تحليل أطلس | تحديات الحكومة والمعارضة ما بعد إقرار الموازنة أول أمس

الساعة 11:28 م|06 نوفمبر 2021

فلسطين اليوم

نجح الائتلاف الحكومي بالحصول على ثقة الكنيست على مشروع الموازنة لعامي 2021 و2022؛ وهو ما يعتبر في نظر جميع المراقبين بمثابة شهادة ضمان على استقرار الحكومة، واستمرار الائتلاف وعدم قدرة المعارضة على إسقاطه من الخارج، وهو أيضًا شهادة ضمان لوزير الخارجية ورئيس الوزراء البديل يائير لبيد بتأمين مكانته كرئيس وزراء في أغسطس 2023 أو كرئيس حكومة انتقالية في حال سقوطها. إقرار الموازنة هو أول وأهم تحدٍ يواجه أيّ ائتلاف جديد، فالقانون الإسرائيلي يُلزم الحكومة بتاريخ ووقت معين لإقرار الموازنة السنوية، وفي حال حلول الوقت المحدد وعدم إقرار الموازنة؛ فإن الكنيست تحلّ تلقائيًا ويتم الاتفاق على موعد انتخابات.

وكان الوقت المحدد لهذه الحكومة لإقرار الموازنة هو 14 نوفمبر الجاري، وقد راهنت المعارضة على قدرتها على استقطاب واحد أو اثنين من الائتلاف أو امتناعهم عن التصويت، لكن الائتلاف نجح في المصادقة على الموازنة بأغلبية 59 صوت مقابل 56 صوت ضد، وذلك في سباق ماراثوني استمر لثلاثة أيام وليلتيْن، لم يُغادر بها أعضاء الكنيست مقر الكنيست.

يُذكر أنه في ثلاث دورات انتخابية سابقة، منذ مارس 2018؛ لم تنجح ائتلافات نتنياهو بإقرار الموازنة السنوية. الائتلاف الحاكم يرى بإقرار الموازنة نجاحًا كبيرًا، ونجاة من سيف كان مسلطًا يهدد بسقوطه، وقد عبروا عن فرحتهم بالتغريد والتقاط الصور، ولأول مرة فإن حزبًا عربيًا يُشارك في الائتلاف (القائمة العربية الموحدة) يشارك في نقاش الموازنة وفي إقرارها والمصادقة عليها، ويعتبر منصور عباس (رئيس القائمة الموحدة) أن أهم إنجازات المشاركة في الائتلاف هو حصول العرب على 30 مليار شيكل ضمن خطة خمسية تستهدف تطوير المناطق العربية. لكن بعد إقرار الموازنة، سيواجه كلٌ من الائتلاف والمعارضة تحدياتٍ كانوا قد نجحوا في التهرب منها بشكل أو بأخر، فالائتلاف نجح في إشهار فزاعة نتنياهو والخوف من عودته، فكان كلٌ من بينت ولبيد يوظفان فزاعة نتنياهو وهشاشة الائتلاف في الداخل أمام شركائهما، وفي الخارج أمام الإدارة الأمريكية والحكومات الغربية، ويبدو أنهما نجحا في إقناع الجميع بتأجيل القضايا الخلافية إلى ما بعد إقرار الموازنة، فالأحزاب التي قدمت الكثير من التنازلات عن أجنداتها، ستشعر بدرجة أمان أكبر في المعارضة وفي النقاش وفي التمسك بقضاياها، لا سيما تلك التي لم يجرِ الاتفاق عليها عندما أقِرت الاتفاقات الائتلافية البينية، وستحرص بشكل أو بآخر على أن تظهر أمام قواعدها بمظهر من يتمسك بمطالبهم، ولكن مع ذلك فإن أيًا منهم لن يذهب بعيدًا في الفترة القادمة، وسيظل يناور من داخل الائتلاف بانتهازية سياسية عالية.

