تحليل أطلس | ما بعد كسر القيود .. تحدٍ أم إنعطافة؟

الساعة 12:47 م|09 سبتمبر 2021

فلسطين اليوم

مركز أطلس للدراسات

كسر قيود السجن والفرار منه رغم أنف السجان هو جزء أصيل من مركبات الصراع، طالما هناك سجّان وسجين يعشق الحرية ويقاتل من أجلها، لكنها تعتبر أمرًا مُعقدًا وصعبًا وتقترب من المستحيل، لكن الأسرى الفلسطينيين ما انفكوا ينقبون في جدران السجون لكسر قيودهم، وسجلوا نجاحات جماعية وفردية؛ فكانت أولى بدايات الهروب الكبير من سجن أنصار الخيام في جنوب لبنان، عندما استطاع 23 أسيرًا فلسطينيًا حفر نفق والفرار عبره، وكان الفرار الثاني من سجن غزة المركزي شديد التحصين عام 1987، عندما نجح ستة أسرى من الجهاد الإسلامي بنشر قضبان شباك غرفتهم والانطلاق إلى فضاءات الحرية؛ وها هم أسرى الجهاد الإسلامي، مرة أخرى، يكررون ذات التجربة، ولكن بأدوات وطريقة أخرى، ستة فرسان كما في الـ 87.

وما بين العمليتين أكثر من ثلاثة عقود ونيف، وبما حملته هذه العقود من تغيرات كثيرة وكبيرة؛ إلا أن ثمة ما يُعتبر الأهم الذي بقي على حاله، وفي مقدمة ذلك ذات العدو والحاضنة الشعبية الكبيرة وسجل الصراع. وأيّ قارئ لعمليتي الفرار لا يُمكن ألا يلاحظ القاسم المشترك للعمليتيْن، وهي القدرة على تشكيل انعطافة في الحياة السياسية الفلسطينية، فالعملية الأولى أسهمت بشكل نوعي كبير في النفير للانتفاضة الأولى، وتأثرًا بأجوائها وما رافقها من عمليات مطاردة واشتباك واستشهاد عدد منهم، نشط أبناء حركة الجهاد في عمليات طعن المستوطنين بالسكاكين في شوارع مدينة غزة، ممّا زاد من حدة الاشتباك الشعبي مع قوات الاحتلال، ومهّد لانفجار انتفاضة الحجارة.

الفرار من سجن جلبوع أشعل الشارع الفلسطيني انتصارًا وفرحًا، ومنحنا أجواءً وشعورًا بنصر صافٍ واضح عظيم، نصر شعر الجميع بأنه جزء منه وله، فارتقى معه الفرسان إلى درجة القداسة، وتحولوا إلى أيقونات شعبية، لكن حسابات الجهات الرسمية ليست كحسابات الشعب؛ فحسبتها معقدة وصعبة، فالذي ننظر إليه كانتصار ينظرون إليه كتحدٍ في ظرف غير مؤاتٍ لهم، وهو حقًا بالنسبة لهم أكثر من مجرد تحدٍ، بل كابوس في ظرف سياسي كانت تطمح السلطة فيه - بعد لقاء غانتس ولقاء القاهرة، والحديث عن انفراجات اقتصادية، وتعزيز دور السلطة وما أعلن عنه من ضغط أمريكي بهذا الاتجاه - لتعزيز مكانتها والخروج من أزماتها المتلاحقة.

تأتي عملية الفرار؛ فلا تستطيع السلطة أن تصطف علنًا مع شعبها في ذات الخندق، وهي تخشى وبحق من تحمّل أيّ تبعات، حتى لو لم يكن لها فيها أيّ يد، لأنها تدرك أن هناك من يهيئ الشارع ويحضر نفسه من اليوم للهجوم على السلطة وإدانتها واتهامها في حال نجاح الاحتلال باعتقال أو تصفية بعضهم، ومن متابعتنا لسلوكها ندرك أنها لا تجيد التصرف، ودومًا يحدث السيناريو الأسوأ بالنسبة لها.

كما ان وجود زكريا الزبيدي، ابن فتح وعضو مجلسها الثوري، والقائد في كتائب شهداء الأقصى، من بين الأسرى المحررين أنفسهم سيزيد من التعقيدات داخل الحركة، وسيخلق تحديًا كبيرًا بين أجهزة أمن السلطة من جهة، وبين أبناء التنظيم ومسلحي الحركة من كتائب شهداء الأقصى من جهة أخرى.

كما ستواجه السلطة ضغوطًا أمنية إسرائيلية تطالبها على الأقل ببذل المزيد من الجهد فيما يسمى بـ "مكافحة الإرهاب"، في ظل أنها تنتظر ترجمات لقاء عباس - غانتس على صعيد التسهيلات الاقتصادية والمدنية.

السلطة التي تعاني عجزًا وفشلًا وتآكلًا غير مسبوق في شرعيتها، تقف على شفا الهاوية، وفي حال كابرت وعاندت ولم تتسلح بالحكمة فإن عملية الفرار قد تشكل انعطافة كبيرة في الشارع الضفاوي، وستجد السلطة نفسها من أكبر الخاسرين، فإسرائيل التي تستنفر قواتها بشكل غير مسبوق مستعدة لأسوأ السيناريوهات في سبيل الوصول إلى الأسرى، أحياء أو أمواتًا، حتى بثمن اجتياح كبير لمدن الضفة وتصعيد كبير يطال عدوانًا على القطاع، ولن تعبأ إسرائيل بمآلات ذلك على السلطة؛ فحكومة بينت - لبيد في امتحان صعب أمام جمهورها وأمام المعارضة القوية بزعامة نتنياهو. ولذلك، فنحن منفتحون على احتمالات كبيرة، بما فيها تصعيد عدواني كبير، وما يحدث الآن من اعتداء همجي على الأسرى داخل سجون الاحتلال كفيلٌ بأن يتصاعد ويؤدي إلى انفجار.

الانتصار المظفر على السجان كان المرحلة الأولى، وما بعدها هو المرحلة الثانية، وما بعدها يحمل في جعبته الكثير؛ لكنه من المؤكد يعبد طريق خلاصنا من الاحتلال.

كلمات دلالية