باحثون: تصنيف مؤسسات حقوقية بالارهاب قرار سياسي يستهدف الوجود الفلسطيني

الساعة 09:05 م|31 أكتوبر 2021

فلسطين اليوم

أجمع نشطاء حقوقيون وكُتّاب وباحثون سياسيون، على أن قرار وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس تصنيف ست مؤسسات حقوقية فلسطينية بأنها "إرهابية"، قرار سياسي بحت يستهدف الوجود الفلسطيني بشكل عام، مؤكدين أن إسرائيل ترى نفسها كيانا فوق القانون، تتجاوزه وتدوس عليه وقتما تشاء.

جاء ذلك خلال ندوة حوارية بعنوان "سياقات وتداعيات وصف المنظمات الحقوقية الفلسطينية بالإرهاب وسبل التصدي"، نظمها مركز أطلس للدراسات والبحوث، وتناولت عدة محاور تتعلق بالقرار الإسرائيلي.

وكان وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، قد صنف ست مؤسسات حقوقية فلسطينية معروفة على أنها "إرهابية"، بحسب قائمة نشرتها وزارة القضاء الإسرائيلية، الأسبوع الماضي.

والمؤسسات المصنفة هي: "الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان" و"الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال - فلسطين"، و"الحق" و"اتحاد لجان العمل الزراعي"، و"اتحاد لجان المرأة العربية"، و"مركز بيسان للبحوث والإنماء".

لا مسوغات قانونية للقرار

الدكتورة عرين هواري، مديرة برنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية في حيفا، أكدت في مشاركة لها خلال الندوة الحوارية عبر تطبيق "زووم" أن وزير الحرب الإسرائيلي اعتمد في قراره على معلومات استخباراتية وعلى تقارير منظمات تحريضية متطرفة، مبينة أن القرار سياسي وليس قانونيا.

وقالت د. هواري: القرار لا يستند على مسوغات قانونية، بل هو قرار سياسي، إسرائيل تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني طوال الوقت، وتضرب عرض الحائط كل المواثيق الدولية". لافتة إلى ضرورة أن يواجه الشعب الفلسطيني القرار الإسرائيلي، خاصة وأن جرائم إسرائيل تتعدى المنطقة.

وأضافت: هناك تهديد للعمل المدني والحقوقي في الضفة وغزة والقدس وأراضي الـ 48، ويجب أن نكون على يقظة ووعي، لأن ما يحصل هو تصعيد كبير وخطير ضد مؤسسات تفضح ممارسات انتهاكات لحقوق الإنسان الفلسطيني وخاصة حقوق الأسرى من جانب حكومة إسرائيلية تعتمد على أحزاب اليسار الصهيوني".

وأشارت د. هواري إلى أن اليسار الصهيوني يدافع عن حقوق المرأة والبيئة والحيوان، ويخفي التواطؤ مع المؤسسة اليمينية التي تحارب الحق الفلسطيني، موضحة أن أكثر من 25 مؤسسة حقوقية إسرائيلية استنكرت قرار غانتس ضد مؤسسات فلسطينية معترف بها دوليا وعالميا.

وشددت د. هواري على أهمية عقد لقاءات وندوات تفضح وتدين ممارسات الاحتلال، مردفة بالقول: إذا وقفنا أقوياء أمام ممارسات إسرائيل يمكن أن نؤثر".

وبيّنت أن إسرائيل تلاحق حتى المؤسسات الإسرائيلية التي تقف ضد ممارساتها وتحرض على تلك المؤسسات.

خطورة القرار

من جانبه، أوضح الأستاذ مصطفى إبراهيم، الكاتب والباحث الحقوقي الفلسطيني، أن قرار وزير الحرب الإسرائيلي يؤكد أن الشعب الفلسطيني حقق إنجازات كثيرة بعد هبة القدس يستطيع البناء عليها.

وأشار إبراهيم إلى أن القرار كان متوقعا بالنسبة للمؤسسات الستة المستهدفة، داعيا إلى استثماره والاستفادة منه فيما قام به الفلسطينيون سابقا وما يقومون به حاليا.

وقال: المؤسسات الحقوقية الستة تقوم برصد انتهاكات حقوق الشعب الفلسطيني، خاصة في الضفة والقدس، وهو قرار خطير علينا مواجهته".

وبيّن إبراهيم إلى أن قرار غانتس تزامن مع قرارات بناء وتوسع استيطاني في المناطق المصنفة (ج)، مؤكدًا على أن المؤسسات الحقوقية المستهدفة لم تقف موقف الخائف عقب قرار تصنيفها إرهابية، وأن هناك تضامنا معها من طرف مؤسسات دولية كثيرة.

واستهجن إبراهيم ما قامت به جهات فلسطينية رسمية من تقويض لمؤسسات حقوق الإنسان من خلال اتخاذ عدة قرارات ضدها.

