الظروف أجبرته لإعادة التوجيهي..

سفينة الطالب "رمضان شلح" تنتصر وترسوا اخيرًا في كلية الطب

الساعة 12:19 م|06 أغسطس 2021

فلسطين اليوم | مطر الزق

أغلق على نفسه باب الغرفة، وبدأ يُراقب عقارب الساعة وهي تتجه رويدًا رويدًا إلى التاسعة والنصف، تحاصره مخاوف من عدم تحقيق حلمه للعام الثاني على التوالي، يُمسك بيده اليمنى هاتفه النقال بينما يده اليسرى تتنقل بين "خديه" تمسح سيلان الدمع، ازدادت حالته توترًا وقلقًا بعد الاعلان عن أسماء العشر الأوائل في الثانوية العامة دون أن يُزين اسمه لوحة الأوائل.

أفكارٌ جنونية، واسئلة توتيرية بدت تراوده خشية من عدم حصوله على معدلٍ يحقق له الطموح والحلم الذي دفعه لإعادة تقديم الثانوية العامة "التوجيهي" مرة أخرى، نصفُ ساعةٍ جديدةٍ من التوتر والقلق مرت كأنها سنة، أعادت شريط ذكريات العام الماضي الذي حصل فيه على معدل 94.9% في الفرع العلمي وما تسبب له "المعدل" من معاناةٍ شديدةٍ وقفت كالحصن المنيع أمام حلمه بالدخول في كلية الطب.

لحظات عاشها الطالب "رمضان يوسف شلح" في الزمن الماضي كلها مُعاناة وبكاء وقلق وخوف، لكن رنين رسالة الهاتف النقال أعدته للزمن الحاضر لتبشره بأن المستقبل أمامه من أجل تحقيق حلمه بالدخول لكلية الطب دون "واسطة" أو تكاليف مادية اضافية أو غربة لخارج الوطن تقيد حريته وفكره واراداته وتغير عاداته وسلوكه.

أسرع "رمضان" تجاه باب الغرفة ليجد أمامه والدته تسبقه بخطوات مبشرة ابنها المثابر الطموح بحصوله على معدل 98.1% (الفرع العلمي)، لتعلوا اصوات الزغاريد والتهليل والتكبير في ارجاء المنزل، وتنهمر دموع الفرح معلنة انتصار "رمضان شلح" على كل التحديات والصعوبات التي واجهته خلال الأشهر الماضية.

تحدياتٌ كبيرٌ واجهها "رمضان" بعزيمة وإصرار وإرادة منذ فقدانه الأمل من دخول كلية الطب في جامعات قطاع غزة العام الماضي بسبب مفتاح قبول الكلية الذي لا يتناسب مع معدله السابق 94.9%، فلم يكن أمامه إلا الدراسة في مصر.

مضى شهرُ على وصول رمضان لأرض الكنانة؛ اصطدم خلاله بالعادات والتقاليد ونظرة المجتمع لأبناء قطاع غزة اضافة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة فلم يكن قادرًا على التأقلم في مجتمع مختلف العادات والتقاليد وطرق التعليم، فما كان منه إلا أنه قرر الدراسة في تركيا وبعد اسبوعين أُعلن عن فتح معبر رفح هنا انتهز "رمضان" الفرصة وأبلغ والديه بقرار عودته وعدم تمكنه من التأقلم مع المجتمع المصري.

تقبل والديه قراره بواسع صدرهما وكانا له خير داعمين ومساندين فمنحوه الثقة والإرادة، وبعد أسبوع من وصوله إلى غزة توجه لدراسة العلوم الصحية في الجامعة الاسلامية أملًا في الحصول على درجة الامتياز ومنها يستوفي الشروط ويتحول لدراسة الطب، لكن رمضان جاء متأخرًا وفقًا لمسجل الكلية.

فحمل رمضان أوراقه وشهاداته الرسمية متجهًا إلى جامعة أخرى في قطاع غزة، فكانت الصدمة قوية حينما أبلغوه باستطاعته دخول كلية الطب دون الحصول على الموازي في حال وجود "واسطة" لها وزنها داخل الجامعة، حاول رمضان عبثًا الحصول على ما يصبوا اليه فعاد مكسور الخاطر إلى البيت.

