محكوم في سجون الاحتلال 20 عاماً..

والدة الأسير رائد الحج أحمد..استوطنها العجز و6 سنوات من عمرها "غير محسوبة"

الساعة 11:27 ص|28 سبتمبر 2021

فلسطين اليوم

غزة/ أمل خالد الوادية:

تحمل وطأة الحزن والقهر والعجز على أكتافها وتمضي، تقص خلف عيونها الباكية حكاية عجز هزمتها الأمراض، فمنذ 17عاماً تجلس كل يوم اثنين في المقعد الأول في مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، رافعةً صورة ابنها الأسير بين يديها اللتين تفتقد لاحتضانهما، وتناجي الله ثم كل المؤسسات الحقوقية والدولية لتروي ظمأ حرمان الست سنوات، علَ نور قلبها يُضيء ويطمئن حين ترى فلذة كبدها..

لكن قمة القهر، أن يحكمك احتلال ظالم بينه وبين الإنسانية أميال كبيرة، ترفع يديها وكلها يقين بقدرة الله وأن ما بعد الصبر إلا الفرج، وستُشرق شمس الحرية باب بيتها ذات يوم.

وُلد الأسير رائد الحج أحمد في مخيم جباليا بتاريخ 7/1/1983، وأكمل تعليمه المدرسي والتحق بالجامعة فيما بعد، لكن حبه للمقاومة لم يجعله يكمل إلا سنة ونصف بها، ليقع بعمر العشرين أسيراً لدى الاحتلال الإسرائيلي، ويعيش فترة شبابه بين زنازين العزل الانفرادي، وتحت تعذيب التحقيقات لأشهر عدة ومن سجن لآخر، حيث حكم 20 عاماً قضى منها 17 عاماً.

رائد الشيخ أحمد (1).jpeg
 

فاجعة تليها صدمة

ومنذ ذهابه إلى معبر بيت حانون (ايرز) شمال قطاع غزة، اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 1/4/2004، ففي بداية الأمر انتشر خبر استشهاده على كل قنوات الأخبار، وعاشت والدته صدمتها الأولى والكبرى بفلذة كبدها، وبدأت تستقبل المعزيين على مدار أربعة أيام فلم تخرج بعد من صدمة استشهاده، لتسمع أقاويل الناس أنه أسيراً لدى الاحتلال، فلم تتحمل لوعة الفقد والحزن وأبلغت لجنة الصليب الأحمر لتتأكد من صحة الخبر، ومن هنا بدأت مقصلة المعاناة.

تقول والدة الأسير رائد لمراسلة "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية:" بعد 25 يوماً من خبر استشهاده جاءتني لجنة الصليب الأحمر إلى بيتي وأخبروني أن ابني يقبع أسيراً لدى الاحتلال، حيث قرأوا اسمه على باب التحقيق، فلم يصدق قلبي الخبر لأفقد الوعي من الفرحة، فخبر أسره أهون عليَ من استشهاده، لكني لن أصدق حتى أراه بأُم عيني ويطمئن قلبي".

وبعد إخبارها بأسر ابنها أصبحت أقدامها تأخذها للاعتصام في مقر الصليب الأحمر، وتستيقظ كل يوم اثنين من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثانية عشر ظهراً تحمل نفسها وصورة ابنها بين ضلوع قلبها، وتجر آمالها علها تنعم فقط برؤيته سالماً وتُريح فؤادها المتعب.

ويقبع في سجون الاحتلال وفق إحصاءات رسمية، أكثر من 4500 أسير فلسطيني يقبعون خلف قضبان سجون الاحتلال الإسرائيلي، منهم(37) أسيرة، و(140) طفل، وبلغ عدد المعتقلين الإداريين نحو (450) معتقلاً.

رائد الشيخ أحمد (4).jpeg
 

الزيارة الأولى

" يمَا تزعليش مصير الحي يتلاقى"... بهذه الكلمات طمأن الأسير رائد قلب والدته عبر الهاتف، حيث يفصل بينه وأمه زجاج شفاف يتمنيان حينها لو ينكسر ويأخذان بعضهما بين أحضان بعض ويرتوي شوق الغياب، فكلاهما على يقين تام بأن شمس الحرية ستُشرق، وسيأتي اليوم الذي يفتح فيه السجَان زنازينه رغم أنفه، وينكسر القيد يوماً.

بتنهيدةٍ تحمل بين طياتها ألم الحنين أخذت تُبحر بذاكرتها وتعيد بمخيلتها مشهد لقاءها بفلذة كبدها الأول تكمل حديثها:" كانت أول زيارة لابني بعد أربعة أشهر من اعتقاله، ذهبت مع أهالي الأسرى وتخطينا أول حاجز تفتيش، وبعد 3 ساعات وصلنا سجن نفحة الصحراوي حيث يقبع ابني هناك، فأخذت أبكي بينما أنتظر داخل السجن وحين جاء وقت الدخول لرؤيته مسحت دموعي لأنه لا يحب أن يراني أبكي، فحين دخلت مكان الزيارة وجدته يستقبلني بابتسامة فابتسمت وارتاح قلبي لرؤيته بخير".

رائد الشيخ أحمد (3).jpeg
 

وضعه الصحي وخوف أمه

لم تكن زنازين العزل الانفرادي والانتقال من سجن مجدو لبئر السبع لينتهي به المطاف بسجن النفحة الصحراوي هينة، فضلاً عن خضوعه للتحقيقات شهور عدة تحت وطأة التعذيب بكافة أشكاله، فكل ذلك كان له نصيب الأسد من صحة الأسير رائد، ليبدأ جسده النحيل بالخضوع لعمليات عدة.

تقول والدته:" وكلت محامياً من حقوق الانسان ليطمئنني على صحة ابني خاصةً بعد منعي من زيارته منذ ست سنوات قضيتها بين البكاء والخوف عليه، والتفكير به حتى صابني مرض الضغط والغضروف العصبي، فبعد زيارة المحامي له أخبرني أنه خضع لعملية برقبته ومكث بالمستشفى عشرة أيام فحين سمعت الخبر أصبحت في وضع يرثى له، وفي هذه الفترة سيخضع لعملية أخرى بجسده، فخوفي عليه يزداد يوماً بعد يوم لأن الاحتلال الإسرائيلي يكتفي بإعطاء المرضى حبة مسكن فقط لا غير، ناهيك عن انتهاكاته التعسفية بحق الأسرى خاصةً بعد هروب ستة أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع."

بين حلم وأمنية

بعيون مملؤة بالأمل تنظر للسماء وتحدثنا عن اللحظة المنتظرة منذ أعوام كثيرة تقول:" لا أستطيع وصف تلك اللحظة، لكني أول ما سأفعله حين يخرج ابني من السجن السجود لله تعالى سجدة شكر ورضا، وأحضر له فرقة تدق طبول الفرح على باب بيتي، فحلمي أن أحتضنه وأفرح به وأرى أبنائه".

لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة ... بهذه الكلمات التي تبعث بروحها الأمل والحياة ختمت والدة الأسير حديثها: " صابرين وصامدين وأسرانا معنوياتهم عالية وبإذن الله الفرج قريب".

ويعاني المئات من الأسرى في سجون الاحتلال من أمراض عدة، حيث أن إدارة سجون الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل انتهاك الأسرى المرضى والجرحى طبياً، وتتعمد إلى تجاهلهم بشكل واضح وممنهج من خلال تجاهل أوضاعهم الصحية، وعدم الإكتراث لهم، وجعل الأمراض تتفشى في أجسادهم.

 

كلمات دلالية