ملهاة الانتخابات.. ومأساة الشعب

الساعة 12:14 م|21 مارس 2021

فلسطين اليوم | خالد صادق

بقلم : خالد صادق

ذكرني ديوان الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش والذي يحمل اسم مأساة النرجس .. ملهاة الفضة, بالحالة التي تمر بها القضية الفلسطينية اليوم, ففي الوقت الذي يعيش فيه البعض ملهاة الانتخابات, وتتسابق تنظيمات وقوائم مستقلة للإعلان عن مشاركتها في مهزلة الانتخابات التشريعية الفلسطينية, نجد في المقابل ان الشعب الفلسطيني يعيش مأساة حقيقية, فصولها ممتدة عبر صفحات التاريخ, ومدداها دماء الشهداء والجرحى وتضحيات الاسرى الابطال في سجون الاحتلال الصهيوني, وقد وصلنا اليوم وبعد سنوات طوال من الصراع الشرس مع هذا الاحتلال واجهنا فيها النكبة والنكسة وكامب ديفيد واوسلو الى "صفقة القرن" تلك الصفقة التي تشارك اطراف عديدة طرحها نتنياهو وحكومته اليمينية بناءا على توصية الحاخامات, وتبنتها الادارة الامريكية وخصصت لها فريقا ليبشر بها, ورعتها الرسميات العربية التي باتت تشعر ان القضية الفلسطينية ليست مجرد عبء يقع على كاهلهم, انما تمثل تهديد حقيقي لملكهم وزوال لعروشهم فرعوا ما تسمى بصفقة القرن بعد ان اقنعوا نفسهم زيفا ان خالقيها سيحمون عروشهم وسلطانهم من شعوبهم قبل الاعداء الخارجيين.

قبل يومين فقط كان رصاص الاحتلال الصهيوني يزهق روح الشهيد الشيخ عاطف حنايشة صاحب ال 48 عاما مؤذن مسجد موسى بن نصير, ذاك الرجل الذي رفع اذان صلاة الجمعة وخرج من المسجد ليشارك في مسيرة شعبية ضد الاستيطان, انتخبته رصاصة صهيونية غادرة وهو يقبض على حجر ليسيء فيه وجه بني صهيون, سقط الشيخ عاطف على الارض وسالت دماؤه الطاهرة بغزارة وكأنها بركان ثائر, بينما كان القادة الفلسطينيين مجتمعون في القاهرة "يتواصوا بالحق.. ويتواصوا بالصبر" والصفقات تعرض على طاولة البحث, هناك من يطالب ويدعو لقائمة وطنية موحدة, واخر يطالب بقائمة مشتركة بين فتح وحماس يمكن ان تعطيهما من 70 الى 80% من المقاعد التشريعية وباقي المقاعد يتم توزيعها على "المكلفين" و "الاخيار" والاصوات تعلو وتخفت ولم يسمع احد انين الشيخ عاطف وهو يتلو وصيته الاخيرة بدمه الطاهر, كان الضياء يتبدد امام عيناه وروحه تعانق السماء والارض تحتضن جسده الطاهر, لكن احدا لم يره من الانس والجان, فبأي آلاء ربكما تكذبان, فيا معشر الجن والانس هل استطعتم ان تروا من مراقدكم هناك ذاك المسجى جسده في بيت دجن.

ملهاة الانتخابات واجهتها ايضا مأساة اخرى عنوانها الشيخ جراح, حيث تتربص سلطات الاحتلال الصهيوني بأهلها وتنذرهم بإخلاء بيوتهم التي يعيشون فيها منذ مئات السنين ليقوموا بتزييف التاريخ, ووضع الرتوش الاخيرة من التهويد على وجه البلدة القديمة, لقد صادروا التاريخ والتراث ويريدوا ان يصادروا العقيد والاصالة والنهج الاصيل بمساعدة ملاك النفط والدولار, واصحاب العقال المزيف والغترة الملوثة بالخيانات, هناك في البلدة القديمة تنطق الحجارة بالحقيقة, لكن المارقين يضعون ايديهم على فمها حتى لا يفهم العرب والمسلمين ما تقول, في البلدة القديمة ترسم الازقة والحارات ملامح التاريخ بصورته البهية, لكن حجم الزيف كبير والايادي العابثة ممتدة, والموت يتجرعهُۥ الفلسطيني ولا يكاد يسيغه, ويأتيه من كل باب وما هو بميت لأنه مكلف بحماية الدار, وصيانة الامانة وتلاوة العهدة العمرية على مسامع المسلمين في كل وقت وحين, حي الشيخ جراح يئن وهو يصارع التهويد, ويستغيث وهو يواجه الفناء, ويقاتل وهو يواجه الموت القادم من كل مكان, صرخات اهالي الشيخ جراح للأردنيين اننا نحتاج لوثائقنا التي تثبت ملكيتنا للأرض, لكن الاذان صمت والعيون عميت واللسان اخرس, وحجبت الوثائق واحكمت المؤامرات, وما يعلم جنود ربك الا هو.

 

ملهاة الانتخابات ومأساة الشعب لن تنتهي عند هذا الحد, لكنها مستمرة فالشياطين تكمن وتسكن وتتربص في كل الاركان, وتنقض على اصحاب الحق والذين يبيتون النوايا, وتفتك بالثائرين والمخلصين ومن يدركون نهايات الحكاية, لكن لا احد يستطيع ان يصل الى النهاية, لان وعد الله لا محالة سيتحقق وان لم يكن بأيدينا فان الله عز وجل وعد بالحق فقال  "وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ", فلا تفرطوا في دماء الشهداء ولا تتقاعسوا عن نصرة اهلكم في القدس, حتى لا تصحو على فاجعة "صفقة القرن" التي تبدأ بفلسطين وليس لها حد, لأنها تهدف لنهب الخيرات والسيطرة على الثروات, واستعباد البشر واضعاف الامة كي لا تقوم لها قائمة ابد الدهر, فلا تشغلكم ملهاة الانتخابات عن مأساة الشعب, فهو رصيدكم الذي لا ينفذ.

كلمات دلالية