خبر صاروخ إسرائيلي أفسد على عائلة « أبو وحيد » أسعد لياليها ومزقها أشلاء

الساعة 07:01 ص|29 مارس 2009

الناجون من المجزرة يروون لـ "قدس برس" تفاصيل مروعة عنها

الأب ظن أن منزله الأكثر أمناً والأم ألحت على ابنها البكر المبيت عندهم

صاروخ إسرائيلي أفسد على عائلة "أبو وحيد" أسعد لياليها ومزقها أشلاء

 

 

كتب : عبد الغني الشامي

على الرغم من مرور أكثر من شهرين على المجزرة التي ارتكبتها طائرات الاحتلال في أواخر أيام حربها على غزة بحق عائلة موسى في حي الصبرة وسط المدينة، وحولت أفراد العائلة بين شهيد وجريح؛ فإن هذه العائلة لا تزال تعيش صدمة هذه المجزرة ولسان حالها لماذا؟ وهو السؤال الذي لم يجدوا له إجابة بعد.

 

لم يكن يوم الرابع عشر من كانون ثاني (يناير) الماضي يوماً عادية في حياة هذه العائلة التي تقطن حي الصبرة، فقد كان من أجمل أيامها على الرغم من كل مصاعب الحرب حتى مساء ذلك اليوم قبل أن ترتكب طائرات الاحتلال بحقهم مجزرة مروعة، وتقتل الأب والأم وأربعة من أبناءهم، وتجرح بقية أفراد هذه العائلة.

 

فقد استشهد في هذه الغارة التي استهدفت بيت هذه العائلة، الأب عز الدين وحيد موسى (53 عاماً) المكنى "أبو وحيد"، وزوجته سميرة (50 عاما) "أم وحيد" وأولادهم وحيد (29 عاماً)، وأحمد (28 عاما)، ومحمد (24 عاما)، وأصغرهم نور التي تبلغ من العمر (15 عاما).

 

فيما أصيب في القصف أبناءهم محمود (23 عاما)، وصابرين (18 عاما)، وفتحية (17 عاما) وحنين (16 عاما). كما أصيبت هبة (25 عاما) وهي زوجة الابن البكر لعز الدين "وحيد" وطفليها عز الدين الذي يبلغ من العمر أربع سنوات، وزين ابن الأربعة شهور.

 

سيظل هذا التاريخ (14/1) محفوراً في ذاكرة هذه العائلة المسالمة التي كانت مساء ذلك اليوم وعند حوالي الساعة التاسعة مساءا تجلس في بيتها وتتسامر، ويستمع أفرادها إلى آخر أخبار الحرب التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة في ليلة سمر من أروع الليالي في بيتهم الصغير المتواضع الذي يقع وسط حي شعبي وتحيط به عدة بنايات عالية ويكاد لا يروى في خارطة هذا الحي الصغير نظرا لان الدخول إليه يتم عبر شارع صغير متفرع من الشارع العام.

 

يروي محمود الابن الوحيد من الذكور، الذي نجا من القتل بعد إصابته، تفاصيل تلك الليلة المروعة بالقول: "كان والدي ووالدتي وعدد من أشقائي يجلسون في وسط البيت ويقلبون بين مؤشرات الإذاعات لمعرفة آخر أخبار الحرب إلا أن خبراً مميزا كان الجميع يتابعه وهو الحريق الهائل الذي نشب في مصنع للمواد الكيمائية في مدينة أسدود الإسرائيلية شمال قطاع غزة بعد تعرضها لصواريخ غراد التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية".

 

وأضاف محمود وهو على فراش المرض لـ "قدس برس": "كانت تلك الليلة من أجمل الليالي التي كنا نعيشها على الرغم من انقطاع التيار الكهربائي إلا أن حالة السعادة التي كانت بها العائلة غير طبيعية وكنا نتساءل ماذا ممكن أن تفعل إسرائيل انتقاماً لإحراق هذا المصنع الكيماوي في أسدود وكانت الإجابة من الجميع ماذا يمكنها أن تفعل أكثر مما فعلته منذ بداية الحرب".

