خبر شاليط والرعب من الفشل ..توفيق محمد

الساعة 07:42 ص|22 مارس 2009

 

منذ ألف يوم إلى الآن لا تعتبر هذه المرة أنها هي الأولى التي تصل بها صفقة شاليط إلى خط النهاية ثم تعود أدراجها كأن لم تحصل أي مفاوضات في الملف ، ويعاد وضعه على الرف مجددا ، ولم تكن الشروط التي وضعها آسرو شاليط منذ ألف يوم إلى الآن إلا تلك الشروط التي وضعوها يوم أسروه ، هي هي لم تتغير ، وبقي العدد الذي طلب الآسرون تحريره من الأسرى والمعتقلين لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي هو هو نفس العدد ، وبقيت الأسماء هي هي نفس الأسماء ، وعلى الأقل هكذا قال أيضا المصريون الوسيط بين آسري الجندي وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي ، وبقي التردد الإسرائيلي هو التردد الإسرائيلي ، لم يتغير لم يتبدل ، ولم يرتق متخذو القرار في الجانب الإسرائيلي الى وضعية القيادة التي يمكنها أن تقف أمام شعبها لتتحمل مسؤولية قرار تشتاق أن تقدم عليه ، ولكنها لا تجرؤ أن تتخذه ، كما حصل يوم 19 – 5 - 1985 يوم وقف رئيس حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي آنذاك شمعون بيرس معلنا عن صفقة تبادل الأسرى مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة والتي تم بموجبها إطلاق سراح 1150 أسيرا فلسطينيا من السجون الإسرائيلية مقابل تحرير 3 جنود كانت تختطفهم الجبهة ، تلك الصفقة التي عرفت بصفقة احمد جبريل .

 

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو هل القيادة الإسرائيلية التي تقف اليوم على قمة الهرم الإسرائيلي اقصر قامة من تلك القيادة التي كان يمكنها أن تتخذ القرارات ؟ أم أن الأوضاع التي تحياها المنطقة هي ليست تلك الأوضاع التي كانت تحياها المنطقة آنذاك ؟ .

 

في اعتقادي الافتراضان صحيحان فالقيادة الإسرائيلية التي كانت تمسك بزمام الأمور في العام 1985 كانت من جيل ما يعرف إسرائيليا بجيل المؤسسين وكانت تضم بيرس رابين شارون شامير فايتسمان بار ليف ، نافون ، وهم لا شك ليسوا من الزعماء الحاليين لدولة الاحتلال  المشهورين بالرشى على اختلاف أنواعها ( المالية ، الجنسية ، العقارية ) وهي زعامات لا تعمر في الساحة السياسية أكثر من عقد من الزمن حتى تزكم رائحة عفن الرشى أنوف شعبها ، فتحث الخطى نحو الاختفاء السريع عن الأنظار بأكثر ما يمكن من الأوراق المالية والامتيازات الوزارية ، ولذلك فهي غير مؤهلة للإقدام على قرارات مصيرية ، وغالبا ما ترحل الملفات المعقدة التي لا تحظى بإجماع شعبي لخلفها عساه يجرؤ على ما لم يجرؤ عليه هو أو سلفه ، ويعود ليتهم الأطراف المفاوضة بالمسؤولية عن الفشل ، وبالمناسبة فإن رئيس الحكومة المنصرف اولمرط لم يتوان حتى على مستوى المفاوضات السياسية عن اتهام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالمسؤولية عن الفشل بالتوصل إلى تسوية سياسية في عهده ، رغم إصرار الأخير على محاولة إلزام محاوريه من أبناء شعبه في حوار القاهرة على الاعتراف المجاني بإسرائيل ، في الوقت الذي يُعتَبَرُ تدمير هؤلاء من مبادئ الحكومة القادمة التي وقع البنود الأساسية لها حزبا الليكود و" يسرائيل بيتينو " .

 