أصيب بإحباط كبير وألم مضاعف لعدم تحقيق حلمه بالاقتداء بعمه الأمين العام الراحل لحركة الجهاد الإسلامي د. "رمضان عبدالله شلح"؛ لكن الطموح والصحبة الجيدة أخرجته مما هو فيه فاتخذ قرار صعبًا ومفاجئًا بإعادة دراسة الثانوية العامة أملًا في الحصول على معدل يسمح له دخول كلية الطب دون أي مساعدة من أحد.

في شهر يناير 2021 أعاد "رمضان" ترتيب مكتبه للدراسة من جديد؛ لكن النفسية كانت صعبة جدًا لم يكن قادرًا على القراءة ولم يستطيع ترتيب جدوله مطلقًا، استمر على هذه الحال حتى بداية شهر مارس 2021 فوضع خطة للقراءة تبدأ في 29 مارس فكانت المفاجأة صادمة حيث أعلن عن اصابته بفيروس كورونا.

بعد أسبوع انتصر "رمضان" على كورونا وعاد لترتيب جدوله من جديد فكان "شهر رمضان" خير صديق للطالب "رمضان" أنهى دراسة جميع المواد الدراسية باستثناء "الانجليزي والأحياء والدين" وفي 27 من نفس الشهر بدأت معركة "سيف القدس" لتتوقف دراسته من جديد.

وبحكم قرب منزله من الحدود الشرقية في حي الشجاعية شرق غزة غادر رمضان المنزل حاملًا كتبه الدراسية إلى منزل جده ورغم ذلك لم يتمكن مطلقًا من القراءة.

بعد انتهاء العدوان على غزة أعاد "رمضان" ترتيب خطته الدراسية من جديد فكان الوقت ضيقًا جدًا لكن ارادته كانت صلبة والعزيمة لديه قوية فتمكن من انهاء دراسة "التربية الإسلامية"، ثم درس اللغة الانجليزية بشكل متقن وحفظ كثير من مواد التعبير التي كانت سببًا في تفوقه على كثير من الطلبة.

اعتمد رمضان في خطته على القراءة والمراجعة لمدة 12 ساعة متواصلة وبعض الأحيان تمتد لأكثر من 15 ساعة كاملة، كما اعتمد على نفسه وجهده فلم يتلقى الدروس الخاصة.

لم تكن استعادة الثقة لرمضان ممكنة لولا الطموح الكبير الذي كان يحلم بتحقيقه، اضافة إلى الدعم النفسي والمعنوي الذي تلقاه من والديه اللذان منحاه كل الثقة ليختار قراره بيده، كما أن الصحبة الصالحة منحته العزيمة والارادة لتحقيق الحلم.

انتهت مرحلة الدراسة وتقديم الاختبارات واقتربت لحظة حصاد جهد كبير بذله رمضان وغيره عشرات الآلاف من الطلبة، فكان الخوف والتوتر يتملكانه فهو لا يخشى الحصول على معدل ممتاز لكنه يخشى عدم حصوله على معدل يحقق له حلمه بالالتحاق بكلية الطب.

حالة من التوتر والقلق عاشها رمضان منذ طلوع شمس يوم الثلاثاء 3 اغسطس 2021، أغلق باب غرفته على نفسه وجلس ينتظر النتيجة بارتباك كبير، وعندما اقتربت عقارب الساعة إلى العاشرة اقتحمت والدته الغرفة لتبشره بالنتيجة وتفوقه بمعدل مميز (98.1) يمكنه من دخول كلية الطب دون أي معاناة أو واسطة كما عاشها في العام الماضي.

وجه رمضان رسالة لكل الشباب الطموح الراغب بتحقيق الانجازات والأهداف بأن يبذلوا قصارى جهدهم لتحقيق أحلامهم وعدم ترك أهدافهم، حتى وإن كان القرار خطوة إلى الخلف فهي ليست هزيمة انما بداية لتصويب الطريق والدخول بالاتجاه الصحيح.

كلمات دلالية