الشهيد هاني عابد .. المؤسس المقاوم

الساعة 12:53 م|03 نوفمبر 2021

فلسطين اليوم | خالد صادق

خالد صادق

في الثاني من نوفمبر عام 1994م كانت غزة تشيع في موكب جنائزي مهيب شهيدها البطل هاني عابد -أبو معاذ, احد مؤسسي صحيفة الاستقلال, والاكاديمي اللامع في جامعة العلوم والتكنولوجيا جنوب قطاع غزة, والقائد السياسي الثوري الواعي والمثقف والذي سلك دروب المقاومة من كل الاتجاهات دون ان يتردد لحظة واحدة, حتى بعد ان اعتقلته السلطة الفلسطينية في سجونها ليكون اول معتقل فلسطيني على خلفية سياسية لدى السلطة الفلسطينية, ورغم رسائل التهديد بالاغتيال والقتل التي بعثها له الاحتلال الصهيوني عبر تجار التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية, لكنه بقي ثابتاً على مواقفه لا يتوانى عن أداء واجباته, حتى لقى الله شهيدا عندما زرع عملاء الموساد قنبلة ناسفة في سيارته امام جامعته التي يعمل فيها محاضرا – العلوم والتكنولوجيا- وفور ان استقل هاني عابد سيارته قام عملاء الاحتلال بتفجيرها بجهاز تحكم عن بعد فلقي الشهيد أبو معاذ ربه وقد ودعته فلسطين بمشاعر فياضة من الحب والانتماء لهذا الفكر الثوري الذي زرعه أبو معاذ في العقول والاذهان.

 

لقد كانت غزة مشتعلة بالغضب وتنادي بالثأر لفارسها البطل أبو معاذ, وفي حفل التأبين الذي نظمته حركة الجهاد الإسلامي للشهيد هاني عابد جاءت لحظة الإعلان عن اول رد من الحركة فقد أقدم الاستشهادي هشام حمد من مجاهدي القوى الاسلامية المجاهدة «قسم» الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي على الثأر للشهيد أبو معاذ في الحادي عشر من نوفمبر من العام 1994، حيث قام بتفجير الدراجة الهوائية التي كان يقودها في مجموعة من جنود الاحتلال على حاجز «نتساريم» العسكري جنوب مدينة غزة؛ ما أسفر عن مصرع خمسة من جنود الاحتلال وإصابة آخرين, وكانت هذه العملية البطولية بداية لسلسلة من العمليات الاستشهادية الانتقامية من الاحتلال الصهيوني ردا على اغتيال الشهيد هاني عابد, وكانت هذه العمليات بمثابة رسالة واضحة للاحتلال, ان أي عمليات اغتيال سينفذها ضد قادة المقاومة الفلسطينية, سيتم الرد عليها بقوة, وسيدفع الاحتلال ثمن حماقاته, واستمرت عمليات الجهاد الإسلامي تتوالى ضد الاحتلال حتى توجت بعملية بيت ليد البطولية وغير المسبوقة.

 

حتى بعد استشهاده  اشعل الشهيد هاني عابد الأرض لهيبا تحت أقدام الصهاينة المجرمين من خلال تنفيذ الحركة لسلسلة من العمليات الاستشهادية, وكان اسم «قسم» الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وحده يزلزل اركان ما تسمى «بالدولة العبرية», لما كانت تنفذه القوى الإسلامية المجاهدة «قسم» من عمليات استشهادية نوعية ضد الاحتلال الصهيوني كبدته خسائر فادحة وأوقعت في صفوفه خسائر بشرية ومادية كبيرة, اربكت الساحة الداخلية الصهيونية, ودفعت رئيس الوزراء المقبور اسحق رابين آنذاك لمخاطبة الإسرائيليين بالقول, «ماذا تريدونني أن أفعل؟ أعاقبهم بالموت؟ إنهم يريدونه!، يأتون هنا من أجله» ولم يستطع اسحق رابين إخفاء حزنه وتأثره، فبدأ خطابه للإسرائيليين قائلا: «إنه يوم رهيب وفظيع وأليم بالنسبة لكل الشعب مضيفا إن الحل الأمثل والجذري على المدى المتوسط والبعيد هو الفصل بيننا وبين الفلسطينيين بما لا يتيح للفلسطينيين من الضفة والقطاع الدخول إلى مناطق «السيادة الصهيونية»، مضيفا حتى هذا الفصل قد لا يمنع شخصاً مستعدا للموت من التسلل إلى داخل الكيان، إذ لا سلاح رادع في مواجهة استشهادي كهذا» لقد اوصلهم أبو معاذ للعجز.

 

لم تقتصر ثورة أبي معاذ على الفعل الجهادي فقط, بل امتدت لتؤثر في الكلمات, فكانت فكرة تثوير الكلمة وتلغيمها من صنع أبي معاذ, فقد كان مدير عام صحيفة الاستقلال, وكان ينادي دائما بالإعلام المقاوم الذي يفضح مسار التسوية, ويكشف زيف ما تسمى بمسيرة السلام, كان الخطاب الإعلامي الرسمي الذي ينادي بالسلام هو الخطاب السائد والذي يتم تسويقه على شعبنا وامتنا, فادرك الشهيد المؤسس فتحي الشقاقي خطورة ذلك وتوافق مع الشهيد هاني عابد واخوانه على ضرورة التصدي لرواية السلطة, وكشف زيف السلام, فكانت صحيفة الاستقلال التي حملت على عاتقها مهمة التوعية والتثقيف والتحريض ضد الاحتلال الصهيوني, وقام الشهيد هاني عابد رحمه الله بتنظيم سلسلة من الندوات التثقيفية لتعرية الخطاب الرسمي للسلطة الفلسطينية والمبني على زيف السلام المزعوم, وقد كان أبو معاذ يعي تماما ان «إسرائيل» لا تؤمن بالسلام والتعايش المشترك, ولا تؤمن بحل الدولتين, فكان يردد مقولة الدكتور فتحي الشقاقي بأن فلسطين لا تتسع لشعبين, وان تخلي السلطة عن 78 في المائة من الأراضي الفلسطينية جريمة تتحمل السلطة مسؤوليتها, وان السبيل الوحيد لانتزاع حقوقنا من الاحتلال هو التمسك بالمقاومة بكافة اشكالها, فهى التي ستجبر الاحتلال على تقديم تنازلات لصالحنا, هكذا أرسى أبو معاذ قواعد الاشتباك مع الاحتلال منذ البدايات, ولا زال تلاميذ هاني عابد يسيرون على دربه رحمه الله.

كلمات دلالية