خبر المطلوب من حوار القاهرة الاعتراف بـ« إسرائيل » .. فارس عبد الله

الساعة 04:07 م|08 ابريل 2009

تفاءلنا جميعًا بأن يجتمع الشمل الوطني , بعدما رأينا من تَطَرُّفِ عَدُوِّنَا وعدم اعترافه بحقوقنا , بل وضربه بِعُرْضِ الحائط اتفاقياتٍ قد قبلها البعض منا, رغم ما فيها من ذِلَّةٍ واستكانة لا يقبلها حتى الضعفاء , في لعبةِ موازين القوى التي يتحجج بها مَنْ سار ولم يشاور , في ركب التسوية، والاعتراف بشرعية الاحتلال، وأحقية وجوده على الأرض الفلسطينية, في إطار ما يُطْلَقُ عليها سياسات الواقعية، التي لا تنتصر لوطن، ولا تُؤَسِّسُ لسيادة وطنية.

 

بعد خطاب نتنياهو، وانكشاف سياسة الحكومة الصهيونية الجديدة, وبعد اللَّطْمَةِ التي وجهها ليبرمان لأدعياء التطبيع والاعتراف , بِرَكْلِهِ مؤتمر أنابوليس ومقرراتِه، وعلى الملأ دون مواربة , توقَّع المراقبون أن ينقشع الظلام عن لَوْحَةِ الوحدة الفلسطينية لِتُشْرِقَ من جديد, حتى إن الصهيوني "ايهود ايعاري" المحلل السياسي للقناة الثانية، قد أشار إلى أن احتمالات التوصل في القاهرة , إلى اتفاق هي عاليةٌ للغاية، في ظل الخطاب الصقوري الذي وَجَّهَه وزير الخارجية ليبرمان, والذي أنهى البُعْدَ السياسي للقضية الفلسطينية.

 

إلا أن فريق التسوية لا زال غارقًا في الأوهام, ويبدو أن لا أملَ للإفاقة منها، وأن مستوى الانبطاح وصل إلى منطقة اللاعودة نحو الارتقاء مجددًا! بمستوى أفضل من الأداء، أو أن الأمر لا يتعدَّى مجموعةً تحكمتْ بالمال ومقاليدِ الحكم، وخَطَفَتِ القرار الوطني, لإدارة مرحلةٍ من حياة الأمة، بهدف تمريرِ مُخَطَّطِ القبول بالكيان الصهيوني فلسطينيًّا وعربيًّا وإسلاميًّا .

 

في الحوار الوطني شاركتْ فصائل الشعب الفلسطيني , التي لها وجودٌ، ميدانيًّا وسياسيًّا وعسكريًّا, وفصائل أخرى أكل الزمان عليها ولم يتبقَّ منها غير الهياكل التي شاخت، واكتسى الرأس منها شَيْبًا, حتى فاق عدد المتحاورين في القاهرة أكثر من 280 متحاورًا، وخرجت التصريحات الْمُبَشِّرة للشعب الفلسطيني بأن الاتفاق قاب قوسين, وأن ملفاتٍ أُنْجِزَتْ، وتم الاتفاق عليها، ولم يتبقَّ غير ثلاثة نقاط، يتَعَلَّقُ أهمها بالبرنامج السياسي للحكومة المرتقبة, وغادرت الوفود القاهرة دون اتفاق، مع بقاء الأجواء الايجابية بين الأطراف المختلفة .

 

كانت مفاوضات الحوار في جولتها الثانية تدور حول البرنامج السياسي, وقُدْسِيّة التزامات منظمة التحرير، بما فيها وثيقة الاعتراف بـ"إسرائيل" , وهذا هو الهدف الثمين، فلقد طلب أحد المفاوضين عن تيار الاعتراف والتسوية، باعترافٍ كالكريستال، ذي لمعان وبريق, لا يمكن تزويره، أو الالتفاف عليه، وحاولوا تجميلَ الأَمْرِ بالقول: لا نريد من الفصائل الاعتراف بـ" إسرائيل", من يَعْتَرِفُ هي الحكومة، ومتى كانت الحكومات بِمَعْزِلٍ عن الواقع السياسي للمجتمعات ؟!

 

وعندما عاد وَفْدَا حماس وفتح للقاهرة يوم الأربعاء الماضي, انقشع المشهد على تَصَلُّبٍ في موقف فريق التسوية، ومُطَالَبَتِه بضرورة الالتزام بالاتفاقيات التي وقَّعَتْهَا منظمة التحرير، كشرطٍ للقبول بالحكومة الجديدة وبرنامجها السياسي, ويبدو أن هذا الفريق لم يستوعِبْ بَعْدُ المتغيراتِ الخطيرةَ في السياسات الصهيونية, ويراهن على استمرار مسيرة التسوية مع الكيان الصهيوني.

