قراءة في معادلات رسختها المقاومة

الساعة 01:21 م|25 مايو 2021

فلسطين اليوم | خالد صادق

عندما تضرب الصواريخ في السياسة فهي تقلب المعادلات, وترسي قواعد جديدة على الارض, وتنقل المواجهة من حالة الى حالة جديدة, فمن اهم المعادلات التي رسختها المقاومة اثناء العدوان على غزة, ان زدتم زدنا, وان عدتم عدنا, وهى معادلة التزمت بها فصائل المقاومة الفلسطينية تماما, واوصلتها كرسالة واضحة للاحتلال, ويبدو ان هذه المعادلة ارستها غرفة العمليات المشتركة منذ بداية العدوان الصهيوني على غزة, فأول صواريخ للمقاومة الفلسطينية اطلقت باتجاه القدس لمواجهة مسيرة حاشدة للمستوطنين كانت تتجه نحو المسجد الاقصى ختمتها المقاومة بعبارة وان عدتم عدنا, وعلى ما يبدو ان الاحتلال لم يكن قد استوعب الضربة الصاروخية الاولى ولم يقرأ الرسالة جيدا, فبادر للرد بقصف عنيف على غزة, لكن السرايا ردت بقوة بعملية الكورنيت التي استهدفت من خلالها جيبا عسكريا صهيونيا في منطقة الغلاف الحدودي ودمرته بالكامل ووثقت العملية بالصورة, وارست بقية المعادلة "وان زدتم زدنا" وعلى ما يبدو ان الاحتلال لم يكن مصدقا ما يحدث من هول المفاجأة, واعتقد ان المقاومة تناور فقط, وانها لن تتجرأ على مواجهة عسكرية جديدة مع الاحتلال, فرد الاحتلال بقصف ابراج سكنية وبيوت الفلسطينيين, فسقط الضحايا تباعا, وظن الاحتلال انه اذا استأنف المعركة من حيث انتهت عام 2014م بقصف الابراج واستهداف المنازل فانه سيجبر المقاومة على الاستسلام.

 

وهنا رسخت المقاومة معادلتها فكان قصف البرج يساوي قصف تل ابيب, واستهداف البنايات فيها وادخال اكثر من خمسة ملايين اسرائيلي في الملاجئ, وقال أبو عبيدة ،الناطق باسم "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس" إن "قصف تل أبيب وديمونا وما قبلها وما بعدها أسهل علينا من شربة الماء", وبالفعل استباحت صواريخ المقاومة تل ابيب وما قبلها وما بعدها, وايقن الاحتلال ان قصف الابراج بات يساوي قصف تل ابيب وكان هذا الامر يمثل رادعا له, فبعد ان اتصل على ابراج سكنية لإخلائها امتنع عن قصفها خوفا من رد المقاومة على جريمته بقصف تل ابيب, ثم انطلقت صواريخ المقاومة تجاه عسقلان واسدود وريشون ليتسيون وبئر السبع وغيرها, وكلما شدد الاحتلال من ضرباته على غزة واستهدف المقاومين, رسخت المقاومة معادلتها وان زدتم زدنا, فبات القصف العنيف للأحياء السكنية في قطاع غزة بالطائرات الحربية المقاتلة يعني ادخال مدن جديدة تحت القصف بصواريخ المقاومة وزيادة قوة الصاروخ التدميرية, فوصلت الصواريخ الى ايلات واربكت قوة انفجار صواريخ المقاومة الاحتلال الصهيوني, وتحدث الخبراء العسكريين عن صواريخ موجهه, وتعمل بنظام التفجير المتشظي, بمعني ان الصاروخ الفلسطيني محلي الصنع ينفجر مرتين, مرة عن سقوطه ومرة اخري بعد سقوطه, مما يفاقم من حجم التدمير داخل المباني التي يسقط فوقها.

 

ولا يمكن ان نغفل ما رسخته المقاومة من وقائع جديدة باتت تمثل للاحتلال كابوسا مزعجا ينسف كل ما اسس اليه نتنياهو من حسم لموضوع القدس وال48, واستطاعت المقاومة توحيد الوطن جغرافيا وسياسيا وبات الميدان مشتعلا في كل الاراضي الفلسطينية وفي مناطق الشتات حيث اتسعت دائرة الانتقاد لنتنياهو ولسياسة الحكومة الصهيونية, وباتت مشاهد القصف للأحياء السكنية والابراج والمؤسسات المدنية والصحية يثير احرار العالم ويمثل ضغط كبير على الادارة الامريكية والمجتمع الدولي الذي بات يشكل ضغطا على "اسرائيل" لوقف عمليتها العسكرية في قطاع غزة, ورغم امهال نتنياهو اكثر من مرة لوقف عدوانه على غزة, الا انه كان يخفق امام المقاومة الفلسطينية ولم يستطع الوصول لصورة النصر التي كان يبحث عنها, وكان من الممكن ان تحدث ازمة بين الادارة الامريكية ممثلة في رئيسها جو بايدن و"اسرائيل" ممثلة في نتنياهو بسبب تعنته في موقفه من وقف العدوان, فبايدن كان يعاني من انتشار تظاهرات واسعة لدية في عدة ولايات امريكية, وكذلك بعض الدول الاوروبية, وكانت التظاهرات تتسع وتكبر, فاصبح بايدن في وضع يتطلب منه الضغط بقوة من اجل انقاذ "اسرائيل" من ورطتها, وتحول خطاب الاتحاد الاوروبي الذي يصنف حركة حماس على انها منظمة "ارهابية" بضرورة فتح قنوات اتصال غير مباشرة مع حركة حماس, وانه لا يمكن تجاوزها مطلقا.

 

 العالم تحكمه شريعة الغاب وهو لا يحترم الضعفاء ودائما ما ينحاز الى الاقوياء لان هذا هو المنطق الذي يحكم العالم "البقاء للأقوى" لذلك عندما شعر العالم بقوة المقاومة بدأ يفتح خطوط معها, حتى وان كانت غير مباشرة حتى الان, علينا ان نؤمن تماما بأن الحقوق لا تمنح, انما تنتزع انتزاعا.