المخفي في خطة لابيد . تخوفات مشروعة من لقاءات القاهرة..!
بقلم : عرفات عبدالله أبو زايد
لاتزال خطة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد "الاقتصاد مقابل الأمن" تسيطر على اهتمام النخب السياسية الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء, وذلك بسبب التوقيت والمحتوى الذي تناولته الخطة, وما تلى ذلك من خطوات ذات صلة بالخطة, وهو الأمر الذي بات يتم النظر إليه كخارطة طريق إسرائيلية تجاه غزة بالمرحلة المقبلة, خاصة وأن لابيد من المقرر أن يتولى منصب رئيس الوزراء في غضون عامين كجزء من اتفاق التناوب في تشكيل الحكومة الإسرائيلية، وعلى الرغم أن لابيد صرح بأن خطته لا ترقى لأن تكون سياسة رسمية في حكومة الائتلاف الإسرائيلي المكونة من ثمانية أحزاب، لكنه في ذات الوقت أكد بأنها حظيت بدعم رئيس الوزراء نفتالي بينيت, وكما يبدو أن هذه الخطة لم يتم طرحها بشكل عبثي, بل جاءت وفق ترتيبات إقليمية للمنطقة, وبالتالي وجدت – وفق لابيد - إجماع عدة جهات وازنة في المجتمع الدولي والإقليمي( الولايات المتحدة – روسيا – الاتحاد الأوروبي - الأمم المتحدة – دول عربية), وهذا يعني أن الطرح يتجاوز مسألة تقديم تسهيلات تجاه غزة في الإطار الروتيني, بل يمكن تسميته اتفاق شامل ربما يصل في خطورته إلى ما هو أسوأ من اتفاق أوسلوا.
الفصائل الفلسطينية أعلنت منذ اللحظات الأولى رفضها لخطة لابيد, وأكدت بأنها لا تعني لأي من قوى المقاومة وأجنحتها العسكرية أي شيء، وتنظر إليها بأنها بلا قيمة وغير قابلة للحديث عنها أو السماح بتطبيقها من أي طرف كان, وأضافت بأنها لن تسمح بتمرير أي خطط إسرائيلية تهدف لنزع سلاحها أو ربط القضايا الوطنية والثوابت العامة للقضية الفلسطينية ببعض التسهيلات والمشاريع الاقتصادية, وأكدت على الخطوط الحمراء بالتعاطي مع الاحتلال, حيث جاء هذا الموقف نتيجة اقتناع المقاومة بأن هذه الخطة ما هي إلا مقدمة لتقويض القضية الفلسطينية, فالخطوط الحمراء لدى المقاومة تمثلت في جوانب مهمة لا يمكن اغفالها وهي على النحو التالي:
أولاً – تعزيز قوة الردع للمقاومة من خلال الرد على كافة الاختراقات الإسرائيلية تجاه شعبنا ومقدساته وعدم السماح للاحتلال بأن يستفرد في أي بقعة جغرافية فلسطينية.
ثانياً- تعزيز الترابط والتنسيق بين مواقف وخطوات قوى المقاومة في العمل الميداني في إطار الاتفاق على الرد تجاه أي خرق إسرائيلي عبر غرفة العمليات المشتركة التي جاءت في سياق التنسيق في العمل وليس في سياق تمثيل المقاومة أو فرض توقيت وشكل العمل العسكري على الفصائل.
ثالثاً- رفض أي محاولة إسرائيلية ترهن وقف العمل العسكري مقابل تسهيلات إنسانية, حيث أن القضية هي سياسية وليست إنسانية.
سعت المقاومة طوال الفترة السابقة على عدم تجاوز الخطوط الحمراء, وذلك بهدف الالتزام بوعدها مع شعبها الذي لا يتوانى عن دفع ثمن هذا الموقف من أشلاءه ودماءه, ومن الأدلة على ذلك تعرض شعبنا لأكثر من عدوان همجي خلال السنوات العشر الأخيرة ولكن ذلك لم يجعله ينقلب على المقاومة أو يقف ضدها رغم كل عمليات كي الوعي الإسرائيلية, بل خرج وسط العدوان مؤيداً للمقاومة, بمعنى آخر, الشعب لم يُشكل وسيلة ضغط على المقاومة لقبول أي تنازلات أو تجاوز للخطوط الحمراء, لذا لا يمكن التذرع بالأوضاع الإنسانية والاجتماعية للمواطن الغزي عند الإقبال على أي عملية تسوية مع الاحتلال.
