خبر مقابل شاليت ..خيري منصور

الساعة 03:17 م|22 مارس 2009

صحيفة الخليج الإماراتية

 

شاليت مقابل شاليت هي المعادلة الموازية لما سماه جدعون ليفي في مقالته الساخرة "السلام مقابل السلام"، ولم يبق أمامه وهو يستعرض مظاهر الاحتجاج واليافطات والصور وعويل زوجات الوزراء إلا أن يقول بأن الأشجار تحف باسم شاليت والمطر يردد اسمه والشمس والقمر يتناوبان على رسم ملامحه في الأفق.

 

ينتهي الكاتب إلى القول إن كل ما يقال عن الأسير شاليت في الدولة العبرية هو مجرد صرعة تسويقية وخدعة وصرخة إعلامية جرى توظيفها لغير صالح شاليت، فالأجدر بهذا الصراخ كما قال هو آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يوضعون الآن في ألف زنزانة على الأقل مقابل أسير يهودي واحد، وهذه ليست المرة الأولى التي يشهد بها شاهد من أهله، فقد سبق لجدعون ليفي أن افتضح مشروع الدول الست بدلاً من الدولتين على أرض فلسطين بحيث يكون للمستوطنات دولتها ولغزة دولتها وللضفة الغربية دولها الثلاث إضافة إلى دولة المليون فلسطيني في المناطق المحتلة عام 1948.

 

إنه يحذر من تحويل قضية شاليت إلى قضية "آراد" التي شكلت "فوبيا" من طراز غير مسبوق في الذاكرة اليهودية، ومثلما حمل عقد كامل من تاريخ الجمهورية الفرنسية اسم درايفوس فإن المقصود الآن هو أن يحمل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين اسم شاليت فقط!

 

وغالباً ما توظف الدوائر الصهيونية قضايا وظواهر من طراز شاليت لأسباب لا صلة لها بمن تعلق صوره على الجدران أو توضع في مكاتب رؤساء الوزارات لأسباب انتخابية خالصة.

 

ولو كانت حكومة أولمرت التي تعد الحقائب للرحيل حريصة على استعادة الأسير شاليت لقررت على الفور إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين. لكن مفهوم الأسر في معجم هؤلاء له دلالات أخرى شأن كل المفاهيم التي أعيد إنتاجها في مختبرات الاحتلال والثكنات.

 

وهذا ما يقوله على نحو مباشر يوري أفنيري الذي طالما سخر من ديمقراطية الدبابات والعدالة العرجاء وتقسيم الأسرى إلى مستويات منها ما يتم تسعيره سياسياً بالعملة المحلية ومنها ما يُسعّر بالعملات الصعبة.

 

لقد سئم العالم من هذه الألعاب ومن تحويل مصائر الأفراد سواء كانوا عسكريين أم مدنيين إلى مشاجب، ولم يعد العالم مهيأ لتهويد التاريخ، وصَهْينة القيم، بحيث يصبح أفراد من طراز درايفوس أو آراد أو شاليت اسماء حركية لمراحل تاريخية.

 

إن شاليت كما يقول العديد من المعلقين اليهود الذين يحلقون خارج السرب يعاني من أسر مزدوج، وقد يكون أسره صهيونياً أقسى من أسره لدى الفلسطينيين وتحديداً لدى حركة حماس، وقد ساعدت عدة عوامل على افتضاح هذا النمط من الشطرنج السياسي الذي يتبادل فيه الجنود الصغار الأدوار مع الملوك ما يسعى إليه المتنافسون على تقديم وصفات نموذجية لإدامة الاحتلال وتوسيع الاستيطان من برامج تكتيكية، فلا نظن أن شاليت عزيز على الدولة العبرية إلى هذا الحد الذي يفرض على من يوقفون سياراتهم في الأمكنة العامة دفع ثمن بطاقات تحمل اسم شاليت.

 

لقد استعار سياسي عربي مستقيل ذات يوم عبارة "تمت اللعبة" من مسرحية تنتمي إلى ما يسمى مسرح اللامعقول، لكن اللعبة لا تزال في بدايتها لدى من يستعيرون أسماء مضادة من عالم الخرافات، والفلسفة التي راهنت منذ المستوطنة الأولى على تحويل التاريخ إلى أسطورة، هي ذاتها التي حولت أسيراً واحداً إلى شبح، أو إلى مسمار جحا في ألف زنزانة وزنزانة.