خبر القدس والثقافة العربية ..محمد السعيد ادريس

الساعة 07:46 ص|26 مارس 2009

تزامناً مع انطلاق احتفالية “القدس عاصمة للثقافة العربية 2009” نشرت صحيفة “هآرتس” الصهيونية تقريراً أعده قائد عسكري “إسرائيلي” قال فيه ان حاخامين في الجيش “الإسرائيلي” أبلغا القوات المقاتلة في العدوان الأخير على قطاع غزة (حرب ال 22 يوماً) أنهم “يخوضون حرباً دينية ضد غير اليهود”. وأكد أن الرسالة كانت واضحة للغاية وهي: “نحن الشعب اليهودي جئنا إلى هذه الأرض بمعجزة، وأعادنا الله إلى هذه الأرض، ونحتاج الآن لأن نقاتل حتى نطرد الأغيار الذين يتدخلون في فتحنا لهذه الأرض المقدسة”.

وقبل أيام قليلة من موعد هذه الاحتفالية التي انطلقت مقيدة ومحاصرة من جانب قوات الاحتلال الصهيونية يوم 21 مارس/ آذار الجاري كانت صحيفة “الجارديان” البريطانية نشرت ما اعتبرته “وثيقة سرية” أو “تقريراً سرياً” قالت إنه قدم للاتحاد الأوروبي حول الممارسات “الإسرائيلية” في القدس الشرقية المحتلة  ومخاطر هذه الممارسات. وتحت عنوان “الاتحاد الأوروبي: “إسرائيل” تضم القدس الشرقية”، كشفت الصحيفة نقلاً عن ذلك التقرير أن الحكومة “الإسرائيلية” تستخدم وسائل غير مشروعة كتوسيع المستوطنات وهدم المنازل، وسياسات الإسكان التمييزية والجدار العازل في الضفة الغربية كأدوات في سعيها الحثيث “لتنفيذ خطة الضم غير القانوني للقدس الشرقية”. وأكدت الصحيفة وفقاً للتقرير أن هذه الممارسات تخلق حقائق تعزز الوجود اليهودي في القدس الشرقية وتضعف وجود السكان الفلسطينيين في المدينة وتعيق التنمية الفلسطينية فيها وتفصلها عن بقية أراضي الضفة الغربية. كما أكدت الصحيفة ان الاستيطان في شرقي المدينة يتم بتسارع كبير، وأنه منذ بدء محادثات أنابوليس في نوفمبر/ تشرين الثاني ،2007 التي كانت قد أعطت أولوية قصوى من جانب العرب لوقف كل عمليات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، تم تقديم طلبات نحو 55 ألف وحدة سكنية في مستوطنات جديدة تم الترخيص لثلاثين ألفاً منها حتى الآن، وأن هناك نحو 470 ألف مستوطن في المناطق المحتلة بمن فيهم 190 ألفاً في القدس الشرقية.

إذا أضفنا إلى هذا كله عمليات الحفر والتنقيب أسفل الحرم القدسي الشريف التي تقوم بها مؤسسات حكومية “إسرائيلية” بهدف البحث عن الهيكل المزعوم تمهيداً لهدم الحرم القدسي فإن ما جاء على لسان ناتشي أيال رئيس ما يسمى ب”المنتدى القانوني لأرض “إسرائيل”” بأن احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية هي “محاولة لبسط السيادة الفلسطينية على القدس بشكل غير قانوني” يؤكد ذلك الواقع المؤلم الذي من شأنه أن يجعل من تلك الاحتفالية “ملهاة هزلية” وهو واقع تعامل “الإسرائيليين” مع الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة على أنهم “غرباء”.

لقد أصبح الفلسطينيون غرباء في وطنهم في ظل برنامج “إسرائيلي” مدروس للاستيطان والتهويد، وخضعت مدينة القدس لخطة منهجية للتهويد منذ عام 1973 أيام رئيسة الحكومة جولدا مائير عندما أوصت لجنة وزارية بألا يتجاوز عدد السكان العرب 22 في المائة من مجموع السكان آنذاك، وسارعت الحكومات المتعاقبة لسحب هويات العرب واستقدمت عشرات الآلاف من المستوطنين، كما استولت على مئات الدونمات من الأراضي العربية حول القدس. وفي التسعينات وسعت المدينة فضمت عدداً من المستوطنات المجاورة باتت يهودية صرفة مثل جبل أبوغنيم وغيرها، وبعدها جاء الجدار العازل ليفاقم خطر التهويد.

لم تحدث أي من هذه الممارسات خفية عن النظام الرسمي العربي أو عن الحكومات العربية، ورغم ذلك كانت هذه الحكومات هي من سعى إلى عقد اتفاقيات سلام مع الكيان وهي من هرول إلى التطبيع وإلى المشاركة في مؤتمرات معه برعاية أمريكية. إما إرضاء للأمريكيين وحرصاً على كسب ودهم وإما سعياً للتخلص من عبء القضية الفلسطينية التي بدت عائقاً أمام قيام علاقات طبيعية مع الكيان ترضي الحليف الأمريكي.

بعض الحكومات العربية هي من دعا ورعى ما يسمى ب”ثقافة السلام” على حساب ثقافة المقاومة من أجل تحرير الأرض المحتلة واستعادة الحقوق المغتصبة، وهي التي تحتفل بالقدس عاصمة للثقافة العربية، ولا ندري أي ثقافة تلك التي يجب أن تكون القدس عاصمة لها، هل هي ثقافة السلام أم الاستسلام أم ثقافة المقاومة؟

الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية يجب أن يبدأ بتحرير الثقافة العربية من كل ما لحق بها جراء سياسات التفريط بالحقوق، والتوجه لاستعادة روح المقاومة وطرح برنامج قومي للتحرير عندها نمتلك ثقافة تليق بكرامة القدس.