بالتأكيد المقاومة في غزة تعمل في أجواء غير مريحة, فالأوضاع الاقتصادية والحصار وارتفاع معدلات الفقر والبطالة ومنع التنقل والتحكم بالبضائع الواردة والصادرة .. إلخ, يشكل عبء على قيادة المقاومة التي تسعى أن يعيش شعبنا عزيزاً كريماً, ولهذا سعت المقاومة أن ترتب أولويات العمل.
كانت حركة الجهاد الإسلامي عبر ذراعها العسكري سرايا القدس الأكثر تصالحاً وصدقاً مع الذات ومع شعبنا عبر رفضها لبيان الغرفة المشتركة بما يخص عمليات الإعدام بدم بارد لشباب وبنات الضفة والقدس وكذلك شهيد المحافظة الوسطى في قطاع غزة, حيث جاء رفض سرايا القدس في سياق عدم قبول صيغة البيان الذي كما يبدو لم يركز بالشكل الكافي على جرائم الاحتلال في الضفة والقدس واكتفى بِذكر شهيد غزة, بالإضافة الى تصدير البيان للإعلام قبل انتظار موافقة سرايا القدس على بيان الغرفة المشتركة التي تعتبر سرايا القدس إحدى أهم الأذرع العسكرية بها, بل يُسجل لها بأنها السبب في تأسيسها على يد الشهيد القائد بهاء أبوالعطا عندما أخذت الحركة على عاتقها الرد على جرائم الاحتلال تجاه المشاركين في فعاليات مسيرات العودة.
لذا شكل بيان الغرفة المشتركة وتصديره للإعلام دون موافقة سرايا القدس اختراق للخطوط الحمراء التي تم التوافق عليها سلفاً, وأصبحت الخطوط الحمراء أشبه بخطوط المشاة التي تسمح بالاختراق دون مبالاة, وهو الأمر الذي يبعث على ثمة تخوفات منطقية, خاصة وأنه ليس من المنطقي أن تصدر سرايا القدس بيان تنفي مشاركتها وعلمها ببيان الغرفة المشتركة هكذا من المرة الأولى, ولكن كما يبدو جاء ذلك نتيجة تراكمات وصبر طويل حتى ضاقت ذرعاً بسبب حالة التفرد التي تجري داخل الغرفة المشتركة, حيث أن ضخامة الحدث شهيد جنين وشهيدة القدس وشهيد البريج وقبلهم عمليات اغتيال في الضفة كانت تستوجب بيان ورد على قدر الجريمة, وكان يستوجب ذلك انتظار موافقة كافة الفصائل على البيان وإعطاء الوقت الكافي لإبداء الملاحظات على البيان قبل تصديره للإعلام, فالعمل المقاوم المشترك لا يجب أن يدار بطريقة "اللي بلحق السوق بتسوق", ومن غير المنطقي أن يرسل بيان للغرفة المشتركة للإعلام بذريعة أن غالبية الفصائل قد أرسلوا موافقتهم وتأخر الرد من سرايا القدس أو أي فصيل آخر مثلاً, بالتأكيد لست بصدد وضع ضوابط لعمل الغرفة المشتركة, رغم يقيني بأن قيادة سرايا القدس والمقاومة تملك القدرة على وضع الآليات المناسبة التي من شأنها معالجة الهفوات والتجاوزات الصغيرة, ومن المهم معالجة التفاصيل الصغيرة لاسيما "الميدانية" حتى لا تتطور.
لا يمكن النظر إلى خطة يائير لابيد بشكلها المعلن, على الرغم من وقاحة الطرح وخطورته, إلا أن ما بين السطور والأهداف المخفية للخطة هي أفظع وأخطر مما يتخيله البعض, بعيداً عن مبدأ "الاقتصاد مقابل الأمن" وما يحتويه هذا العنوان, إلا أن المطلوب أخطر من توفير الأمن للكيان الصهيوني مقابل تسهيلات اقتصادية وتنفيذ مشاريع الاعمار وإصلاح نظام الكهرباء وربط الغاز وبناء خطة لتحلية المياه وإدخال تحسينات كبيرة على نظام الرعاية الصحية وإعادة بناء البنية التحتية للإسكان والنقل, وذلك مقابل هدنة طويلة الأمد.