على كل حال وعود على بدء فإن الأوضاع التي تحياها المنطقة هي ليست نفس الأوضاع التي عاشتها في الفترة السابقة ، فحكومة إسرائيل على ما يبدو ما تزال غير مدركة أنها تحيا بعد حربين فاشلتين لإعادة جنود مختطفين ولتدمير الكيانات المختطف إليها جنودهم ، وفي كلتا الحربين رغم أنها زرعت الكثير من الموت والدمار والدماء وهو أمر طبيعي في ظل التفوق العسكري جوا وبحرا وبرا الذي تتمتع به إسرائيل ، لكنها مع ذلك ذاقت ضربات مؤلمة خلال الحربين ( تموز 2006 جنوب لبنان وكانون ثان – أول 2008 – 2009 غزة جنوب فلسطين ) وفشلت فشلا ذريعا في تحقيق أهدافها ، حيث لم يطلق سراح جثث جنودها من جنوب لبنان إلا عبر صفقة تبادل أسرى ، وأما جنديها المختطف في غزة ورغم الحرب الأعنف التي شهدها قطاع غزة ما يزال ينتظر صفقة تبادل الأسرى التي من شأنها أن تعيده إلى أهله ، وأما الحرب على قطاع غزة مع أنها زرعت الكثير من الموت والدمار والخراب ، ولكنها زرعت إرادات جديدة وقوّت الإرادات الغزيّة ومتّنتها أكثر من ذي قبل وجعلتها أكثر إصرارا على الحياة الكريمة وجعلتها أقوى شكيمة واصلب عودا ، هذه المعادلة الجديدة ربما ما تزال حكومة اولمرط المنصرفة وربما اولمرط نفسه غير مدركين لحقيقتها ، وغير مدركين انه لا يمكن قهرها عبر لعبة طي الأيدي التي تحاول حكومة إسرائيل انتهاجها مع أهل غزة ، فماذا يمكن أن تفعل بعد كل الذي فعلته ، والذي بدأ باعتقال كل من يمكن اعتقاله من القيادة السياسية الفلسطينية حتى وصل الأمر إلى اعتقال الشرعية الفلسطينية ممثلة برئيسها د. عزيز دويك وسائر منتخبي الشعب الفلسطيني ، ثم فرض الحصار الأعمى والظالم على أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة ، ثم تلك الحرب المسعورة والفاشلة ، والنتيجة إسرائيليا لا شيء سوى الفشل في تحقيق أهداف كل تلك الحملات ، بل إن المقاومة الفلسطينية وبعد كل تلك الحملات والحروب أصبحت تحظى بشرعية دولية لم تكن تحظى بها سابقا وأصبحت هي صاحبة الكلمة المسموعة ، وان لم يكن كل ذلك مسموعا بصوت عال لكنها هي لسان الواقع .

 

وبعد فإن السؤال الذي يسأل هو هل ما تزال دولة الاحتلال الإسرائيلي تعتقد أنها صاحبة القول الفصل ، وان الذي تقرره هي هو الذي يجب على الجميع أن يسمعه وينفذه ؟ أليست تدرك أن دواليب المنطقة قد تقدمت إلى الأمام خطوات  ، ولا يمكن لآلات الحرب مهما وضعت من مسامير وشظايا أمامها أن توقفها أو تلغي مسيرها ؟ أليست ترى أن المعادلات في المنطقة هي ليست نفس المعادلات التي حكمتها في العقد السابق ؟ وعليه يجب أن تناسب سياستها للواقع الجديد ، وإلا فإن الدواليب تسير الإمام ، واعتقد انه لم يعد بالإمكان أن تسير هذه الدواليب إلى الخلف .

 

إن الذين كانت بالأمس تفاوضهم وتماطلهم ثم تتهمهم بالفشل بعد كل جولة من جولاتها ، لتبتز منهم مزيد تنازلات ومواقف ما عادوا هم أصحاب الكلمة الوحيدون ، وان اللاعبين في الملعب السياسي هم ليسوا نفس اللاعبين وقوانين اللعبة أيضا هي ليست نفس القوانين التي لعبت وفقها كل الحكومات السابقة ، حتى أرضية الملعب هي ليست نفس الأرضية.

 

هذه حقيقة يجب استيعابها جيدا حتى لا تدخل حكومة إسرائيل القادمة نفسها والمنطقة ضمن دائرة جديدة من الدماء ، الجميع في غنى عنها ، وليست حماقات اولمرط وحكومته عبر حربين لم تجنيا سوى مزيد من الدماء عن الحكومة القادمة ببعيدة.

 

وبدلا من الدخول بمفاوضات جدية والإقدام على تنفيذ الصفقة والتحلي بشجاعة المسؤولية بدل الهروب إلى سراديب التاريخ فإن حكومة اولمرط المنصرفة تحاول الضغط مجددا على خاطفي الجندي شاليط عبر تعيين لجنة وزارية لفحص تقليص الحقوق والامتيازات المستحقة للأسرى والسجناء في سجونها ، وعبر الإقدام على حملة اعتقالات جديدة في صفوف القياديين من حركة حماس وفي صفوف أعضاء المجلس التشريعي والوزراء السابقين في الضفة الغربية ، وإذا كانت حكومة اولمرط تعتقد أنها بهذه الخطوات المتمثلة بتقليص المواد الغذائية الداخلة لقطاع غزة أو منع التلفزيون والأموال – الكنتينة – عن الأسرى في سجونها ، وتقليص زياراتهم ، وتقليص إمكانيات دراستهم ، إذا كانت تعتقد انه يمكنها أن تحقق ما لم تتمكن من تحقيقه خلال حربها المجرمة على غزة أو خلال حصارها للقطاع سياسيا وماليا وغذائيا وطبيا ، فإنها جد مخطئة ، فحل القضية بتبادل الأسرى هو التوجه الصحيح عبر إطلاق سراح الأسرى فهم أيضا لهم أهل وأبناء وأزواج وأمهات وآباء ، وشاليط الذي اسر على بوابات غزة اسر وهو في طريقه لقتل أو حصار أهلهم.

 

وقد آن لحكومة إسرائيل أن تعي أن هذه طبيعة الاحتلال ، وهذه طبيعة كل الشعوب التي تسعى للانعتاق من الاحتلال ، لا يمكن أبدا تغييرها فإما أن ينصرف وإما أن يُقاوَم ، وبين الخيارين ليست هناك خيارات أمام الشعوب المستعمرة.

 

 

* رئيس تحرير صحيفة صوت الحق والحرية