 

هنا تقع المسئولية على الكُلِّ الوطنيِّ أن يبذل الجَهْدَ, من أجل تصويب المرحلة ومعالجتها بتعزيز برنامجِ التَّمَسُّكِ بالحقوق، فلا تفريطَ، ولا اعتراف, ولتقول الفصائل الفلسطينية كلمتها حول هذه الشروط الخارجية الأمريكية والأوربية, فلا يمكن الاستمرار بِلَعِبِ دورِ الحيادية في المسائل الوطنية، وليس من العَدْلِ مساواة الأطراف من ناحية عرقلة الوحدة الفلسطينية, وإلا على أي أساس، وتحت أيّ ثمن مطلوبة تلك الوحدة !!

 

لماذا لا تتقدم الفصائل الفلسطينية مجتمعةً , باقتراح تطبيقِ وثيقة الأسرى، وهي مَنْ وقعتْ عليها مجتمعة, ولماذا يتم تجاهل برنامج الحكومة الوطنية التي جاء بها اتفاقُ مَكَّةَ المكرمة، ورحبتْ بها كل الفصائل الفلسطينية؟ هناك مخارج كثيرة ونقاط التقاء عديدة في مسألة البرنامج السياسي إذا استُبْعِدَتْ شروط الرباعية المجحفة .

 

قبل أسابيع، وبعد انتهاء الجولة الثانية من الحوار, خرجَتِ الجبهة الشعبية، عبر القياديِّ فيها: أبو أحمد فؤاد؛ لتصرح بأنها ترفض احترام أو الالتزام باتفاقيات منظمة التحرير, وهي الفصيل الثاني في المنظم , وكذلك الجهاد الإسلامي، ولجان المقاومة الشعبية في تصريحات قياداتها تَرْفُضُ شرط الالتزام باتفاقيات المنظمة, لما فيها من إجحاف بالقضايا الوطنية، واعترافٍ بشرعية الاحتلال الصهيوني, إذ إن المعركة السياسية ليست بين حماس وفريق التسوية وحسب، بل تشمل كُلَّ القوى الفلسطينية, وخاصةً مَنْ تُؤْمِنُ بالنهج المقاوم، وترفض كُلَّ طرق المفاوضات والتسوية, التي أثبتت الأيام عُقْمَهَا وعبثيتها، وأن المستفيد الأوحد فيها هو العدو الصهيوني.

 

ونتساءل: لماذا الإصرار من قِبَلِ سلطة رام الله , على الاعتراف بـ" إسرائيل "؟ هل لأنه كأسٌ علقمٌ تُرِيدُ أن تسقي الجميعَ منه , حتى لا تشعر بعقدة النقص الوطني ؟ وهل يُعْقَلُ أن يُسْحَبَ المجموع الفلسطيني إلى ثقافة السيد أبو مازن وفريقه , على أساس الإيمان الْمُطْلَقِ بالمفاوضات، مع إسقاط كل الأدوات الثورية, حتى أصبح إلقاء حَجَرٍ على المحتل من قبيل العبَثِيّة ؟!

 

من غير المقبول الْمَسُّ بتاريخ ومسيرة نضال الشعب الفلسطيني, وإلا كانت انطلاقَةُ حركة فتح نفسها من قَبِيل الترف واللَّعِبِ بمشاعر المناضلين , وهي مَنْ أطلقت شرارة الثورة لاستعادة أراضي الـ48 المحتلة , وهل يقف مَنْ يُؤْمِنُ بنهج فتح الأصيل مُتَفَرِّجًا على هذا الطَّعْنِ بعقيدة الثُّوَّار الشهداءِ الذين سقطوا في ميادين المعارك على سواحل يافا وحيفا والجليل وتَلِّ الربيع والقدس ؟!

 

في اعتقادي أن الحوار الفلسطيني فشل فشلًا كبيرًا خلال مرحلته الحالية، وأن الوفود عادتْ وهي تشعر بذلك الفشل, ومسألة القول بتأجيل الحوار إلى شهر مايو تَدْخُلُ في باب مراعاة الجهد المصري, ولو استمر الحوار لأشهر بل لسنوات، لن يكون هناك اعترافٌ بـ"إسرائيل"، وإلى حين وضوح تكامُلِ الرؤية السياسية وطنيًّا, تبقى القضية الفلسطينية عُرْضَةً للمخاطر، وعلى فصائل المقاومة، وكل الغيورين, البحثُ عن بدائل لقيادةِ نضال الشعب الفلسطيني وَفْقًا لبرامج وطنيةٍ خالِصَةٍ.