ختم القرآن قبل تفوقه بالثانوية العامة ...

تقرير محمد منصور لن يستطيع تحقيق حلمه بالرداء الأبيض في الجامعة لهذا السبب..!

الساعة 07:27 م|08 أغسطس 2021

فلسطين اليوم

غزة/ أمل خالد الوادية:

في شوارعه الضيقة التي لا تتسع لجرعة أخرى من الآمال والأحلام، وجدرانه المهترئة التي تآكلتها منخفضات فصل الشتاء، وبيوته التي خنقها الاكتظاظ السكاني، وأطفاله الذين يلتفون حول بعضهم البعض، يعيشون روح الطفولة بألعابهم البسيطة، في مخيم الشابورة بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، حيث يقطن الطالب محمد منصور في منزل متهالك، أبعد ما يكون عن تسميته منزل، لا يحتضنه سوى دفء العائلة..

يسقف المنزل في الأعلى ألواح الزينقو الخانقة، يقتلهم حر الصيف، وتنهال عليهم أمطار الشتاء كالفيضان الممتد، لا تتجاوز مساحته 130 متر يعيش فيه 9 أفراد في ظروف صعبة، تطحن ببطء نفسيتهم، ينتظرون أملهم الوحيد كل سبعة أشهر مرة واحدة حين تصرف لهم الشؤون الإجتماعية مستحقاتهم، فمن رحم المعاناة والظروف الصعبة تخرج الأجيال الصانعة للوطن.

الحافظ لكتاب الله تعالى محمد موسى محمد منصور تفوق في الثانوية العامة رغم الوضع المأساوي الذي يعيشه وعائلته، وحصد ثمار تعبه بمعدل 98% (الفرع العلمي)، من مدرسة بئر السبع الثانوية للبنين، راسماً حلمه بحروف من نور أنجزها بنتيجةٍ باهرةٍ، لكن أمله الأكبر هو الحصول على منحةٍ لدراسة الطب في إحدى جامعات غزة؛ ليُحقق النصف الآخر من حلمه الذي كبر معه منذ الصغر.

صعوبات ومخاوف

عاش محمد ظروفاً اقتصاديةً صعبةً، وجواً غير مناسبٍ للدراسة، خاصةً وأنه يعيش في مخيم للاجئين وأصوات الأطفال والكبار لا تهدأ، إلى جانب انتشار فيروس كورونا والحرب الأخيرة على غزة، فلم تنكسر عزيمة محمد ولم تلن، وتحدى كل الظروف الطاحنة، وواصل مشواره بإرادةٍ وإيمان بالله حتى نال ما تعب لأجله.

يقول محمد لمراسلة "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية":" أنا أعيش في مخيم وبيت مسقوف من الزينقو، فكنت عندما أدرس لا أستطيع أن أكمل أكتر من نصف ساعة بسبب الحر الشديد الذي تحدثه ألواح الزينقو، وضجيج الصغار والكبار خاصة في فصل الصيف، حيث يخرج الناس على الأبواب، فكل ذلك يشتت تركيزي وتفكيري، إلى جانب انقطاع التيار الكهربائي، فأكون مضطراً للدراسة على الليدات؛ لكن بعد وقت قصير يختفي ضوءها فلا أكمل الدراسة".

وأشار منصور إلى أن انتشار فيروس كورونا أثر سلباً عليه، حيث أصبح الدوام المدرسي جزئياً، وعلى حد قوله لم يأخذ حقه في التعليم "بأريحية واستقرار"، ناهيك عن أيام الحرب وحالة الخوف التي أصابته فكان يتوقع قصف منزلهم في أي لحظة.

وعبر منصور عن مخاوفه التي كانت تسيطر على تفكيره بقوله: "أنا والدي لا يعمل، وأختي قبل سنتين انتهت من الثانوية العامة بمعدل 85%، لكن ظروفنا المادية الصعبة لم تجعلها تكمل دراسة الجامعة، فكان أكبر مخاوفي أن أحصل على المعدل الذي حلمت به دون أن أكمل دراسة الجامعة، فعشت حالة نفسية صعبة، فوالدي لن يستطع  إكمال دراستي الجامعية، وخاصة التخصص الذي أتمناه، فكنت متأمل بالله رغم الخوف من عدم تحقيق الحلم".

