معركة سيف القدس وتآكل قوة الردع الإسرائيلية..

الساعة 07:57 م|07 يونيو 2021

فلسطين اليوم | د.عبد الجواد العطار

تنظر "إسرائيل" إلى الردع كأحد أدوات جيشها في مواجهة الخطر المحيط بها، ومحاولةً لرفع المعنوية القتالية للجيش الإسرائيلي ولذلك تقوم بعمليات عسكرية هدفها القتل، وهذا متأصل في الفكر الصهيوني، حيث يعد الإرهاب والقتل أحد ركائز الفكر الصهيوني، حيث أشاد زعماء الحركة الصهيونية بفكرة الإرهاب وطالبوا بممارسته من أجل تحقيق المشروع الصهيوني، فهرتزل دعا إلى استخدام السلاح، وممارسة العنف الجماعي من أجل إقامة "دولة يهودية"، وحاييم وايزمان رأى ضرورة اللجوء إلى العنف والإرهاب كقوة لها فوائدها في تحقيق الوطن القومي "اليهودي"، وشدد بن غوريون على ضرورة بناء "القوة اليهودية"؛ لأنها العامل الذي سوف يقرر مصير اليهود، وتحديد نتيجة الصراع في فلسطين.

فغولدا ﻤﺎﺌﻴﺭ ﺒﻌﺩ ﺼﺩﻭﺭ ﻗﺭﺍﺭ التقسيم  عام 1947م ﺴﺎﻓﺭﺕ ﺇلى الولايات المتحدﺓ الأمريكية ﻭﺫلك ﺒﻐﺭﺽ ﺠﻤﻊ ﺍﻷﻤﻭﺍل ﻹﻨﺸﺎء ﺠﻴﺵ لليهوﺩ ﻓﻲ ﺍلمنطقة، ﻭﻗﺩ ﺍﺴﺘﻁﺎﻋﺕ ﺠﻤﻊ ﻤﺒﻠﻎ 50 ﻤﻠﻴﻭﻥ ﺩﻭﻻﺭ ﻤﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻭﻫﻭ ﺒﺎلطبع ﻤﺒﻠﻎ ﻴﻔﻭﻕ ثلاثة ﺃﻀﻌﺎﻑ ﺠﻤﻴﻊ مدخولات ﺍلبترول للمملكة العربية السعودية لسنة 1947م، ﻭﻗﺩ ﺭﺼﺩﺕ ﻫﺫﻩ ﺍﻷﻤﻭﺍل ﺍلتي ﺠﻤﻌﺘﻬﺎ لشراء ﺍلسلاح؛ وتحقيق التفوق العسكري، وبالتالي تحقيق قوة الردع في المنطقة .

أخذ مفهوم الأمن لدى "إسرائيل" تفسيرات متعددة عبر حقب زمنية متعاقبة, وذلك حسب تطور الأوضاع في المنطقة ووضع "إسرائيل" ذاتها, فعند قيامها كان مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي يهدف الى تثبيت وجودها في المنطقة, وفي مرحلة لاحقة تضمن مفهومها الأمني اعتماد إستراتيجية الردع والحفاظ على التفوق العسكري, إضافةً للارتكاز على مبدأ الحرب الوقائية والهجوم المسبق، ورغم حالة الثبات النسبي التي تميز بها الردع الإسرائيلي في ضوء التطورات الإقليمية والدولية, إلا أن القدرة على الحفاظ على مصداقيته وهيبته أصبحت أكثر صعوبة, مثله في ذلك مثل مرتكزات أمنية أخرى تراجعت المقدرة على تطبيقها, كنقل الحرب لأرض العدو والعمق الاستراتيجي وقدرة القوات الإسرائيلية على تحقيق الحسم في معاركها. فهناك علاقة ترابط وتكامل بين عناصر المرتكزات الأمنية الإسرائيلية, ففي حين يضعف أحدهما يأتي الآخر ليعززه, فالردع حينما يكون ضعيفاً تأتي الحرب الإستباقية لتعزيزه وحين تنجح الثانية في تحقيق أهدافها فهي تعمل على تعزيز قوة الردع, "فإسرائيل" تستخدم الحرب لتحقيق الردع ولا تستخدم الردع لمنع الحرب بل لتأجيلها لفترة محدودة فقط, وأيضاً تستخدم الحروب لتحقيق أهداف سياسية.

