والدة الأسير أحمد أبو عواد … تفقد ذاكرتها وتُحرم من رؤيته وزيارته بعدما أقعدها المرض

الساعة 03:17 م|18 يونيو 2021

فلسطين اليوم

تكثر الصور والمحطات المؤلمة والقاسية في حياة عائلة أبو عواد من مدينة جنين، بين فترة مطاردة ابنها أحمد قاسم جميل أبو عواد واستهداف الاحتلال له حتى آخر لحظة من ملاحقته، وبين رحلة معاناته في أقبية التحقيق وظروف السجون الرهيبة التي لم تنل من معنوياتها أو إرادته وصموده، رغم معاناته من المرض المزمن وإهمال علاجه. لكن الأصعب من ذلك كله، كما تروي شقيقته أسماء “الحالة الصحية لوالدتنا السبعينية أم جميل خاصة بعد اصابتها بمرض “الزهايمر”.

فبعد 16 عاماً من صبرها ووقوفها على بوابات السجون، أصبحت محرومة من رؤيته وزيارته بعدما أقعدها المرض. الأصعب والأقسى لنا ولشقيقي الذي يرتبط بعلاقة وطيدة مع والدتنا، فقدانها الذاكرة حتى أصبحت قلما تتذكره، وهي التي كانت تنتظر لحظة زيارته وحريته، ولا يغيب اسمه وذكره عن لسانها لحظة. في كل زيارة قبل المرض، كانت والدتي ترفع معنوياته وتشد أزره وتشحنه بالعزيمة والأمل، فيعتبر يوم زيارتها عيدا وبشرى لقرب عناقها والعودة لأحضانها، لكنه حالياً يفتقدها وتملأ حياته مشاعر الحزن لعجزه عن رعايتها والوقوف معها وخوفه على حياتها، فالشوق والحنين للوالدة تنغص عليه حياته”.

الوجع الحقيقي ..

مع دخول أحمد عامه التاسع عشر خلف القضبان، فقد مرت عليه ثلاث سنوات، لم تزره والدته بسبب المرض، وتقول الشقيقة أسماء “وجع وعذاب أحمد الحقيقي ليس السجن أو الحكم، وانما هواجس القلق والخوف على الوالدة التي كانت لا تنام قبل موعد الزيارة بأيام، فتستعد وتتجهز كانها وقفة العيد. تحملت كل مشاق السفر واجراءات وقيود الاحتلال القاسية والصعبة حتى تتكحل عينيها برؤيته التي تشحنها بالقوة والامل، فقد شكل أحمد كل شيء جميل في حياة والدتي التي لم تفرح في كل المناسبات بسبب غيابه. لم تتأخر عن زيارته حتى عند المرض أو في الشتاء والبرد وحر الصيف. تتحدى السجن والسجان حتى تراه أمامها فتتغير حالتها وتشعر بالقوة، لكننا نبكي ونحزن اليوم لحالتها الصعبة ونتضرع لرب العالمين ليمد بعمرها حتى يعود أحمد الينا .. فلعل حريته تكون العلاج والمنقذ لوالدتنا”.

من حياته ..

 

ولد أحمد في مدينة جنين قبل 36 عاماً، نشأ وعاش وتعلم في مدارس المدينة التي أحبها، حتى حقق النجاح في الثانوية العامة، انتسب للجامعة العربية الامريكية تخصص تكنولوجيا معلومات. وقبل أن ينهي العام الثاني، قطع الاحتلال طريقه وحرمه من مواصلة احلامه بالمطاردة، وتقول “لدوره ونشاطه الفاعل في انتفاضة الاقصى، أدرج اسمه ضمن قائمة المطلوبين، تمرد ورفض تسليم نفسه، فاشتدت ملاحقة الاحتلال له وتكررت حملات الدهم والتفتيش ونصب الكمائن له”.

الاعتقال والتحقيق ..

