ما بين انتصار طالبان وانتهاء المهمة الأمريكية.. ماهي الحقيقة؟

الساعة 10:50 ص|26 أغسطس 2021

فلسطين اليوم | عرفات عبدالله أبوزايد

في البداية من المهم أن نتفق على أهمية خروج الأمريكي من أي بقعة جغرافية عربية أو إسلامية, ومن المهم أن نتفق بأن المصطلح الحديث لاحتلال الدول والكيانات وفق النظرية الأمريكية المستجدة لم يعد المصطلح النمطي المتمثل بالاحتلال الجغرافي, فالاحتلال يعني الهيمنة والسيطرة الأمنية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية على الدول سواء عبر تواجد عسكري أو بدون, ويجري ذلك من خلال ثمة أدوات أهمها القوة الذكية, حيث قدم جوزيف ناي مفهوم القوة الذكية في 2003 كرد فعل على المغالطة بشأن الفكرة السائدة أن القوة الناعمة يمكن ان تعمل وحدها لتحقيق أهداف السياسة الخارجية فذهب ناي إلى ضرورة الدمج بين لقوة الناعمة والقوة الصلبة, وهو ذات الأمر الذي تناوله ارنست ويلسون عن القوة الذكية ووصفها بأنها قدرة الفاعل الدولي على مزج عناصر القوة الصلبة والقوة الناعمة بطريقة تضمن تدعيم تحقيق أهداف الفاعل الدولي بكفاءة وفعالية, وهذا وفقاً لعدد من الشروط أهمها معرفة الهدف من ممارسة القوة, فالقوة لا يمكن أن تكون ذكية دون أن يعرف ممارسوها الهدف من استخدامها والشعوب والمناطق المستهدفة من هذه القوة.

لذا ذهبت واشنطن عبر مراكز الأبحاث والدراسات التابعة لها, بحيث تعتبر هذه المراكز من أهم المؤسسات غير الرسمية المؤثرة في صناعة السياسة الخارجية الأمريكية, ذهبت القيادة الأمريكية نحو دراسة المصالح الأمريكية في البقاء أو الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتأثير ذلك على خارطة النفوذ الأمريكي, وبدأت تتبلور النظرة الأمريكية تجاه افغانستان, بحيث أتخذ القرار في عهد الرئيس أوباما بالانسحاب مع أخذ بعين الاعتبار أهمية بقاء أفغانستان تحت الهيمنة الأمريكية وخروجها من قائمة الدول المهددة للأمن القومي الأمريكي, مع السعي بعدم عودة الكرة مرة أخرى بوجود تنظيم القاعدة أو من هو على شاكلته على الأراضي الأفغانية, وذلك بغض النظر عن الطرف الذي يحكم أفغانستان.

وأشارت وثيقة الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي التي نشرها البيت الأبيض في بداية مارس 2021، إلى أن الولايات المتحدة "لا ينبغي أن تنخرط، أو تشارك، في حروب إلى الأبد، كلفت آلاف الأرواح وتريليونات الدولارات, وأضافت الوثيقة بأنها سيتم العمل على إنهاء أطول حرب تشنها أميركا في أفغانستان على نحو مسؤول، مع ضمان ألا تصبح أفغانستان مرة أخرى ملاذا آمنا للهجمات –الإرهابية- ضد الولايات المتحدة", وهذا يعني بأن واشنطن قد اتخذت الموقف مسبقاً بمسألة أفغانستان وذلك وفقاً لأهدافها بهذه المنطقة المهمة في خط النفوذ الأمريكي في العالم, التي تتمتّع بموقعٍ استراتيجيّ مهم؛ إذ تقع على طول الطرق التجارية المهمّة، والتي تربط جنوب وشرق آسيا بقارة أوروبا والشرق الأوسط, وقد شكل تعزيز التنافس الفعال مع الصين أهم ملامح استراتيجية الولايات المتحدة تجاه خطوة الانسحاب من أفغانستان، بحيث سعت الإدارة الأمريكية بموجب هذا الانسحاب تعزيز تنافسها مع بكين, بحيث يتيح لها الانسحاب فرصة ذهبية لإعادة نشر المعدات العسكرية الأمريكية الموجودة بأفغانستان تجاه منطقة المحيط الهندي الهادئ، كذلك توفير الأموال التي كانت ستستمر في إنفاقها لو لم تنسحب من أفغانستان, حيث كلفت الحرب في أفغانستان الخزانة الأميركية تريليونات الدولارات.

