنَفِّذُها الجنود الصهاينة، في محاولة للتغطية على الفاعل!

 

من هنا، فإن من الأهمية بمكان العملَ على فضح الدور الذي تقوم بها وسائل الإعلام الإسرائيلية في التَّغْطِيَةِ على جرائم الاحتلال، وإقامةِ هيئة مُخْتَصَّةٍ بهذا الجانب، على غرار مؤسسة " ميمري " الصهيونية، التي يقودها يغال كرمون الضابطُ الكبير السابق في جهاز الموساد.

 

ويجب إبراز الجانب التعبوي الدعائي لتغطية الصحف الإسرائيلية، والقائم على الانتقائية وعدم الموضوعية، للتدليلِ على عدم مِهَنِيَّةِ الإعلام الإسرائيلي، فضلًا عن تسليط الضوء على تأثيره في دَفْعِ الجمهور الصهيوني نحو التطرف السياسي.

 

وعلى العرب والفلسطينيين الإصرارُ على مواجهةِ الروايةِ الرسميةِ الإسرائيليةِ، بالروايةِ الحقيقيةِ في المحافل الدولية. وتتطلب مواجهةُ الإعلام الإسرائيلي العَمَلَ على إبراز كتاباتِ الصحافيين، والكُتَّاب اليهود والإسرائيليين- الْمُتَحَرِّرين من إِسَارِ قيود الرقابة، والذين يتحدَّوْن الرواية الصهيونية الرسمية، سواءً في شقها اليومي أو التاريخي، ، والذين تتم محاربتهم من قِبَلِ الصحف الإسرائيلية- وإفساحَ المجال أمام هذه الكتابات؛ لِتَأْخُذَ طريقها للفضاء العالمي.