تروي أم عبد الرحمن، أن عيون الاحتلال واصلت رصد وملاحقة شقيقها حتى تمكنت من اكتشافه واعتقاله بتاريخ 6/6/2003 ، من منزل شقيقته ايمان “ام رامي”. وتقول أسماء “لم يكن يستقر ويتنقل بشكل مستمر لتضليل الاحتلال والحفاظ على حياته. ومساء ذلك اليوم تسلل تحت جنح الظلام لمنزل شقيقتنا للاطمئنان على العائلة، لكن عيون الاحتلال التي ترصده كشفت مكانه. عندما حوصرت المنطقة، رفض أحمد ورفاقه تسليم انفسهم للوحدات الاسرائيلية الخاصة التي اشتبكوا معها طوال الليل، حتى هددوهم عبر مكبرات الصوت بتسليم انفسهم أو قصف وهدم منزل شقيقته الذي يقع ضمن عمارة تضم عددة شقق سكنية. حتى لا يرتكب الاحتلال مجزرة بحق المواطنين في منازلهم ولمنع قصف العمارة، لم يكن أمام احمد سوى تسليم نفسه حتى لا يصاب أحد باذى، فاعتقلوه واقتادوه على الفور لأقبية التحقيق في سجن الجلمة”.

الحكم والمرض ..

انقطعت أخبار أحمد على مدار 6 شهور، قضاها تحت التعذيب والضغوط في زنازين الجلمة، وتقول “انقطعت اخباره في ظل حجب الاحتلال أي أخبار عن مصيره حتى نقل الى سجن جلبوع. وشاهدناه خلال جلسات المحكمة العسكرية في سالم التي قضت بسجنه 23 عاماً بتهمة المقاومة. لعقابه، عمل الاحتلال نقله بين سجون عديدة تدهورت خلالها حالته الصحية بسبب معاناته من مرض “التفول”، ورفض الاحتلال علاجه مما سبب له آثارا انعكست على حياته، خاصة في ظل ظروف السجون الصعبة، فأصيب بمرض النقرص وضعف في النظر، وطوال سنوات اعتقاله رفض الاحتلال تزويده بالادوية المناسبة والطعام الملائم. تفاقمت معاناته بسبب مشاكل البصر، وبعد جهود كبيرة، تمكنا من ادخال نظارة طبية على حسابنا الخاص. ورغم مرور السنوات، ما زال أحمد من ضحايا الاهمال الطبي المتعمد من قبل مصلحة السجون الاسرائيلية”.

التحدي بالتعليم ..

رغم مرضه وظروف اعتقاله، فقد أكمل دراسته الجامعية. انتسب لجامعة القدس بإشراف الأسير الدكتور مروان البرغوثي. لكن كلما شارف على التخرج، تقوم ادارة السجون بنقله لحرمانه من الحصول على الشهادة العليا. وتقول “استخدم الاحتلال كل الطرق لمنعه من إكمال دراسته الجامعية، وكلما تقدم للوصول للتخرج، يتعمد نقله من سجن لآخر. ورغم ذلك، أصدر العديد من الأبحاث والدراسات للطلبة الأسرى كمتطلب جامعي ومساقات دراسية. ونطالب إدارة ورئيس جامعة القدس الدكتور عماد ابو كشك باعتماد ابحاثة ودراساته للسماح له بالتخرج. حالياً، يقوم أحمد بتدريس الأسرى لمادة اللغة العبرية التي يتقنها ويجيدها بطلاقة كبيرة، وقد خرج مئات الطلبة الأسرى بشهادات معتمدة من هيئة الاسرى ونادي الأسير، كما قام بترجمة كتاب عن صفقة شاليط، يتمنى ان يرى النور قريباً”.

ومنذ 7 شهور، لم تتمكن أم عبد الرحمن من زيارة شقيقها القابع في سجن النقب الصحراوي، وتقول “بسبب مرض الوالدة الذي اقعدها عن زيارته، واظبت على متابعته والتنقل بين السجون للاطمئنان على اوضاعه. الحمد لله، يتمتع بصحة ممتازة ومعنويات عالية، لكنه حزين بشكل دائم لقلقه على والدتنا. وحلمه الوحيد الحرية ليعود لأحضانها ويرعاها ويبقى لجانبها دوماً.”

"القدس"

كلمات دلالية