خبر حمار المسيح / معاريف

الساعة 08:29 ص|03 ابريل 2009

بقلم: عوفر شيلح

        (المضمون: معاملة المستوطنين لضباط الجيش بصورة سيئة هي مسألة تؤكد من هم اسياد البلاد في المناطق بينما تصمت السلطات الرسمية عن الاهانات التي تلحق بالجيش ورموزه وهذا امر خطير  - المصدر).

        نوعم تيفون اجتاز طريقا طويلا منذ ايام السير الطويل في الظلام عندما كان في وحدة هيئة الاركان الخاصة. اما في سنواته الاخيرة فهو يقضي مثل اغلبية ابناء جيله الذين اختاروا المهنة العسكرية اغلبية وقته في مناصب على خط التماس بين المستوطنيين وضباط الجيش في الضفة. وعلى هذا الخط، تعتبر الحرب شخصية وقذرة، ولكن هذا ليس بسبب من تكون فعلا. تيفون هو واحد من ضابطين بارزين في الجيش (الثاني هو اللواء تال روسو) اللذان لم يجتازا دورة الضباط. في الواقع هو تسرح بعد خدمته كمقاتل في وحدة هيئة الاركان وعاد اليها في احدى فتراتها الازماتية في الثمانينيات بسبب معلومات معينة اختص فيها وكانت الوحدة بحاجة اليه. القفزة في مسيرته تعود لبوغي يعلون، الذي قام بمسار معاكس، من المظليين الى الوحدة. يعلون الذي تسرح هو الاخر بعد خدمته الالزامية وعاد للجيش في وقت ازماتي (بعد حرب يوم الغفران) هو الذي كان قد عين تيفون قائد طاقم من دون دورة ضباط، وشده في اكثر من مرة للصعود للاعلى في مسيرته العسكرية المهنية. تيفون مجبول من الطينة المحببة على قلب بوغي: مثل غال هيرش الذي طور هو الاخر صورة المقاتل الذكي التي سحرت يعلون.

        الايام التي سبقت الانتفاضة الثانية رافق هيرش وتيفون يعلون ومستشاره لشؤون التفكير عاموس ليهمان، في اكثر من مرة في مجريات تفكير في معهد دراسة نظريات القتال وفي المداولات التي اعدت الجيش الاسرائيلي للمجابهة في المناطق. ضابط راقبهما من الجانب ووصفهما وكأنهما "فرقة الاستعراض التابعة لبوغي". ولكن خلافا لهيرش الذي اكسبته رؤيته البطولية للواقع معارضين كثيرين نجح تيفون في تجند الاضرار حتى عندما تحولت هذه النزعة العسكرية الجديدة الى مهزلة بعد حرب لبنان الثانية.

        الصورة "السياسية" التي اكتسبها، وربما حقيقة ان الاشخاص غير الصحيحين من ناحيته هم الذين اتخذوا القرارات في زمن معين، كلفته في عدم تعيينه في المنصبين اللذين يحبهما وكان مرشحا لهما: قائد وحدة هيئة الاركان الخاصة وقائد لواء المظليين. يجب ان نقول في حقه انه كان جزءا من الانقلاب الذي حدث في لواء الناحل عندما كان قائدا له.

        الاحتكاك الحقيقي الاول بين تيفون والواقع في الضفة كان من خلال منصبه الثاني في قيادة لواء منطقة الخليل في مطلع الانتفاضة الثانية. من المثير ان نقارن بينه وبين سابقيه في هذا المنصب في المنطقة الاكثر تعقيدا والاكثر قابلية للاشتعال في المناطق: غادي شميني، الذي اصبح اليوم رئيسا لتيفون في قيادة المنطقة الوسطى، الذي يعتبر قائد لواء شديد المراس ولكن نزيه، والذي لم يتقرب من احد وقاس الفلسطينيين والمستوطنين بمسطرة واحدة. ايغال شارون الطير الغريب بين قادة الالوية العسكرية الاسرائيلية (والخليل كانت بالفعل نهاية طريقه في الجيش) ادرك – حسب ادعاء المستوطنين – اوضاع الفلسطينيين بصورة اكبر. وعندما يكون هذا موقف قائد عسكري اسرائيلي فان الرد سرعان ما يأتي.