 

وتابع محمود: "بينما كنت بعيداً عن المكان الذي كان يجلس فيه أبي وأمي وأشقائي إذا بصوت انفجار كبير هز المكان ورأيت وهج من النيران وشعرت باني أصبت بكل أنحاء جسمي ولم أفيق إلا بعد عدة أيام وأنا في المستشفى، حيث كنت أظن أنني أنا الوحيد الذي كنت قد أصبت دون أن اعرف أنني الناجي الوحيد الذي تواجد في المكان، وان أبي وأمي وأربعة من أشقائي استشهدوا وتحولوا إلى أشلاء بفعل هذا الصاروخ".

 

نُقل محمود إلى مستشفى الشفاء بغزة ومن ثم تم نقله إلى إحدى المستشفيات المصرية لخطورة حالته دون أن يعرف مصير عائلته وذلك بعد أن أصيب بجراح خطيرة في قدمه ويده اليمنى وشظايا في كافة أنحاء الجسم، حيث تم إبلاغه بعد عدة أيام بالأمر.

 

من شدة تواضع بيت "أبو وحيد" كان يعتبره أنه أكثر المناطق أمناً في قطاع غزة فهو يقع في داخل احد الأزقة الصغيرة في حي الصبرة وتحيط به أربع بنايات شاهقة مما دعاه ليطلب من نجله البكر المتزوج "وحيد" أن يأتي ليقطن معهم هو وزوجته وطفليه بشكل مؤقت نظراً لان منزله يقع قرب احد المساجد التي كانت مهددة بالقصف وهذا ما كان يفعله وحيد دون أن يعرف أن القدر يسوقه ليترقي شهيدا برفقة والده وأشقاءه ووالدته.

 

أما "أم وحيد" فكانت تلك الليلة من أجمل الليالي لها مع نجلها وحيد وذلك حسب محمود والذي يتابع ويقول: "إن وحيد قد حصل خلاف بينه وبين إحدى شقيقاته كان يصر في تلك الليلة أن يرجع إلى منزله على الرغم من انه بالقرب من مسجد مهدد بالقصف وكان يقول أن قدر الله نافذ سواء في بيتي المهدد أو بيتكم الآمن دون أن يعرف انه لا يوجد مكان امن في غزة".

 

ويضف: "هذا الأمر جعل والدتي تغضب من وحيد وتقول له إن لم تأتي لتبيت هذه الليلة عندنا في البيت سأكون غاضبة عليك فما كان منه إلا أن سمع كلام والدته، وقدم للمبيت في البيت، وكانت والدتي آنذاك سعيدة جيدا بان يكون ابنها عندها في البيت الذي اعتقدت انه آمن ليرتقي معهم شهيداً".

 

قاطع هاني (45 عاما) وهو شقيق "أبو وحيد" الحديث ليقول: "انه كان قبل قصف المنزل بنصف ساعة عند "أبو وحيد" في المنزل يتسامرون وغادره بعد ذلك إلى منزله الذي يبعد عنه مائة متر فقط بعدما تنالوا الشاي ليذهب لبيته إلى جانب زوجته وأطفاله".

 

وأكد هاني لوكالة "قدس برس" أن تلك الليلة كانت من أسعد الليالي بالنسبة لشقيقه الأكبر وكانت كأنها ليلة وداع دون أن يعرفوا سبب تلك السعادة التي تخوفوا منها قبل أن يأتيهم الضيف الثقيل الذي انطلق من طائرة استطلاع ليفتك بكل من كان في البيت بعد مغادرته.

 

وأضاف: "إن هذا الصاروخ كان بإمكانه أن يقتل كل من كان في البيت الثلاثة عشرة إلا انه قتل من سقط عليهم حيث انه تبين بعد ذلك وحسب خبراء الهندسة في الشرطة الفلسطينية انه صاروخ مضاد للأفراد".

