خبر حال العرب تحسنت بالرغم من قياداتهم ..بقلم د. محمد الأحمري

الساعة 11:23 ص|01 ابريل 2009

ـ العصر 31/3/2009

تابعت بعض أحداث هذه القمة في الدوحة وبعض أحاديثها، وهناك أمور تستحق التأمل في هذه المناسبة:

1- واجه القادة العرب في هذه القمة معضلة كبيرة لم يتعودوا أن يواجهوها من قبل وهي أن العالم يكاد أن يترك لهم بعض القرار في كثير من قضايا بلادهم، لا زهدا في استعبادهم ولكن لأن المعضلات المالية والسياسية الدولية وصراع المستقبل أكبر من الاهتمام بالحكام العرب، الذين هم دائما في الركاب مع من غلب، وهذه المعضلة التي تتحدى حكومات عربية تعودت أن تتلقى أوامر نهائية من السفراء، ومن مكاتب الاتصال قد قل واردها هذه الأيام، وبالتالي تختبر نفسها اختبار كبيرا هل تستطيع أن تصنع سياسة ذاتية مستقلة محلية ترعى المصالح وتدرأ المفاسد؟

الذي نعلمه أن حكام العرب لم يتعودا دروب النجاح ولا يجيدونها، فهي غريبة عليهم لو أرادوها، فالمعروف لهم هي مصالح عائلاتهم العاجلة الضيقة فقط، ولكن اليوم ينفتح العالم على بلادهم وعلى أنفسهم ويفتح لهم طريقا رهوا كما لم يكن من قبل مفتوحا، فهل يملكون من المروءة والشجاعة أن يحكموا بسداد وعدل واستشعار لقوة بلادهم، وأن يقلعوا عن حياة الصِغر المغالية في هوانهم، حين يكبتون شعوبهم ويختزلون إمكانات وقدرات بلادهم العظمى في أزلامهم وأقزامهم، وعبيدهم فهل سيجرؤون أن يفتحوا بلادهم للمشاركة في دور الإصلاح والتوجيه والريادة.

إن الإمكانات أعظم مما يتخيلون، والدور أكبر، ولكن الذي يبدو أن التحديات أكبر من هؤلاء جدا، وهم تعودوا تقزيم أنفسهم وبلدانهم، فأنّى لهم بالرقي وهم من تعودوا التفكير الصغير جدا، وغاية أحدهم كيف يقمع ويسجن سكان بلده ويحاصرهم ويفقرهم، ويصنع منهم أتباعا لسادته في الخارج. إن من تعود حياة التبعية يصعب علية مقعد القيادة، لأنه يقتضي أفقا أوسع، وسماحة وشهامة، وتعاليا على الصغائر، ويقتضي مسؤلية، وتعبا ومبادرة لم يعتادوها، و لا يعرفونها ولا يدركون أهميتها.

2- طموحات العرب التي عبر عنها الأمين العام التي قدمها كانت مفرحة لأنها قد جاءت الأيام التي تعلن فيها الأحلام وتقال في حضور الرسميين الجاهلين بها، أو الكارهين لها، إنها تعلن للناس، ويطالب الناس قادتهم بالحق، وبالخير وبالوحدة، وبالمعرفة، وبالعقل، وفي السابق كان حتى الهمس بها خافتا، والراية العليا للتملق.

3- نحن سعداء لا شك، ونحن نرى شعوبا متقاربة أكثر من قياداتها، وبالرغم منهم، ويتحابون ويتوادون ويتعارفون، وأسبق من حكامهم وعيا بمصالحهم، وأكثر استنفارا لقضاياهم، إنني سعيد أن أرى عباس المفلس انتخابيا يأخذ مقعد فلسطين، وقد خسر الانتخابات بسبب ولائه للصهاينة، وبسبب خنوعه وفساد حزبه، وخسر الموقع ومع ذلك يهيمن، بالقهر الغربي والصهيوني، وسعيد بان المفلس يهجو شعبه، لأنه يؤكد نهاية الصفوف الفاسدة، والقديمة وغير الحصيفة.

عندما أراه يهجو شعبه لأنه تخلص من الفاسدين والعملاء في غزة، ذلك فجر جديد، يؤكد ضرورة الخلاص من الفساد، نعم إن المال والقوة مع الفساد الآن، ولكن الإرادة والروح والقرار قادمة، بسبب أن المحتل في فلسطين خارجي، فأعطى فرصة جيدة للرؤية. هذا يدل على مصير أحسن ينتظر، ودليل على أن الظلام لم يبق إلا في الكهوف القديمة بالقوة الغربية لا بالإرادة العربية ولا الإسلامية، وسعيد أن أجد بقايا الظلام وهي تخاف من نور الإسلام، ومن نور الديمقراطية في التركية، وفي فلسطين، وفي غيرها، سعيد وأنا أسمعهم يتكلّفون التقرب من الشعوب ويتكلفون وعي لغتها وحياتها الجديدة.