وأوضح أن مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية تقف رأس حربة أمام القرارات الإسرائيلية، لافتا إلى أن السياق التاريخي لتلك المؤسسات يخيف إسرائيل، لأنه قد يؤدي إلى نزع الشرعية عنها، خاصة مع وجود تقارير لمنظمات دولية- كمنظمة "هيومان رايتس ووتش" - وصفت إسرائيل بأنها نظام فصل عنصري وفضحت جرائمها في غزة.

وأعرب الباحث الحقوقي عن خشيته من ترك المؤسسات الحقوقية الستة وحيدة، وعدم حمايتها والدفاع عنها والشراكة معها، واصفا قرار غانتس بأنه " ترهيب للمجتمع المدني الفلسطيني".

وتابع بالقول: يجب أن نساند هذه المؤسسات ونتبنى موقفها ونبني شراكة معها، نحن بحاجة إلى عمل إلى تحرك سياسي ودبلوماسي يضغط على المجتمع الدولي، بالتنسيق مع مجلس حقوق الإنسان" مؤكدا على أهمية التشبيك مع منظمات عربية ودولية ومخاطبتها للاستفادة من وزنها الإقليمي والدولي، والتنسيق مع المنظمات والوكالات التابعة للأمم المتحدة ووضع خطة لمواجهة قرار وزير الحرب الإسرائيلي.

وأردف إبراهيم قائلًا: مطلوب منا كمجتمع فلسطيني أن نتبنى رؤية واضحة تستكمل ما تقوم به منظمات المجتمع المدني الفلسطيني".

سبل التصدي للقرار

وتحدثت عن هذا المحور عبر تطبيق "زووم" المحامية سحر فرنسيس، مديرة مؤسسة الضمير لرعاية الأسرى في فلسطين، حيث أكدت على ضرورة العمل المشترك للضغط على صناع القرار، ومواصلة الحملات الشعبية والرسمية ضده.

وقالت فرنسيس: من ناحية الحقائق والمعلومات، لا يمكن للاحتلال إثبات الادعاءات التي وردت في قرار وزير الحرب الصهيوني، فهم يدركون المشاكل القانونية في هذا الملف" مؤكدة أن القرار جاء للالتفاف على الإجراءات القانونية التي يجب استنفادها أمام المحكمة العسكرية.

وأشارت فرنسيس إلى أن القانون الإسرائيلي لا يمكن تطبيقه على الأرض المحتلة بشكل تلقائي، موضحة أن الهدف من قرار غانتس بحق المؤسسات الحقوقية الستة هو ترويع المؤسسات الدولية التي تعمل مع نظيراتها الفلسطينية، وبالتحديد ترويع الممولين.

وأكدت فرنسيس أن القرار الإسرائيلي جاء تتويجا لحملة ترويع وتشويه خاضتها المؤسسات الصهيونية منذ سنوات، معربة عن اعتقادها بأن المحكمة الإسرائيلية العليا لن تقف مع المؤسسات الحقوقية المستهدفة بقرار غانتس.

وتابعت بالقول: نحن لا نثق بقرارات المحاكم الإسرائيلية، لأنها تبرر انتهاكات وسياسات الاحتلال، وإذا تم تأكيد قرار غانتس، فستكون هذه سابقة قانونية خطيرة".

وحثت فرنسيس الحكومة الفلسطينية بالضفة على الضغط لإلغاء القرار الذي يستهدف المجتمع المدني الفلسطيني.

واستطردت بالقول: هذا القرار يعني أن الأمم المتحدة نفسها تدعم الإرهاب، كونها تقدم الدعم لهذه المؤسسات الحقوقية الفلسطينية".

وأشارت فرنسيس إلى أن قرار غانتس يستهدف منظومة البنوك المحلية والدولية لإخراس الصوت الفلسطيني، موضحة أن الاحتلال قلق من عمل مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني بسبب النجاحات التي حققتها في الساحة الدولية.

وأكدت فرنسيس أن الاحتلال لم يتخذ أي إجراءات ضد المؤسسات الستة بعد، مستدركة القول: لكن هذه الإجراءات قد تأتي عندما يهدأ مستوى التضامن مع هذه المؤسسات. يجب أن تستمر حملة التضامن بقوة، محليًا ودوليًا".

الأبعاد السياسية على القضية الفلسطينية

الأستاذ أكرم عطا الله، الباحث السياسي والكاتب في صحيفة الأيام الفلسطينية، أكد بدوره أنه لا يمكن فصل قرار وزير الحرب الإسرائيلي بحق ست مؤسسات مدنية فلسطينية عن نهايات عدوان أيار الماضي، حيث حاولت إسرائيل تغيير الرأي العام الدولي وحرفه لمصلحتها، إلا أنها فشلت عندما وجدت أن رد الفعل لدى كثير من الدول أكبر مما كانت تتصور.