 

وأوضح أن وسط البيت المحاط بالغرف كان مغطى بقطع من البلاستك السميك "شادر نايلون" وكذلك وضعه فوق أحد أسوار هذا المنزل حتى يكون ساترا عن النساء في حال تحركوا  في ذلك البيت نظرا لان كافة البنيات حوله عالية.

 

وقال: "فقط هناك مساحة صغيرة جدا لم تغطى وتركت كي تدخل منها الشمس للبيت وهي المساحة التي دخل منها الصاروخ ليسقط وسط من كان يجلس وسطه وهو ما يؤكد دقة هذا الصاروخ الذي يسقط على منطقة منخفضة بين عمارات عالية وسط حي شعبي مكتظ بالسكان".

 

وأضاف: "إن الذين أصيبوا من بنات أبو وحيد وكنته وطفليها كانوا في داخل غرفهم ولم يكونوا في وسط البيت ووصلتهم شظايا وهن البنات صابرين وفتحية وجنين ومعهم زوجة وحيد هبة وطفليها عز الدين وزين، حيث أنهم لم يخرجوا من الغرفة بعد سقوط الصاروخ ظنا منهم أن القصف ليس في منزلهم إلا أنهم بعد قدوم سيارات الإسعاف خرجوا لفجعوا بما رؤوا من أشلاء تفحمت واختلط بعضها ببعض، ودماء".

 

وأشار إلى انه سمع من إحدى الإذاعات المحلية أن الصاروخ سقط على منزل شقيقه القريب منه وخرج مسرعاً إلى هناك فوجد سيارات الإسعاف قد نقلت كل من في البيت حيث قال له الجيران أن كل من في البيت قتل دون أن يعرف شيء فهرع إلى المستشفى جريا على الأقدام قاطعا مسافة أربع كيلومتر نظرا لعدم وجود سيارات في الشوارع.

 

وأوضح انه وصل إلى المستشفى فوجد شقيقه وزوجته وأربعة من أبناءه قد استشهدوا وتحولوا إلى أشلاء متفحمة فتعرفوا عليهم بصعوبة كبيرة، مشيراً إلى أنه وأثناء التعرف عليهم ومن شدة الدخان الذي كان ينبعث من أجسادهم كان يشعر بحرارة في وجهه وجفاف في شفتيه، منوها إلى أن يد احد الكراسي التصقت بيد ابن أخيه الشهيد محمد ولم يتمكنوا من نزعها من شدة الانصهار التي أحدثها ذلك الصاروخ في جسده.

 

وبعد انتهاء فصل المجزرة والمستشفى لدى هاني بدا يتحدث عن فصول أخرى وهي عملية الدفن والمصاعب التي واجهتهم نظرا للخطورة التي كانت حاضرة في الحرب لتحرك السيارات وقصف كل شيء يتحرك.

 

وقال: "بصعوبة كبيرة أحضرنا إحدى سيارات النقل الكبيرة وقمنا في صباح اليوم الثاني بنقل جثامين الشهداء الستة فيها ورفضنا أن يقوم احد بإلقاء نظرة الوداع عليهم نظرا لحالة أجسادهم المتفحمة".

 

وأضاف: "عندما أردنا أن نصلي عليهم اضطررنا أن نصلي عليهم وسط الشارع العام "الثلاثيني" لان جميع المساجد كانت مهددة بالقصف فصلينا عليهم في الشارع ونقلناهم إلى "مقبرة فراس" القديمة التي كانت قد أغلقت منذ أكثر من عشرين عاما وذلك لأنها اقرب مقبرة ولان مقبرة الشهداء شرق مدينة غزة تتواجد فيها قوات الاحتلال".