وفقاً للتحليل وتقدير الموقف فإن الأهداف المخفية التي يسعى الاحتلال لتنفيذها عبر هذه الخطة هي على النحو التالي:
1- تنفيذ صفقة ترامب ولكن عبر تغليف جديد, حيث اعتمدت صفقة ترامب في حينه تنمية اقتصادية مقابل انهاء مشروع الدولة الفلسطينية, وبالمناسبة رعاة وداعمي صفقة ترامب هم نفسهم من أشار إليهم لابيد كداعمين لخطته.
2- تكريس مبدأ "فرق تسد" وهو أن تكون غزة كيان منفصل تماماً وطنياً وشعورياً تجاه بقية الأرض الفلسطينية لاسيما الضفة والقدس المحتلة, بحيث يصول ويجول ويقتل ويعربد الاحتلال في تلك المناطق على أن لا يتجاوز حجم الرد الغزاوي على جرائم الضفة إقامة الفعاليات الشعبية المنددة أو إنارة الشموع في وسط ساحة الجندي المجهول.
3- نتيجة للمعلومات الواردة من التقارير الأمنية الإسرائيلية فإنها تؤكد بأن -حركة الجهاد الإسلامي- لن تتوانى عن استخدام الصواريخ للرد على أي عملية عسكرية إسرائيلية بالضفة, وهذا هو الجانب الأخطر بالخطة وهي إدخال حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس وجهاً لوجه في مواجهة, خاصة وأن الحاكم لغزة وفق خطة لابيد سيكون على عاتقه تنفيذ الجانب الأمني للخطة بمنع اطلاق الصواريخ من غزة, وذلك عبر اعتقال مطلقي الصواريخ ومحاصرة مرابضهم, وتشديد التواجد الأمني على طول المناطق الحدودية, وهذه الأحداث ستسعى إسرائيل لتغذيتها وتعزيزها عبر ضغط الوسطاء على حكام غزة عبر سياسة العصا والجزرة, وعلى الرغم من صعوبة حدوث مواجهة بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلا أن هذا سيناريو غير مستبعد لا قدر الله.
الأطروحات التي يتناولها في الإعلام العبري في اللقاءات التي تجري بالقاهرة ليست بعيدة عن الأهداف المخفية لخطة يائير لابيد التي يجب النظر إليها بكل عمق وتمعن, حيث يمكن أن تنفذ هكذا خطة دون الإشارة إليها بأنها خطة لابيد, ولكن المحتوى يبقى ذاته, ويمكن أن يقول الوسطاء بأن هذه الأفكار نابعة منهم خوفاً وحباً لغزة وشعبها, ولكن في نهاية المطاف الرؤية الدولية والإقليمية لن تكون خارج الإرادة والقرار الإسرائيلي بل هي مرتهنة بالكامل للموقف الاسرائيلي, بل يقوم الجميع على خدمة المشروع الإسرائيلي تجاه غزة تحت العناوين اللامعة التي تدغدغ عواطف ومشاعر أصحاب القرار تجاه المحاصرين والمعذبين في غزة تحت ذريعة "خلينا نعطي فرصة للناس تعيش وتأخذ نفسها", هو ذاته ما قالته إسرائيل لمصر عند توقيع كامب ديفيد, وللأردن عند توقيع وادي عربة, ولمنظمة التحرير عند توقيع أوسلوا, وللسودان .. إلخ, ولكن لم يجدوا أولئك إلا سراب, بالعكس ازدادت أوضاعهم الاقتصادية أكثر سوءاً وكارثية وتبعية.
لدينا الثقة الكامل بالمقاومة بشكل عام وقيادة حركة الجهاد الإسلامي بشكل خاص, فهذه الحركة التي تحتفل في ذكرى انطلاقتها الـ 34 لم تبرح يوماً مكانها الصحيح ولم تبدل بوصلتها تجاه القدس, وعلى الرغم كل ما تتعرض له من تهديد واغتيال لقيادتها وكوادرها إلا أنها تبقى هي الأمل الذي نكحل عيوننا به, وعندما نخلد إلى فراشنا ليلاً للنوم نكون مرتاحو البال بأن خلف قضيتنا وشعبنا حركة لم ولن ولا تساوم على ثوابت شعبنا, وهي من تملك القرار الأصيل بالدفاع عن هذا الشعب, فهي من تصوب الاتجاه, وتدفع الجميع تجاه مربع المقاومة .. فكل الثقة بكم ولكم.