WhatsApp Image 2021-08-08 at 7.19.24 PM.jpeg
 

حقق نصف حلمه

لا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة، هكذا كانت ولا زالت عزيمة الطالب المتفوق محمد، الذي تحدى كل الظروف الصعبة التي عاشها متسلحاً بتقوى الله، ومتأملاً بقدرته على تحقيق المعجزات، ونيل ما يستحق ويتمنى.

فبعد حالة من الخوف والتوتر الشديدين، وانتظار عائلته كل فرد منهم يجلس بإحدى زوايا البيت، كل الحلويات والألعاب النارية ترتقب حلول الساعة العاشرة صباحاً، ليستقبل الطالب المتفوق محمد منصور نتيجته التي حلم بها منذ الصغر بمعدل98%، بلحظات لا تصدق الأذن ما تسمع، سجد محمد سجدة شكر ورضا لله تعالى، وعلت الألعاب النارية سماء مخيم الشابورة برفح، وبدأت التهاني والزغاريد من الأحباب تلوح في أرجاء البيت، وتوزيع الحلوى بمشاعر من الفرح والسرور بين أزقة المخيم كافة.

يكمل منصور حديثه: "أهلي كانوا دائماً يقولون لي الرداء الأبيض يليق بك، فكانت هذه الجملة تمنحني طاقة إيجابية، فأصبح كل تفكيري بأني سأكون وأقاوم الوضع الاقتصادي الصعب حتى أحصل على ما أريد، فمن غير المثابرة والسعي لا أحقق ما أتمنى، فأصبحت أستغل فترات الهدوء وخاصة أوقات الفجر والأيام التي لا نداوم بها للمدرسة أستيقظ بها من الصباح وكأني سأذهب للمدرسة وأدرس حتى موعد صلاة الظهر(انتهاء دوام المدرسة)، حيث يتراوح عدد ساعات دراستي باليوم من 6-10ساعات أخذ بين كل فترة استراحة أقرأ من خلالها القصاصات الورقية التي تحفزني للمواصلة على ذات الطريق كالآية القرانية (وكان فضل الله عليك عظيما)، كل ذلك في سبيل تحقيق حلمي واضعاً أملي بالله أن أحصل على منحة دراسية كالتي يحصل عليها الطلبة المتفوقين".

حكاية حفظه لكتاب الله

لم يكتفِ الطالب محمد بدراسته طوال فترة ذهابه للمدرسة، بل التحق بمشروع الشفيع لحفظ القران الكريم وهو ابن الثالثة عشر، ليُزين رأس والديه بتاج الوقار.

يقول محمد:" رغم الدراسة والمنهاج الصعب كنت أوازن بين دراستي وحفظي للقرآن الكريم، لأن العبادات علينا حق و تُعينني على تقوية الذاكرة وتوفيق الله عزوجل، و رغم أن الأمر لم يكن سهلاً، سخرت كل جهدي لحفظ كتاب الله قبل الالتحاق بالثانوية العامة، وبفضل الله عزوجل تمكنت من حفظ القرآن الكريم كاملاً بدار القران الكريم والسنة النبوية في غضون خمس سنوات، فكان شعوري لا يوصف فيكفيني شرف أن أُلبس والديّ تاج الوقار".

حلمه ورسالته

حقق الطالب المتفوق منصور منتصف حلمه ووقف على أعتاب المحطة الأخيرة، ينتظر أن تكفله إحدى المؤسسات المخولة بتقديم المنح للطلبة بالجامعة، وتضيء شموع حلمه، وتجعله يعيش لحظة الانتصار والسعادة حين يكون في الصفوف الأولى من الجيش الأبيض، فنحن نسعى ليصل محمد لحلمه، ويكمل مشوار 7 سنوات بالطب، آملين أن تضع كل الهيئات والمؤسسات الدولية كل اهتمامها، وذخيرتها، وتكون عوناً لهذه الفئة المكافحة بالمجتمع.

يقول محمد في ختام حديثه: " حلمي أصير دكتور وأساعد كل الناس، فأنا أتمنى من كل الجهات المعنية أن توفر لي منحةً دراسيةً بالجامعة لأحقق ما أريد، أنا حصلت على معدل يستحق أن أحصل به على منحة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي أعيشه".

WhatsApp Image 2021-08-08 at 3.52.25 PM.jpeg
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمات دلالية