ولاشك بأن طالبان قدمت نموذج مهم في التكتيك العسكري في بداية الحرب حيث أدت العمليات العسكرية لطالبان عن مقتل أكثر من 2400 جندي من أفراد القوات الأميركية – وفق الرواية الأمريكية- وهو الأمر الذي كما يبدو جعل القيادة الأمريكية تذهب نحو انتخاب طرق بديلة عن التواجد العسكري بحيث تكون قادرة على تحقيق الأهداف الأمريكية بأقل تكلفة وأقل جهد.

وكما يسجل لطالبان تفعيل الاشتباك مع الجنود الأمريكيين في أفغانستان, فإنه يسجل عليها مقتل آلاف الأفغان في عمليات تفجيرية وقتالية نفذتها الحركة بالتخصص ضد المناوئين لها.

السياسة الخارجية للدول ليست جمعيات خيرية وأي خطوة تقوم بها الدول فإنها تأتي وفق ما يحقق مصالحها وأهدافها, خاصة الدول الكبرى التي تسعى لفرض هيمنتها على النظام الدولي, والهيمنة هنا لا يمكن حصرها في احتلال أراضِ أو عبر وجود قواعد عسكرية, بل يتمثل في السيطرة على قرار الدول الأخرى ومصادرة أي حق لها في اتخاذ أي موقف يخص عمقها القومي والأيديولوجي.

المعطيات تقول بأنه في الأعوام الأخيرة وخاصة العام الأخير لم يصاب جندي أمريكي خلال عمليات طالبان القتالية بل كان جُل تركيز العمليات تجاه القوات الأفغانية الحكومية, وخلال السنوات الأخيرة لم تتوقف اللقاءات الأمريكية "البنتاغون" مع قيادة حركة طالبان في قاعدة العديد الأمريكية في قطر, وتم خلال هذه اللقاءات مناقشة أدق تفاصيل الميدان, والأهم من هذا كله بأنه خلال تحرير طالبان للولايات الأفغانية ولاية تلو الأخرى لم يحدث أي تعارض بمناطق العمليات مع القوات الأمريكية سواء في المطارات والثكنات والقواعد العسكرية والدوريات العسكرية الأمريكية المرابطة في العديد من المناطق الأفغانية, كما أنه بعد سيطرة طالبان على كابل أعلن البنتاغون بأن الاتصالات مع طالبان متواصلة ولم تنقطع وهناك تنسيق بشكل عالِ, فيما أفادت صحيفة "واشنطن بوست" في 23 أغسطس الجاري أن وليام بيرنز مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية "CIA" عقد اجتماعا سرياً مع زعيم طالبان الملا عبد الغني برادر في كابول, فيما لم ينفي أو يؤكد سهيل شاهين المتحدث باسم حركة طالبان في تصريح لـCNN ذلك , حيث قال: " ليس لدي علم بأن برادر التقى مدير المخابرات الأمريكية", كما أن حامية مطار كابول يتم حراستها عبر دوريات وتنسيق مشترك بين طالبان والقوات الأمريكية بل أن الصور المتناقلة لإطلاق النار مؤخراً على المواطنين الأفغان أمام بوابات المطار كانت بالشراكة والتوازي من جنود طالبان والجنود الأمريكيين داخل المطار.

إن المطلوب أن نتابع ما يجري في أفغانستان بعين مجردة, فالمشهد أمامنا هو إذلال للجيش الأمريكي وهو يهرب إلى مطار كابل, وبالتوازي عدم الإفراط في مشاعر الفرحة بأن ما جرى انتصاراً متكاملاً, فأمريكا شر مطلق وأي التقاء معها في أي نقطة يثير الشبهات والمخاوف, ولا يمكن الاعتماد بشكل كامل على الصورة التي تصلنا فحسب, فالمطلوب التروي قبل الاندفاع في قراءة ما يجري ميدانياً, ووفقاً للمتابعة الدقيقة خلال الأسابيع القادمة سنعلم يقيناً هل ما حدث هو انتصار حقيقي يمكن البناء عليه في تعزيز روح الأمة وتسجيل نقطة تجاه الانعتاق من الاستكبار والهيمنة الأمريكية على شعوبنا ومقدراتنا وثرواتنا, أم أن ما جرى هو مواصلة الهيمنة الأمريكية بأقل تكلفة على منطقة استراتيجية عبر وكيل جديد من خلال طرق وأدوات أمريكية حديثة.

كلمات دلالية