لا وقت للتأجيل!

الساعة 10:23 ص|03 مايو 2021

فلسطين اليوم | توفيق السيد سليم

كما كان متوقعاً، قرّر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، تأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي كان من المزمع إجراؤها في الثاني والعشرين من مايو الجاري، متذرّعاً بموقف كيان الاحتلال "الإسرائيلي" الرافض إجراء الانتخابات في مدينة القدس المحتلة، بزعم عدم وجود حكومة "إسرائيلية" تقرر!.

وبغض النظر عن موقفنا من قضية إجراء الانتخابات عموماً تحت حراب الاحتلال، وبغض النظر أيضاً عن مبررات التأجيل، التي لم تنطلي على معظم شرائح شعبنا، والتي حاول "عباس" تسويقها في خطابه بمقر المقاطعة برام الله بحضور ممثلي فصائل منظمة التحرير، وغياب ممثلي حركتي "حماس"، والجهاد الإسلامي رغم اختلاف مبررات الغياب للأخيرتين!، إلاً أن الثابت في هذه المرحلة هو أننا مقبلون على "ارتدادات عكسية" في المشهد الداخلي الفلسطيني قد تعيدنا إلى ما قبل الخامس عشر من يناير 2021، وهو اليوم الذي أصدر فيه "عباس" مرسوما رئاسيا يقضي بإجراء الانتخابات الفلسطينية على ثلاثة مراحل، أولها التشريعية في 21/ مايو، تليها الرئاسية في 31 يوليو، والمجلس الوطني في 31 أغسطس، وجميعها من العام الجاري.

تلك الارتدادات المتوقعة والتي بدت أولى ملامحها في الاعتداء الآثم على منزل المرشح نزار بنات من قبل الأجهزة الأمنية في الخليل، قد تعيد تفجير المشهد الفلسطيني الداخلي، وتذهب بنا بعيداً إلى حيث عودة التراشقات الإعلامية، والملاحقات الأمنية، والسجالات التي لا طائل منها، سوى مزيد من بث حالة اليأس والإحباط في أوساط جماهير شعبنا، ومزيد من الوقت المفتوح للاحتلال؛ ليمارس ساديته قتلاً واعتقالاً وقمعاً لأبناء شعبنا، واستيلاءً ونهباً ومصادرة لما تبقى من أراضي امبراطورية الدولة الموعودة على حدود الـ67، وعاصمتها المقدّسة التي تُنتقص من أطرافها وتُهوّد على مدار الساعة!.

وعليه، فإن المتابع للمشهد الفلسطيني، يدرك بما لا يدع مجالاً للشك، أننا ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من خراب ودمار طال مشروعنا الوطني ونضالنا الممتد والمعمّد بدماء قوافل الشهداء، إلا بجريرة ارتهاننا لما يسمى عملية التسوية والانخراط في إفرازاتها المحكومة قولاً واحداً باتفاقية "أوسلو"، ما جعلنا ندور في ذات الدائرة المفرغة التي تبعدنا شيئاً فشيئاً عن فلسطين، عبر أُلهيات لا تنتهي، آخرها ألهية الانتخابات التي باتت تشكل صاعقاً للتفجير الداخلي، ما لم يتم تدارك الأمر بحكمة ومسؤولية وطنية عالية، فيما الاحتلال، العدو التاريخي والحضاري والقومي والإنساني للأمة، قد بات شريكاً وحليفاً للبعض المغرر به، يتسلل بدهاء إلى نسيج المنطقة ليعيث فيها الفساد.

ما سبق يجب ألا يدعوننا لليأس أو القنوط، وإنما إلى مزيد من الهمّة والدافعية للبحث عن مخرج يليق بتضحيات شعبنا، وتطلعات أمتنا، وأحرار العالم الذين يرقبوننا ونحن نتمترس في الخندق الأمامي لمواجهة مشروع الهيمنة والاستعمار الغربي ورأس حربته في المنطقة الكيان الصهيوني، وعليه،  فإننا مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى، وقبل كل شيء بالعمل على التالي:

أولاً: إعادة الصراع مع العدو الصهيوني إلى سيرته الأولى، والتعامل معه كأنه قادم إلى بلادنا للتوّ واللحظة، وذلك من خلال تفعيل نقاط الاشتباك الفعّال معه، لإرباكه وإشغاله، وتشتيت مخططاته العدوانية والتوسعية تجاه شعبنا والمنطقة، وهذا لا يتم إلا من خلال توافق كل القوى الحية في مجتمعنا على برنامج وطني ثوري، وخطة نضالية لمواجهة الاحتلال، وإشعال النار في أرجاء كيانه على غرار عملية حاجز زعترة بالأمس، والمواجهات في باحات الأقصى وأزقة وحواري القدس مؤخراً. 

ثانيا: استشعار الحقيقة الثابتة التي تقول إننا في مرحلة تحرر وطني، ولسنا في مرحلة بناء مؤسسات دولة، والعمل بمقتضاها!، فلا معنى لأي صراع على سلطة أو حكومة محكومة بسقف الاحتلال، مهما حاول البعض إيهامنا بغير ذلك نزولاً عند رغباته ونزواته السلطوية.

ثالثاً: العمل على بناء مرجعية وطنية على أسس سليمة، يصبح معها القرار السياسي عند منظمة التحرير (بعد إعادة إصلاحها وإعادتها إلى سيرتها الأولى من عمر الصراع) وانتخاب مجلس وطني جديد، قادر على تصويب البوصلة من جديد، لتحشيد الأمة وأحرار العالم باتجاه فلسطين.

رابعاً: تجاوز الأزمة الناجمة عن تأجيل أو إلغاء الانتخابات، من خلال إعادة التعامل معها (الانتخابات)، باعتبار أنها ليست الخيار الأصوب لتحقيق وحدة وطنية لطي مخلفات سنوات عجاف من عمر الانقسام، وأنها كانت ولا زالت تمثل صاعق التفجير الذي يهدد استقرار الحالة الداخلية.

خامساً: الإسراع في اتخاذ خطوات عملية تقود إلى الخروج من هذا المأزق الذي وصلنا إليه، فلسنا في ترف من الوقت، والأمر بحاجة فقط إلى قرار!.