وكان تهجير الفلسطينيين من أرضهم جزءاً من إستراتيجية المنظمات الصهيونية، التي اتفقت أهدافها على طرد السكان الأصليين من أجل بناء دولة لليهود، وقد اتبعت أبشع الأساليب الإرهابية لدفع السكان لترك أراضيهم، وقامت بارتكاب العديد من المجازر بهدف بث الرعب في قلوبهم، مما دفعهم إلى الفرار والنجاة بأرواحهم، واقترف الصهاينة عشرات المجازر لكي يتحقق لهم الاستيلاء على فلسطين، راح ضحيتها عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وكان من أشهرها مذبحة دير ياسين في 1948/4/9م التي اعترف الصهاينة أنفسهم بقتلهم وذبحهم  254رجلاً وامرأةً وطفلاً، وعبر الإرهابي ميناحيم بيجين عن تأثير مذبحة دير ياسين بقوله: "أن قوة هذه المجزرة قدمت "لإسرائيل" من النفع ما يعادل فائدة ست فرق عسكرية فقد أصبحت القرى العربية خالية من البشر من الخوف والرعب دون قتال"

كما وكان الاستيطان من أهم الوسائل لتعزيز قوة الردع الصهيونية والحفاظ على أمنهم، قال زئيف جابوتنسكي: "الصهيونية تعني الاستيطان، وهي تحيا وتموت مع القوة المسلحة للاستيلاء على الأرض"، بهذه العبارة اختزل جابوتنسكي، أحد أبرز قادة الحركة الصهيونية في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، واحداً من أبرز معالم أيديولوجيا الحركة الصهيونية، بل يعد ركيزتها الأساسية، ومحرك ممارساتها، القائم على الاستيطان والاستيلاء على الأرض، كونه مشروع حياة لهذه الأيديولوجيا يتغذى على الخرافة التوراتية والقوة المسلحة، ولذا أدرك القادة الصهاينة أهمية جعل الاستيطان وسيلة لحفظ أمنهم، يقول بن غوريون: "علينا أن نتخذ من العمليات العسكرية أساساً للاستيطان وواقعاً يجبر الجميع على الرضوخ له والانحناء أمامه"، بينما اعتبر موشي ديان في عام 1956م "أن جيله هو من المستوطنين لن يستطيع أن يزرع شجرة أو أن يبني بدون الخوذة الفولاذية"

إن نظرية الردع الإسرائيلية تعتمد دائماً وأبدأ على الافتراض بأن نصراً إسرائيلياً جلياً في كل مجابهة عسكرية مع العرب, يؤدي ليس فقط لإنهاء الحرب, بل يساهم أيضا في إقناع العرب بعقم الخيار العسكري, فقد فضلت "إسرائيل" ممارسة سياسة الردع تجاه الدول العربية والفصائل الفلسطينية كبديل عن سياسة الحرب بمفهومها الشامل, لذلك استخدمت نوعين من الردع وهما الردع العام والردع الخاص المحدود, فقد ركز الردع العام الإسرائيلي على مفهوم إظهار ملكية "إسرائيل" للقوة الفائقة وظلت "إسرائيل" تردد القول "أن بإمكان العرب اختيار وقت الحرب بينما نحن الذين نقرر مجالها ونطاقها", وقد أريد بذلك توصيل رسالة إلي الدول العربية بأن لا تبادر الى الحرب لأن "إسرائيل" ستلحق بهم هزيمة يفوق ثمن الذهاب الى الحرب ثمن أية فوائد قد تجنيها من ورائها.

وأثبتت الحروب الأخيرة التي خاضتها "إسرائيل في كل من لبنان وغزة, أن ثمة تراجع ملحوظ في قدرة الجيش الإسرائيلي على حسم المعركة وفق الأسلوب القديم القاضي بتدمير قوات الخصم واحتلال أرضه، وقد تبنت "إسرائيل" في الألفية الجديدة عقيدة عسكرية جديدة مستوحاة من العقيدة الأمريكية في حربها على العراق عام 2003م, وهي تعتمد على الصدمة والرعب وترتكز على الحسم والردع, باستخدام قوة نيرانية هائلة بكافة الأسلحة مرة واحدة وبشكل مفاجئ مع سرعة حسم المعركة بقوة, ومن دون النظر للرأي العام العالمي, لأن كل شيء مباح بالحرب أسوة بالحليف الاستراتيجي الأمريكي وما فعله بالعراق, ومظاهر حروب القرن الحادي والعشرين بالعالم, وهذه كانت سمات الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في تموز 2006

كلمات دلالية