4- سعيد أرى الرعب من الإعلام، والذي سيقهر الظلام كما نأمل، فالموقف من الإعلام مؤسف وتوجيه اللوم ولو بشكل غير مباشر للأصوات الحرة والجيدة التي قدمت الحياة والتفكير والخلق والوحدة وقضايا الأمة للواجهة الأولى، إنه لأمر مؤسف حقا أن تقف بعض الحكومات العربية وتطالب بعودة زمن الصمت والهوان وتقديس الرئيس بحق أو بباطل، ثم تقاطع المؤتمر بسبب محطة، أو كلمة حق مؤذية، وهنا ترى قدر هؤلاء، صغار جدا، من تروعهم و محطة، وتهدد استبدادهم، لسنا مع المحطة في كثير من مواقفها، ولكن لو كان لنا حكام كبار أحرار، لفرحوا بما يطوّرهم هم، ويرقّي معرفتهم، ويبعث الوعي والتحدي المعرفي والسياسي في عقولهم، لأنهم بالتحدي سوف ينمون لا بخطاباتهم ومحطاتهم الرسمية التي قتلت العقل والوعي والحمية، ولو كانوا وطنيين لفرحوا بما ينتقد وما يطوّر شعوبهم ولو تحملوا بعض النقد، إنه يضرهم نعم، ولكنهم سيحتجون بالنقد في وجه سادتهم الغربيين، ويقولون "علينا ضغوط من هنا وهناك"، ويقولوا لهم في بلادنا شعوب سوى السجانين والمساجين، ولكن بعض الحكام ذاب في مصالح العدو، حتى أصبح يؤذيه جدا ما يؤذيهم.

5- إن كانت حكومة صغيرة، استطاعت أن تصنع هامشا من الحرية صغيرا للإعلام الخارجي وللضمير العربي الصادق، ألا يمكن حكومات عربية أكبر أن تطالب السفراء الأجانب المتحكمين ومكاتب الاتصال والحكام الغربيين بمزيد من الحرية لنفسها ولشعوبها؟

لقد تبين لنا أن "العبودية المختارة" هي الحاكمة، والأوهام المريعة من غضب اليهود والغرب هي ما يسير الحكومات الخانعة لهم، فالغرب احتقر الحكام العرب بما لا مزيد عليه، وأهانهم حتى أنهم ليقدمون القربات والوسائل ليسمح لهم أوباما أن يدخلوا مكتبة صاغرين بأي ثمن ولكنه لا يراهم يستحقون أن يزوروه، فمالهم واصل وخدمتهم تامة بل فوق المطلوب، حتى كان من السخريات أن يطلق بعضهم المعارضة السياسية الموالية للغرب ولأمريكا تحديدا من أجل أن يستقبلهم أوباما (مثل قصة إطلاق أيمن نور، فقد أفرج عنه أملا بأن يستقبل الرئيس الأمريكي الرئيس، كما ذكرت جريدة الواشنطن بوست حينها) ولكن ماذا عن المعارضين العرب الكثيرين والمصلحين الذين لا علاقة لهم بالبيت الأبيض، ولا سند من يهود ولا قوى خارجية تشفع؟

إن بعض الحكام العرب أبادوا الهمة والحيوية والطموح والعدالة، وعملوا على قتل السمات الطيبة في شعوبهم، فماتت أو كادت فيهم هم، قبل شعوبهم، ثم لو أرادوا الخير لما بعث بسهولة بسبب القطيعة الطويلة مع الخير والعدل، ولكن بالرغم منهم ستنبض روح الخير في الأمة، وتتصاعد المطالبات المستمرة جيلا بعد جيل، وقد صدموا حقا وهم يسمعون نداءات الوحدة العربية ومطالبات تطوير التعليم، والعلاقات الحسنة والانفتاح والمزيد من الحرية الإعلامية، لا شك إن هذه أمور كريهة لمن يرى رسالته أن يتزلف للغرب بإذلال أمته وتمزيقها، و بالمزيد من التجهيل والكبت والوطء على الكرامة الوطنية والمزيد من القبضة الحديدية وإخراج أمتهم من التاريخ، إنه ليشرفنا أن يخرج هؤلاء من التاريخ، لتدخل الأمة العزيزة ولو بعد لأي.

6- إنه عيب مشين أن يلتقوا كل عام أو نحوه ليتصالحوا بسبب خلافات شخصية لا علاقة للأمة المنكوبة بهم ولا بمشكلاتهم، فمن صنع هذه المشكلات؟ إنهم لم يختلفوا بسبب مصلحة أرادها أحد منهم للأمة، وحياة الشرائك هذه لا مستقبل لها، لأن السيد الذين كانوا يتهالكون في مودته لم يعد يأبه بهم، فعنده ما يشغله.

7- إني أرثي لهم حين لا يوجد السيد لهم عملا، وأخشى أن يتفرغوا لتدمير أمتهم بما يحملون من عقد النقص الرهيبة، ولكنه قد يأتي قريبا، ثم يجد لهم دورا جديدا، ويبعثهم جنودا لحرب بالوكالة في مكان ما، لماذا لأن الأفكار هناك عند السيد حية متجددة متحركة، شغلها دائم، فكما يشتغل هؤلاء بترفهم يشتغل أولئك بالأفكار، الأفكار التي هي في قصور الحكام العرب جريمة، ولكن من كانت لديه أفكار استعبد الفارغين ذهنيا، وصنع لهم مهمات، لضبط الرعاع بالرعاع، ولتحطيم آمالها وسيسميها بطولات ليفتخروا عنده بتحقيقها يوما ما.

8- إني سعيد بالخير الصاعد، من الأمة، وسعيد بكسوف الشر والعجز والعمالة، وآمل ـ ولا يأس ـ بأن يصعد من بين قيادات العرب من يعلوا على العقد والصغائر، ويبني ويساعد ويتواضع ويجدّ وينصف، وسيجد باب الخير والمجد والتاريخ مشرعا لكل ذي همة.