السجناء أنجزوا ما عجز عنه الطلقاء... بقلم/ عيسى قراقع

الساعة 03:03 م|09 سبتمبر 2021

فلسطين اليوم

الاسرى الفلسطينيون الستة الذين انتزعوا حريتهم بهروبهم من سجن جلبوع الاسرائيلي يوم 6/9/2021, انجزوا ما عجز عنه الطلقاء, وهي مفارقة اصابت الجميع بالدهشة وبالخجل وبوجع السؤال, كانوا ينتظرون اي احد ليصرخ ويقلب الطاولة ويساعدهم على تغيير المعادلة, سنوات طويلة ومريرة مرت عليهم داخل السجن في حصار الزمن وحصار الدائرة.

اربعون عاما يقضيها اسرى بالسجن, المئات من المحكومين بالمؤبدات, المئات من الاسرى الذين سقطوا شهداء, المئات من الاسرى المرضى الذين يصارعون الموت، الابواب صدئت، الاعمار شاخت، لم يسمعوا سوى الكلام، لم يحفر احد أملا في خطاب سياسي او في قصيدة تشبه الفأس، لهذا فالأسرى حفروا بعظامهم وجوعهم واحلامهم وارواحهم وجروحهم جدار السجن، استعانوا بالصبر والصلاة، بالماء والملح والجوع ونبوءة الذاكرة.

الاسرى الستة كانوا يعرفون السبيل، الهروب الى الامام، الهروب الى الوطن، لا حاجة لخارطة او مؤتمر او خبير، فالأرض هي الدليل، البساتين والنجوم والغيوم وهواء البحر المتوسط ونفوسهم الثائرة.

ستة اسرى عبروا سجن جلبوع المسلح والمحصن بأحدث الاجهزة الامنية والتكنولوجية، عانقوا مدينة بيسان في ذلك الفجر الفلسطيني، خرجوا من تحت الارض ومن قاع الزنزانة وتنسموا هواء الحرية، استنفرت حكومة الاحتلال بجيشها وطائراتها ووحداتها الخاصة، فتشت كل حجر وصخرة ومكان لألقاء القبض عليهم, لكن الشجر كان حارسا لهم وهديل الحمام وقمر يدلهم على الطريق.

ستة اسرى فلسطينيين اعلنوا الانتصار وتفوقوا على منظومة القمع الصهيونية: على الحارس والبرج وكاميرات المراقبة، على السياج والكلاب البوليسية، انتصروا على اطول احتلال في التاريخ المعاصر، على منظومة القمع وسياسة الفصل العنصري، انتصروا على المشانق والمسالخ والاعتقالات الجماعية التعسفية، على البطش والاذلال والتعذيب وانتهاك كرامة الانسان، انتصروا على اليأس الذي تحول الى قنبلة بشرية.

لم يصدق احد ان الاسرى الستة تحرروا من الباطون المسلح، من جدران وخزانة وحديد مصفح، من قيد يطوق اليد والقدم، تحرروا من وهم السلام الموعود، من تحت قصف القمع وقنابل الغاز والعزل والامراض الفتاكة، تحرروا من المحاكمات التعسفية ومن العزل الانفرادي ومن التشريعات العنصرية المعادية لحقوق الانسان، انتصروا على دولة همجية، دولة السجون والاعدامات والمعسكرات والجيتوات والاسلاك الشائكة.

الاسرى الستة انتظروا طويلا سلاما حقيقيا يحررهم، انتظروا مفاوضات وتسوية سياسية تتعامل مع حريتهم كجزء اساسي من حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، انتظروا صفقات وتفاهمات ولقاءات وتحركات دولية، انتظروا مؤسسات حقوق الانسان وارادة المجتمع العالمي وقرارات الهيئات القضائية الدولية, طال الانتظار سنوات وسنوات، الجريمة مستمرة، الديمقراطيات العالمية واتفاقيات القوانين الدولية عاجزة، لم يصل اليهم احد، لم يدق اي مسؤول اممي على الباب المغلق، على الروح الحبيسة، العتمة كثيفة، الاسوار ازدادت سمكا وعلوا، القمع الممنهج ازداد تصعيدا وشراسة، السجن صار هو الموت، لهذا قرر الاسرى ان يحملوا المعول بأنفسهم ويهدموا بأيديهم كل هذا الصمت.

الاسرى الستة ساروا على مجرى ينبوع في مدينة بيسان، اتبعوا لغة القلب والعشب والحصى ومجرى الماء في الارض وتفتح زهرة الرمان في الفجر، امدتهم اسراب الطيور بالاجنحة، لا شيء نخسره سوى القيد والمذلة , قال الاسرى الواثقون ان ارادة الشعوب هي الاسلحة.

الاسرى الذين تحرروا من سجن جلبوع حرروا الخوف والاستسلام من النفوس الميتة، لم يحرروا انفسهم فقط، وانما حرروا الخنوع لمخططات وسياسة الاحتلال، حررونا من قبول ثقافة السجناء والعبيد، ثقافة الحواجز والكانتونات والمعازل، حررونا من الخضوع لهيمنة الامر الواقع، نستطيع ان نهدم الحائط والمتاريس الحجرية، قال الاسرى، نستطيع ان نصمد ولا نهاجر، نستطيع ان نصل الى حقولنا ومساجدنا وكنائسنا ونتصدى للمستوطنين والجنود، نستطيع ان نصل الى بيوتنا واولادنا والعائلة، لا تخيفنا الرصاصة او الطائرة ولا جرافة المستوطنة، نستطيع ان ننتصر لا شيء مستحيل، الحق هو القوة الكبرى والذخيرة والرواية والمقاومة.

سجن جلبوع الاسرائيلي لم يعد سجنا بعد الان، تحول الى اسوار واهية، فشلت كل الاجراءات البوليسية التي حولته الى سجن منيع، فشلت كل الخبرات الاسرائيلية الامنية، لم يهدم هذا السجن بطائرة او صاروخ، لم يقصف بقنبلة مدفعية، ستة اسرى فلسطينيين عزل هدموا هذا السجن، الارادة تهدم اكبر السجون، انها دعوة من ابطال حرروا انفسهم بأنفسهم لهدم كل السجون والمعسكرات الظالمة، انها دعوة لهدم هذا الاحتلال وتقويض كل منظومته العسكرية والامنية، نستطيع ذلك، فالسجن لن يبقى جزء من حياتنا ولن يكون.

كلمات دلالية