خبر غزة.. هدية الأم في عيدها تحت ركام العدوان الاسرائيلي!

الساعة 03:17 م|21 مارس 2009

فلسطين اليوم: غزة

" فداء كانت تصر في يوم الأم على أن تصنع قالبا من الحلوى لتحتفل بي.. وإبراهيم كان يدخر مصروفه ليأتيني بهدية ووردة حمراء، وراكان الصغير كان يقطف لي براعم الليمون ويهديني إياها ضاحكا، ولكن الآن لا أشعر بكلمة.. من كنت أخاف عليهم.. وأقلق لغيابهم... ذهبوا... من كنت أحيا لأجلهم رحلوا"..

بهذه الكلمات الممزوجة بالدموع والآلام تحكي أم إبراهيم العر كيف حولت آلة الحرب الإسرائيلية في عدوانها الأخير على غزة  "يوم الأم" التي تنتظره مختلف الأسر تقديرا لعطاء الأم إلى مناسبة لتجديد الجروح والآلام.

 

في غزة لا ورود ولا ابتسامات تُهدى للأم في عيدها فلا شيء يُغريها بمصافحة ربيعها الآتي بعد شتاء ساخن وحار أحرق كل التفاصيل الجميلة.

وفي وقت سينشغل صغار العالم وكباره بـ"كيف يحتفلون بأمهم؟؟" وأي الهدايا والمفاجآت يُقدمون لها ستكون ساعات هذا اليوم ثقيلة باردة على عدد من أمهات وأبناء مدينة غزة الخارجة لتوها من حرب إسرائيلية بشعة حصدت أرواح المئات من الأمهات وأجلست الآلاف على سرير المرض والإعاقة.

 

وربما لن تلتفت أم انهمكت في ترقيع خيمة تؤويها هي وأطفالها إلى وردة حمراء تهمس باسمها ولن يكون بإمكان أخرى تصنع الخبز لصغارها على فرن الطين أن تنصت لبرامج الفضائيات وهي وتُهديها عذب الألحان.

 

"أم ابراهيم العر" سيكبر اليوم بداخلها الحزن وسيفيض بحر دموعها ولن تسكت تنهيدات الجسد المثقل بألم السؤال: "أي أم أنا؟؟".

 

أم إبراهيم لن تستقبل هذا اليوم ورودا حمراء وبيضاء وتعانقها بفرح وابتسامة بل ستمشي بخطى متثاقلة يربكها الحنين... سترتمي أرضا تعانق ترابا يضم أنفاسا انتزعت من روحها... ستضع على قبر الراحلين الورود ووحده سيحكي البكاء...

 

لا شيء في ذاكرتها اليوم سوى انحناءة تعبها وهي تُلملم أشلاء أبنائها وقطرات دمهم النازف لأيام وليال خلال العدوان الإسرائيلي الأخير... تُغمض عينيها هربا من قصف وحشي دمر أحلامها واحدا بعد الآخر.

 

صاحبة العقد الرابع من عمرها بدت وكأن ثمة قرونا أضيفت إلى وجهها الصامت.. تبكي فداء 19 عاما وطفلها راكان أربع سنوات.. وإبراهيم 12 عاما.. تعترف أنها اليوم حزينة أكثر من أي يوم مضى.

 

العدوان الإسرائيلي على غزة والذي استمر "22 يوما" وخلف أكثر من 1400 شهيد وستة آلاف جريح وزرع الخراب في كل مكان، ارتسمت قسوته بكل ألوانها على  وجوه أمهات غزة اللواتي أغلقن نوافذ الفرح وبدأن في غزل حكايات الوجع.

 

"دلال أبو عيشة" صاحبة الـ"13" ربيعا والتي لم يبق لها من عائلتها سوى صور صغيرة.. وبقايا ذكريات.. والناجية الوحيدة من جريمة إسرائيلية خلفتها بلا أب ولا أم ولا أشقاء تتكور في عينها هذا اليوم دمعة كبيرة لا حدود لحجمها..

 

تُحاول أن تتغلب على حزن صوتها وأنين نبراتها وهي تروي لـ"إسلام أون لاين" عن مفاجأتها لأمها في عيدها: "كان أبي يأتي بالحلوى، أما أنا وإخوتي فنجلب الورود والهدايا فتبتسم وتضمنا.. ويمر النهار جميلا دافئا...".

 

غصة تمنع الصغيرة من الاستمرار في حديثها وهي المستيقظة على حاضر غابت فيه أزهار الدار وصوت "ماما".

 

"سميرة بعلوشة" هذا العام لن تُصافح خمس وردات يانعات من بناتها الصغار... بل ستنحي بحزن الدنيا لوضع الزهرات على قبور أطفالها... لكل صغيرة وردة ودمعة.

 

الأم التي فقدت بناتها الخمس في الحرب الأخيرة على غزة أخذت تتذكر بصوت البكاء كيف كان يمر هذا اليوم على قلبها: "جواهر (5 أعوام) ودينا (7 أعوام) وسمر (6 أعوام) وإكرام (14 عاما) وتحرير (18 عاما).. في الصباح يقبلنني وفي المساء تنهمر الهدايا.. هذا العام لا مكان للفرح والاحتفال... الاحتلال قتل بناتي ووأد كل الذكريات الجميلة..".

 

توجهت سميرة إلى قبور الصغيرات لقراءة الفاتحة، ووضعت خمس وردات على قبورهن.. وفي عينيها استفهامٌ حارق: "ما ذنب أُمهات غزة؟".

 

ويحتاج المرء إلى كاميرا من نوع خاص وهو يلتقط صورا لأمهات غزة في يومهن.. كاميرا باستطاعتها أن ترسم سخونة دمع أم فقدت جميع أبنائها وتلون مساحات فارغة خلفها رحيل أم كانت هي الدنيا والحياة لـ"صغارها".

 

"أم أحمد رضوان" وهي تستعد لإشعال النار لطهي الطعام لأبنائها أمام ركام منزلها الذي دمره الاحتلال قالت لـ"إسلام أون لاين" بصوت تدفقت معه نبرات الوجع: "ننام في خيام ممزقة, لا كهرباء ولا ماء.. حصار يخنقنا ولا ندري ما الذي تحمله لنا الأيام المقبلة.. هكذا نحتفل في يومنا".

 

لينا شعت الطالبة الجامعية قالت: إن يوم الأم يعني وردة بيضاء وهدية جميلة، لكنه في غزة وردة تبكي وهدية مؤجلة!.. وأضافت: "برغم أنه لا حزن في بيتنا فإنني رفضت أن أحضر لأمي هدية هذا العام كما أفعل دوما.. شعرت بمن فقدوا أمهاتهم.. الأمر ليس سهلا.. فالحزن هذه المرة كبير.. وكبير جداااا".