صحيفة أمريكية: أحلام عائلة أبو العوف دفنتها غارة "إسرائيلية" بغزة

الساعة 10:50 ص|19 يونيو 2021

فلسطين اليوم

"عندما كانت الغارات الجوية الإسرائيلية تضرب مدينة غزة لليلة السادسة على التوالي، صعد الدكتور أيمن أبو العوف درج المبنى الذي بنته عائلته قبل أربعة عقود، وكان أكثر هدوء مما كان يبدو عليه طوال اليوم. كان مبنى أبو العوف، الواقع في منطقة تسوق ثرية بشارع الوحدة، آخر مكان يعتقد أن الاحتلال سيضربه.

عاد إلى شقته في الطابق الثالث الساعة الثانية عشرة ونصف بعد منتصف الليل، بعد عمل 16 ساعة في إدارة فريق مكافحة فيروس كورونا في أكبر مستشفى في غزة. كان بإمكانه سماع القنابل، ولكن بشكل أساسي من التلفزيون في غرفة معيشته. كان حيه الراقي يعتبر آمنا لدرجة أنه في الحروب كان الأقارب من أماكن أخرى في غزة يقضون فترة القصف في شقته.

في الغرفة المجاورة، كان ابنه توفيق، طالب في الثانوية، يدرس لامتحان العلوم، في أحد الطوابق أدناه، كان والد الدكتور أبو العوف، وهو عالم يُدعى توفيق، يُعد طعاما لوجبة متأخرة. في الطابق العلوي، وكانت شيماء، ابنة ابن عمه، طالبة طب الأسنان، تراسل خطيبها رسائل نصية.

بعد دقائق، كان جميعهم قد استشهدوا. فحوالي الساعة الواحدة صباح يوم الأحد، 16 أيار/ مايو، قتلت غارة جوية "إسرائيلية" 21 شخصا من أصل 38 شخصا كانوا في المبنى تلك الليلة. واستشهدت المواطنة الثانية والعشرون متأثرة بجراحها بعد حوالي ثلاثة أسابيع.

وبرزت الغارة الجوية على شارع الوحدة في تلك الليلة بسبب حصيلة الشهداء المروعة من المدنيين وتدمير عائلات بأكملها تقريبا. كان ذلك الهجوم، الذي دمر أيضا مبنى سكنيا آخر في الشارع، أكثر الأحداث دموية في الحرب التي استمرت 11 يوما بين "إسرائيل" والمقاومة، حيث أسفر عن استشهاد ما مجموعه 44 شخصا.

تم اختبار وقف إطلاق النار الهش هذا الأسبوع بعد أن أرسل مسلحون بالونات حارقة إلى مستوطنات إسرائيلية، وردت "إسرائيل" بضربات جوية.

لكن الغارة على شارع الوحدة تظل رمزا للجدل حول ما إذا كان بإمكان "إسرائيل"، تجنب قتل المدنيين عندما استهدفت ما قالت إنها أهداف عسكرية. وإلى أي مدى تتحمل المقاومة المسؤولية.

ما لا جدال فيه هو أن مجموعة عائلات معظمها من أعلى الطبقة الوسطى كانت تسكن مبنى أبو العوف المكون من خمسة طوابق قد تم تدميرها في لحظة. كان المبنى يضم عائلات طبيب وعالم ونادل وصاحب متجر وطبيب نفساني. وبالنسبة للعائلة التي امتلكته - عائلة أبو العوف - فقد جسد 40 عاما من الآمال والتطلعات.

قال رياض إشكونتانا، وهو نادل يبلغ من العمر 42 عاما وفقد زوجته وأربعة من أطفالهما الخمسة: "لا يزال في المكان الكثير من الذكريات.. لكن القصف الإسرائيلي دفنها".

بدأ النزاع قبل أيام قليلة، بعد الساعة السادسة مساء بقليل، في 10 أيار/ مايو، عندما أطلقت المقاومة ستة صواريخ باتجاه القدس ردًا على جرائم "اسرائيل" في القدس.

وزعم المتحدث العسكري "الإسرائيلي" جوناثان كونريكوس، إن عدة طائرات أطلقت 11 صاروخا على امتداد 200 ياردة من شارع الوحدة، "بهدف تدمير نفق ومركز قيادة، تحتها"، على حد مزاعم الاحتلال.

كانت عائلة أبو العوف، صاحبة المبنى، تعيش في غزة قبل وصول آلاف اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة الفلسطينية عام 1948، ما منحهم مكانة اجتماعية مرموقة. وأبو العوف، 50 سنة، يدير قسم الأمراض الباطنية في مستشفى الشفاء.

قال أقاربه إن والده توفيق أبو العوف (80 عاما) كان على مدى عقود كيميائيا كبيرا في شركة نفط إماراتية. كانت ابنة عم الطبيب، رجا، التي كانت تعيش مع أطفالها الأربعة في شقة بالطابق الثالث، طبيبة نفسية.

قال محمد الشنتي، 29 سنة، ويدير مخبزا في الجهة المقابلة: "إنه عنوان معروف.. عندما تتصل بسيارة أجرة، يمكنك أن تقول 'انتظر سيارة الأجرة بالقرب من مبنى أبو العوف '".

مثل العديد من سكان غزة، فإن غالبية سكان المبنى لم يغادروا القطاع قط. وأدى الحصار الإسرائيلي ، الذي تم فرضه على القطاع عام 2007، إلى تقييد سكان غزة إلى حد كبير في واحدة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية. وساهم كذلك في حدوث نقص حاد في الوقود والكهرباء: حتى إن مبنى أبو العوف كان يحصل على الكهرباء لمدة ثماني ساعات فقط في اليوم.

ومع ذلك، كان لدى سكانها أحلام. وقال شقيقه إن توفيق، نجل الطبيب، كان يأمل في دراسة الكيمياء في الكلية. وكانت ابنة عمه الثانية، شيماء، ستزف إلى عريسها بعد شهرين فقط.

رياض إشكونتانا، الذي كان يعيش في الطابق الرابع، هو من ذرية اللاجئين الذين فروا إلى غزة في عام 1948. ويقول إن هذه هي المرة الثانية التي تفقد فيها أسرته منزلها خلال ثلاثة أجيال.

عبير عبد العال، 38 عاما، ابنة عم الدكتور أبو العوف، تعيش في شقة قريبة جدا من مبنى أقاربها المدمر لدرجة أنها كانت تمرر الطعام لهم عبر زقاق ضيق. لكن الدكتور أبو العوف توفي الآن. واختفى مبنى أبو العوف. ومعها، أربعة عقود من تاريخ العائلة. وتقول عبير: "يبدو الأمر كأنه كانت هناك شجرة وتم قطعها".

 

كلمات دلالية