 

وتابع: "لا يوجد قبور في هذه المقبرة القديمة فاضطررنا أن نفتح قبل جدي ونضع فيه "أبو وحيد" ونجله وحيد، وقبر جدتي ونضع فيه "أم وحيد" وابنتها نور، وقبر احد الجيران حيث وضعنا فيه احمد ومحمد، وعدنا لنفتح بيت عزاء متواضع نظرا لان قوات الاحتلال كانت تستهدف كل تجمع".

 

وعن ذكريات زياد (42 عاما) الشقيق الآخر لـ "أبو وحيد" فقال إن الشارع الآن يفتقد هذا الرجل "أبو وحيد" من شدة ما كانت علاقته مميزة مع كل جيرانه، مشيرا إلى انه كان محبوبا من كل أبناء حارته وكان يساعدهم في كل شيء ويقف معهم".

 

وأضاف زياد لوكالة "قدس برس": "في تلك الليلة كان ابن أخي محمد عندي في بيتي القرب من بيت والده وتناولنا معا طعام العشاء وهو عبارة عن فول مدمس وخلال تناول الطعام كان على الطعام بصل والذي يُفضل أكله مع الفول فقلنا لمحمد لماذا لا تأكل بصل مع الفول فقال لي مازحا في حد بياكل بصل في الليل بلاش الواحد وهو نازل من عندك وقاطع الشارع يصيبه صاروخ فهل يعقل أن أقابل الله وفمي رائحتها بصل، ولم يدري انه قابل الله ورائحة فمه طيبة لا بل ورائحته كلها كريح المسك"، حسب قوله.

 

وتساء زياد وكذلك هاني والمصاب محمود عن سبب قصف منزل "أبو وحيد" وهو لم يكن مهدد وليس له أي ابن يعمل في صفوف المقاومة وليس له جيران مهددون وطائرات الاحتلال التي تصور كل صغيرة وكبيرة على الأرض تعرف بان هذا البيت لمواطنين عادين وليس لمقاومين وان تلك المنطقة ونظرا لأنها مكتظة بالسكان لم تنطلق منها أي رصاص وليس صاروخ وهي المبررات التي كانت تسوقها الدولة العبرية في قصفها هكذا بيوت.

 

وأضاف زياد وهو يخرج من كيس كان بحوزته شظايا الصاروخ الذي دمر بيت شقيقه وفيه لوحات الكترونية: "يفترض أن هكذا صواريخ هي صواريخ ذكية جدا تنطلق صوب أهداف بعينها فهذا البيت مدني وصاحبته رجل ليس له علاقة بالمقاومة لا من قريب ولا من بعيد وكان يحصل على تصريح لدخول الأراضي المحتلة التي عمل بها 35 عاما وتصريحه ساري المفعول حتى قبل استشهاده أي انه نظيف امنيا لدى الإسرائيليين على الرغم من ذلك قصف منزله".

 

وكرر سؤاله "أريد أن اعرف من هذه الدولة التي تقول عن نفسها متحضرة لماذا استهدفتم بيت شقيقي أريد جواب واحد مقنع وبالدلائل أم انه كان محاولة لزيادة أعداد الشهداء ولإرهاب الناس قبل انتهاء حربكم على غزة وبعد حصولهم بالفشل".

 

وأضاف إنهم سيرفعون دعوة ضد الدولة العبرية عن طريق إحدى المؤسسات الحقوقية لمقاضاتها حول قصف منزل شقيقه، مؤكدا أنهم سيكسبون هذه الدعوة وسيلاحقون من نفذ هذه الجريمة، حسب قوله.

 

عائلة "أبو وحيد" موسى هي واحدة من العائلات الفلسطينية التي استهدفت بشكل مباشر وقتل معظم أفرادها في عمليات القتل الجماعي للفلسطينيين خلال الحرب على قطاع غزة لتنضم إلى عائلات: السموني، والداية، وبعلوشة، وعزام، وريان والكحلوت، والبطران، وأبو العيش والنجار، وعبد ربه، والعر، والسندي، وغيرها من العائلات التي أبيدت بالكامل أو بشكل جزئي.