ومن بين هذه القضايا الخلافية تشريعات قانونية وأخرى سياسية، فجدعون ساعر (وزير القضاء) اتفق مع بينت على تقديم مشروعيْ قانونين بعد الموازنة؛ الأول: تقييد فترة حكم رئيس الوزراء بثمانية أعوام، والثاني: منع مَن تم تقديم لائحة اتهام ضده، تتضمن مواد تدينه بارتكاب أعمال ذات طبيعة جريمية، من الترشح لرئاسة الحكومة، والقانون الثاني هو الأهم، وهو يثير جلبة من النقاش والجدل السياسي كونه يُفهم منه أنه موجهٌ لشخص نتنياهو.

الكثير من شركاء الائتلاف يرغبون بشدة بمثل هذا التشريع، لأنه في حال المصادقة عليه يُنهي حياة نتنياهو السياسية، لكن بعض أعضاء حزب "يمينا" الذي يتزعمه بينت يتحفظون، وبعضهم يرفضه بشدة، وكان بينت قد تحدث في السابق ضد هذا التوجه، باعتباره - بحسب بينت - يمسّ المبدأ الأساسي للديموقراطية.

فضلًا عن ذلك، وحسب صحيفة "هآرتس"، ينوي غانتس المضي قدمًا في مشروعه لتعزيز السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، بعد مصادقته على مئات تصاريح البناء فيها، كما يسعى غانتس إلى زيادة عدد تصاريح العمل للفلسطينيين في إسرائيل.

في المقابل، يعارض وزير الإسكان زئيف إلكين بشدة البناء في القرى الفلسطينية، كما يعارض ذلك معظم أعضاء الكنيست من حزب "يمينا".

من جهتها أيضًا، وزيرة الداخلية شاكيد تنوي تمرير مشروع منع لم شمل العائلات الفلسطينية الذي ترفضه "ميرتس"، كما ان حزب "يمينا" ينوي تكثيف التوسع الاستيطاني واستخدام الأموال المخصصة له عبر الميزانية لإنفاقها في خطته لتطوير الاستيطان، وهو أمر يجد معارضة داخلية وخارجية.

أما على مستوى الخارج وتحديدًا فيما يخص العلاقة مع البيت الأبيض؛ فإن أمريكا تفهمت حجج بينت سابقًا بهشاشة حكومته وأجلت فتح قنصليتها في القدس الشرقية لما بعد إقرار الموازنة، ويبدو أنها ستسمح لنفسها - بحذر أقل من السابق - بانتقاد سياسات الاستيطان، والدفع على الأقل بمشاريع تعزيز السلطة الفلسطينية.

أما على مستوى المعارضة، فإن نتنياهو هو الخاسر الأكبر من تعزز مكانة حكومة بينت وضمان استمرارها بعد إقرار الموازنة، حيث كان نتنياهو يبني شبكة الأمان الائتلافية حوله، ليكوديًا وكتلويًا، على اعتبار أن الحكومة لن تعمّر كثيرًا، وأنها قاب قوسين من السقوط، وهو ما منحه قدرة على إسكات الأصوات المعارضة والمنتقدة والمطالبة بتنحيته؛ لكن الواقع الآن بات مُختلفًا، ومن المُرجح أن أصوات كثيرة سيرتفع همسها داخل "الليكود"، وربما سنرى عملية تسريع لاصطفافات ما بعد نتنياهو، وهو ما يدركه نتنياهو جيدًا؛ ولذلك بادر بعقد لقاء مع ادلشتاين (الذي أعلن عن رغبته بمنافسة نتنياهو)، وكان هدف الاجتماع الاتفاق على تبكير موعد الانتخابات للمنافسة على رئاسة "الليكود"، فنتنياهو يرغب بإجرائها الآن بأسرع وقت قبل حدوث تصدع حول مكانته، ليضمن بقاءه رئيسًا "لليكود" طوال فترة حكومة بينت، وهو أمر يُعارضه عدد من قيادات "الليكود"، حيث يعتبرون أن الوقت غير مناسب لمثل هذه الانتخابات، أريه درعي (وهو رئيس حركة "شاس"، وأحد أهم أركان بلوك نتنياهو) يُعاني من وضع قانوني صعب، حيث قد يُضطر قريبا لاتخاذ قرار بتسوية قانونية تمنعه من الاستمرار في الحياة السياسية أو المخاطرة بالذهاب للمحكمة، التي قد تحكم عليه بالسجن لعدة سنوات. 

كلمات دلالية