        ليس صدفة ان تيفون يحظى بثناء المستوطنين عن ادائه في منطقة الخليل. عندما دخل المنصب ارتفعت كمية شكاوي الفلسطينيين من تصرفات جنود الجيش الاسرائيلي بنسب مئوية كبيرة. بعد صعود شارون الى سدة الحكم قال تيفون لقادة المفدال الذين زاروا المكان، ان شرطة اسرائيل تفتح عشرات الملفات لمستوطني الخليل عبثا – هذا الجمهور المتمرس في الاستفزاز ومضايقة السكان الفلسطينيين. هو احتفظ بهذا الموقف رغم ان سلوك مستوطني الخليل قد عرقل محاولاته الناجحة عادة للحفاظ على الهدوء في الخليل. حينئذ لن يتحدث احد طبعا عن امه اليسارية او عن المقالات التي يكتبها ضدنا.

لان هذه هي الحقيقة في قضية النواة الصلبة في المشروع الاستيطاني:  موقف هذه النواة من ضباط الجيش هو موقف استخدامي تماما. هم في نظرها قادة متبدلون وشرعيتهم ليست مسألة بديهية وانما تعتمد على مدى تلبيتهم لرغبة اسياد البلاد. وما يتلقاه تيفون وكذلك شميني الان لا يتعلق بما يفكرون به او يفعلونه وانما في منظومة العلاقات القائمة بين المستوطنين والنظام الحاكم، وكذلك الامور التي تحدث بين تيارات مختلفة في الجمهور الاستيطاني المفتقد للقيادة في يهودا والسامرة.

الجيش الاسرائيلي كسب بعض هذه المعاملة بالاستقامة او بقلة استقامة. مكافحة الارهاب في سنوات الـ 2000 التي ترافقت مع فقدان الثقة المطلق بالفلسطينيين وضعف التصور الذي يقول ان الاحتلال هو الذي يتحمل ذنب الارهاب، تمخض عن تقارب بين المستوطنين والجيش. هو لم يمح سنوات من التدخل غير الملائم من قبل قادتهم في المداولات والقرارات العسكرية وكذلك ممارسة الضغوط من خلال الممثلين في المنظومة السياسية. ولكن المصلحة المشتركة ونجاحات الجيش الميدانية تمخضت عن تماثل في المصالح.

وعندئذ جاء فك الارتباط. الجيش نفذ لفترة طويلة امورا مريبة في مهمة الاحتلال. وفي عام 2005 وضع نفسه من خلال تلك المقولة رهن المهمة غير العسكرية التي كلفه شارون بها والذي استخدم مكانة الجيش الاعتبارية لاباحة وشرعنة خطوة سياسية مثيرة للخلاف بهزلية ومن دون عملية حسابية للاضرار التي ستنجم عن ذلك. الامر الذي لا يقل خطورة، وباسم قداسة المهمة انتقل الجيش الى جدول الاعمال الذي يحقر من قيمة زيه الرسمي قبل فك الارتباط وبعده. عندما ضرب العميد الذي اصبح جنرالا اليوم غريشون هكوهن في معهد الحاخام تال الديني اغلق الجيش عينيه وقال ان المطر ينزل. وعندما قام الشبان باهانة الضباط سامحوهم باسم رأب الصدع. رئيس هيئة الاركان دان حالوتس طالب بحل المعهد الديني العسكري التابع للحاخام الياكيم لبانون الذي طالب تلاميذه برفض الاوامر خلال فك الارتباط. حالوتس التحق منذ زمن بعالم التجارة اما الحاخام لبانون ومعهده الديني ففي حالة ازدهار.

بعد فك الارتباط عين العميد روسو مسؤولا عن اعادة بناء العلاقات بين الجيش والمستوطنين. وهذا كان اسما رسميا لمحاولة الجيش مصالحة المستوطنين على حساب كرامته وكذلك الجمهور الذي يعمل في خضمه والذي يمتلك قوة سياسية كبيرة في القدس ويشكل ابنائهم جزءا هاما من القيادتين الدنيا والوسطى في الجيش الاسرائيلي. وفي هذا السياق ليس مهما تماما من يكون نوعم تيفون وما الذي قالته امه. نفس الشريحة في جمهور المستوطنين التي يسمونها اقلية ولكن لا يقوم احد بمواجهتها فعلا، تتعامل معه كممثل لحكم غير شرعي وهذا الحكم يجب ان يرى ما الذي يمكن ان يحدث. يقومون بثقب دواليب سيارات الجيش ويذهبون الى منزل قائد اللواء ويصورون ما يحدث عبر الفيديو حتى يعرف هذا الضابط اننا نعرف اين يقطن والى اي مدرسة يذهب اولاده. رئيس الحكومة او وزير الدفاع الحالي لن يفعلوا اي شيء ازاء هذه القضية، رئيس هيئة الاركان سيتمتم شيئا ما بصورة رسمية ولن يضرب يده على اية طاولة بينما يواصل الضباط دفع الثمن.