"التسحيج" أسلوبٌ دخيلٌ على المجتمع الفلسطيني

الساعة 02:42 م|06 يوليو 2021

فلسطين اليوم | أ.محمد حميد

يشهد المجتمع الفلسطيني تزايد أسلوبٍ غريبٍ في تعامل المواطنين الفلسطينيين مع الجهات المختلفة والمتمثل في التسحيج الموجه إلى ذوي النفوذ، عبر إظهار توصيف مبالغٍ به وتوجيه التأييد دوماً لهؤلاء المتنفذين في المواقع المختلفة طمعاً فيما عندهم، ورغم تفرد الفلسطينيين على مدار الزمن بقدرتهم على الإشادة في مواضع الإشادة، وتوجيه الانتقاد في مواطن الخطأ والزلل بشكلٍ مجرد دون إلقاء بالٍ لأي بعدٍ سواء سياسيٍ كان أم مناطقيٍ، حيث تشير الإحصائيات إلى ارتفاع نسبة المتعلمين في أواسطه لنسبةٍ تقارب 99% بما يعزز القدرة على النقد العلمي والموضوعي، إلا أن أسلوب المداهنة بدأ يجتاح بعض قطاعاتٍ من هذا الشعب المرابط.

لا ريب أن كثيراً من العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الاستثنائية المتداخلة التي يقاسيها الشعب الفلسطيني تلعب دوراً جوهرياً في نمو هذا الأسلوب الملازم لمجتمعات الدكتاتورية والظلام، بحيث أن هذه العوامل تمكننا من رد التسحيج إلى أنواعٍ مختلفة، اعتماداً على المسبب فيها، وأول هذه الأنواع التسحيج ذو الهدف الاقتصادي، فلا شك أن هاجس الفقر الناجم عن حصارٍ امتدّ لسنواتٍ والذي بدأ يتوغل في أذهان فئاتٍ كثيرة من المجتمع يُلْجئ البعض إلى الإسراف في توجيه الثناء والإطراء تسحيجاً لمسؤولٍ متنفذ وأملاً في الحصول على مساعدة نقدية أو عينية تعينه على مكابدة ضيق الحال، وفي بعض الأحيان يتطور مأرب التسحيج ويتخذ منحىً جدياً وأكثر تطرفاً أملاً في الحصول على وظيفة دائمة هنا أو هناك أو الترقية في وظيفته عبر كيل الثناء والتغني بأمجاد أصحاب النفوذ في هذه المؤسسات القادرين على اتخاذ قرار التعيين أو الترقية، أو ذكر مآثر الجهة الحركية أو العشائرية التي يمثلها صاحب النفوذ، وبكل أسفٍ يصل في بعض المراحل إلى الهاوية عبر التقارير الكيدية والكاذبة بحق زملاء العمل بما يترتب عليه ظلم الكثيرين من الكفاءات وأصحاب القدرات العلمية.

وفي بعض الأحيان يلعب العامل السياسي دوراً في نشوء التسحيج خاصةً في ظل استمرار حالة التناحر الحزبي، فالتعصب الفصائلي يحمل صاحبه إلى الزيغ عن الحق، وممارسة التسحيج للجهة السياسية التي ينتمي إليها، فيرى حزبه المفضل على الحق تحت أي معايير وفي أي ظرفٍ ظالمةً كانت أو مظلومة رغبةً منه  في التأكيد على صدق انتسابه إلى ذلك الحزب، وربما يختزن هذا التعصب الظاهري سعياً منه لتثبيت وتحسين أوضاعه من حيث راتبه أو موقعه الوظيفي أو الإداري داخل الإطار الحزبي، دون أن يضع في اعتباره إحقاق الحق خاصةً في أجواء غياب النظام والقانون وتمكن سمة القيادة الفردية في المؤسسات وتغييب اللوائح الناظمة لحقوق الأشخاص وما من شأنه أن يحمي حقوق البسطاء والفقراء  والمعوزين.

ولا ريب أن تماسك أفراد شعبنا العائلي واعتزازهم بأنسابهم وعشائرهم ميزة فريدة في عصر العَدْوِ نحو الحداثة والمدنية، إلا أن العشائرية تنقلب –في بعض الأحيان-وبالاً على صاحبها، وتدفعه إلى ممارسة التسحيج بدوافع العاطفة نحو العشيرة في بضع أحيان، وبدوافع أخرى خفية في أحيانٍ أخرى، فيصبح الحق في خلجاته تائهاً، ويضحى تعصبه العشائري خياراً مفضلاً له، ويباهي بذلك ظناً منه أن ذلك مظهرٌ من مظاهر الفخر، دون أن يعي أن ذلك موطنٌ من مواطن الضلال.

إن استمرار هذه العوامل سالفة الذكر وغيرها من الممكن أن تمكّن هذه الطريقة في المجتمع، فحالة الاقتصاد المتردية والاستقطاب الحزبي والعشائري نذيرٌ لتحول هذه الطريقة إلى ظاهرة، بما يفتح على المجتمع الفلسطيني تحولاً إلى حالة الأسياد والعبيد، خاصة في ظل الانهيار المتزايد للطبقة الوسطى في المجتمع التي تعتبر رافعة الأهداف الكبرى وما يستتبعه ذلك من فشلٍ محتمل لعملية التحرير الكبرى ومواجهة الاحتلال الصهيوني.

إن أفضل الطرق في مواجهة هذا الأسلوب المتزايد داخل المجتمع متمثلٌ بإعمال القوانين الناظمة لحقوق المواطنين داخل المجتمع أو المؤسسة والعمل على تطويرها، فاحترام القانون وحده سيشكل حمايةً للضعفاء من أي كيدٍ يخشونه، وسيادته هي التي ستضمن للجميع أن الكفاءة وحدها طريق الترقي في المناصب لا التسحيج، وهو كذلك الداعم لأي مظاهر من مظاهر القبلية والعشائرية، وهو الكفيل لتعزيز ثقافة الانتماء للوطن وحماية حقوق الأفراد بشكلٍ مجرد دون النظر إلى أعراقهم أو انتماءاتهم السياسية.

ختاماً، فإن دعوتنا لمحاصرة أسلوب التسحيج لا يعني على الإطلاق الإساءة لأصحاب النفوذ وتوجيه ألفاظ بذيئة أو نابية أو حتى تغليظ القول لهم ولا التجرد من الانتماء الحزبي أو التحلل من الأنساب، بل هي دعوةٌ دائمة مستمرة لتقديم النصح والإرشاد بالطريقة اللائقة لأصحاب النفوذ وأصحاب القرار، وهي بهذا المعنى واجبٌ شرعي ووطني لأن كثيراً من أصحاب النفوذ يملك الاستعداد الدائم لسماع وجهة النظر الأخرى التي تعيينهم على اتخاذ القرار السليم، في حين أن قلةً منهم يجد ضالته في التملق الدائم والمستمر ولا يقبل أي انتقادٍ أو أي آراءٍ أخرى لا تستهويه.

كلمات دلالية