وأوضح عطا الله في مشاركته خلال الندوة عبر تطبيق "زووم"، أن إسرائيل تهدف من خلال قرار تصنيف المؤسسات الستة بأنها إرهابية، إلى تدويل القضية.

وأشار إلى أن المؤسسات الحقوقية الفلسطينية عملت كوزارات خارجية خلال الفترة الماضية من خلال التواصل مع العالم وتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية، لافتا إلى أن السلطة الفلسطينية هي من أهم المستفيدين من عمل هذه المؤسسات لأنها تمهد لها الطريق لشرح وجهة النظر الفلسطينية في المحافل الدولية.

ودعا عطا الله السلطة برام الله إلى أن تقاتل لإلغاء قرار غانتس على المستوى الدولي، والذي يرى أنه يهدف إلى تذويب القضية الفلسطينية وتحطيم المجتمع المدني الفلسطيني.

وأضاف: قرار غانتس هدفه أيضا إسكات الرواية الفلسطينية التي تلعب المؤسسات المدنية دورا بارزا في نشرها، ومن ثم الوصول إلى انهيار سياسي فلسطيني كامل " داعيا إلى دعم المؤسسات المدنية بشكل أكبر من المراحل السابقة.

وشدد عطا الله على أن إسرائيل لا تلاحق على العمل المسلح فحسب، بل تلاحق كل المجتمع الفلسطيني، مؤكدا أن هناك شبانا فلسطينيين يلاحقون اللوبي اليهودي في أمريكا ويحاربون الرواية الإسرائيلية ويحققون نجاحات ملحوظة.

جزء من الحرب على الشعب الفلسطيني

ويرى الأستاذ باسم شعبان، الكاتب والمحلل السياسي، أن الحرب على المؤسسات المدنية جزء من الحرب على الشعب الفلسطيني كله، لجعله مضطربا ولضرب استقراره، بتشجيع من أنظمة التطبيع العربي.

وأعرب شعبان عن اعتقاده بأن هذه القضية بحاجة إلى هبة وانتفاضة جديدة في الضفة وغزة، وتصدير الرواية الفلسطينية.

وقال: هناك خطر على الاقتصاد الفلسطيني، هذه معركة على المستقبل تمسنا جميعنا".

قرار أمني

وفي مداخلة له، أوضح الدكتور رياض أبو راس، مدير مركز فلسطين للدراسات والحقوق، أن إسرائيل تتعامل مع العالم ومع الفلسطينيين برؤية سياسية وبقرار أمني، وتنظر إلى المؤسسات المدنية من منظور سياسي.

ويرى د. أبو راس أن قرار اتهام المؤسسات المدنية بالإرهاب له تداعيات خطيرة، ولا ينفك عن نتائج معركة سيف القدس التي أظهرت توجها عالميا كبيرا باتجاه القضية الفلسطينية.

وقال: على الصعيد الشعبي، كان هناك تأييد واسع لحق الشعب الفلسطيني في مواجهة المخططات الصهيونية لمحو القضية الفلسطينية، وكان للمؤسسات المدنية دور هام على المستوى الجماهيري، وهذا ما جعل إسرائيل تستشعر الخطر".

وزاد د. أبو راس: إسرائيل تخشى من أن تتحول المؤسسات المدنية إلى مؤسسات ذات طابع سياسي وتتجاوز الجانب الشعبي" منتقدا موقف السلطة التي وصفها بأنها تتحدث على استحياء دون أن تمتلك أي قرار.

وتساءل د. أبو راس: لماذا لا يكون هناك قوى دولية تقف ضد قرار غانتس؟ أين موقف إيران مثلا؟ وأين موقف الدول الإسلامية ودول الاتحاد الأفريقي؟ نريد أفعالا لمواجهة هذا القرار وليس خطابات فارغة المضمون، لأن هذا القرار هو البداية وسيتبعه خطوات مشابهة ضد مؤسسات أخرى".

المعركة القانونية

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ حسن عبده، فإن قرار وزير الحرب الإسرائيلي ضد مؤسسات مدنية فلسطينية، يُظهر أهمية المعركة القانونية ودعم مقاطعة الاحتلال، مبينا أن هناك توجهات لتجريم الرواية الفلسطينية والالتزام بالرواية الإسرائيلية على الصعيد الدولي والعربي.

وقال عبده: السياق الذي طُرح فيه القرار يأتي في إطار حسم إسرائيل لموضوع الضفة والقدس بشكل كامل، واستكمال مشروع الاستيطان بلا عوائق لا من السلطة ولا من قوى المقاومة ولا من القوى الدولية.

كلمات دلالية