خبر كيف يرى الإسرائيليون حرب « رصاصهم المصهور » على غزة؟ ..الدكتور / أيوب عثمان

الساعة 07:12 ص|18 مارس 2009

         كاتب وأكاديمي فلسطيني - جامعة الأزهر بغزة

 

في الثامن عشر من يناير 2009، كانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي قد أصدرت قرارها بوقف الحرب على غزة، ليعلن إيهود أولمرت، رئيس الوزراء، مباشرةً، أن إسرائيل "حققت أهدافها من الحرب على غزة". صحف إسرائيلية وصفت الحرب على غزة بأنها كانت إنجازاً من حيث إنها وجهت "ضربة تأديبية لحركة حماس"، فيما قالت صحف أخرى إن الحرب على غزة كانت شاهداً على "صمود الجبهة الداخلية" في إسرائيل، وكذلك على "قدرة الجيش الإسرائيلي على استعادة حيويته التي ضاعت في الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف عام 2006". غير أن صحفاً إسرائيلية أخرى ذهبت إلى أن الحرب الإسرائيلية على غزة قد استنفذت أهدافها في أول أيامها، الأمر الذي سبب توجيه النقد لإطالة أمدها، وهو ما يعني أن وقفها كان ضرورياً وواجباً ولازماً قبل الوقت الذي أوقفت فيه.

إن أوضح ما قيل في الحرب على غزة هو ما أوردته افتتاحيتا صحيفتي هآرتس و يديعوت أحرونوت. فقد جاء في افتتاحية هآرتس: "إن الخطرالأكبر يكمن في أن الجيش الإسرائيلي صدق أنه انتصر في هذه الحرب". أما افتتاحية يديعوت أحرونوت فترى أن "الحرب على غزة (الرصاص المصهور) قد تمت إدارتها على نحو مقبول لكنها انتهت على نحو سيئ، بدون أي تسوية، حتى أنه الآن وبعد نحو شهرين من وقف الحرب، ينظر الجيش بعيون مرهقة كيف تذوب إنجازات حملته العسكرية في غزة وكأنه لم يكن هناك أبداً. حماس تنتعش. تنهض على قدميها، وصواريخ القسام تعود للطيران نحو إسرائيل مثلما كان من قبل. حكومتنا عاجزة عن اتخاذ قرار. عيونها تدور نحو السماء وتنتظر المعجزة. شلل شامل ألم بالقيادة السياسية. ليس فقط شلل بل وبكم، حتى وزراؤنا كفوا عن تهديد حماس". وتضيف الصحيفة في افتتاحيتها قائلة: " الحرب على غزة (الرصاص المصهور) كانت تتكون من خطوتين: الأولى: ضربة شديدة جداً لحماس واستئناف الردع، والثانية: حشر حماس في الزاوية إلى أن تطلب التوصل إلى تسوية. هذه الخطوة كان يفترض أن تتم في محور التهريب الذي هو أيضاً محور حياة حركة حماس، وهو ما يعني إغلاق الصنبور عنها في جنوب قطاع غزة".

طبقاً لإذاعة الجيش الإسرائيلي، ترى الدكتورة أنات كورس – مدير الأبحاث في معهد الأمن القومي للأبحاث ومنسق مشروع حول الإرهاب بمركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة تل آبيب – أن "الحرب على غزة أضعفت حركة حماس، لكنها لن تمنعها من استعادة قوتها لتعاود القدرة على تهديد إسرائيل أمنياً من جديد". وطبقاً لصحيفة هآرتس، يرى جدعون ليفي – المحلل السياسي الإسرائيلي – أن إسرائيل "فشلت في هذه الحرب فشلاً ذريعاً... الحديث هنا ليس عن الفشل الأخلاقي العميق فقط، بل أيضاً عن عدم قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها المعلنة... إنها لم تحقق من هذه الحرب شيئاً إلا مئات القبور وفيها الصغاروآلاف المعوقين والدمار الكثير وتشويه صورة إسرائيل وإضعافها...".

أما يتسرائيل هارئيل فقد قال في صحيفة هآرتس "إنه بالرغم من أن رئيس الوزراء، إيهود أولمرت، قال خلال اجتماع المجلس الوزاري بأنه لا يتوجب على إسرائيل أن تتصرف وكأنها قد فقدت ما تبقى لديها من قوة واحترام"، فإن الحكومة الإسرائيلية تصرفت على هذا النحو بالضبط (أي على اعتبار أنها فقدت ما تبقى لديها من قوة واحترام)، ذلك لأنه بالرغم من القرار التكتيكي الذي يشترط فتح المعابر لإعادة شاليط، فقد خضعت إسرائيل لإملاءات حماس في جزء جوهري من الصفقة... "شاليط أولاً" هو إذن مجرد شعار خداع يرمي إلى خداع الجمهور والتظاهر بوجود هالة مزيفة عن الكرامة سرعان ما انتهت بالخضوع والاستسلام المخجل المحفوف بالمخاطر أمام تنظيم إرهابي دموي أقسم بألا يتخلى عن سلاحه حتى تباد الدولة اليهودية". ويضيف هارئيل قائلاً: "إن كانت أهداف الحرب على غزة قد تحققت، فإن على رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع أن يوضحا لنا من أين تستمد حماس – التي يصفونها بالمهزومة – القوة لإجبار إسرائيل على إطلاق كبار القتلة وتمديد فترة التهدئة؟! وإن كان الجيش الإسرائيلي قد انتصر، فلماذا تدفع الحكومة الإسرائيلية أثماناً باهظة لا يدفعها إلا المهزومون؟!... إن وعينا هو الذي كُوِيَ بينما بقي وعي حماس كما كان قبل الحرب على غزة وربما ازداد قوة وتعزيزاً".

في مقال له بعنوان: "هل ردعنا حماس أم ردعنا أنفسنا؟"، كتب ناحوم برنيع في صحيفة يديعوت أحرونوت: "لقد تبين بعد كل شيء، وبعد المقابلات والبرامج الخاصة، وبعد الثناء المفرط على المراسلين العسكريين والحروب التي تم خوضها حول الرصيد بين باراك وليفني بأن عملية الجيش الإسرائيلي ضد غزة – ربما – لم تكن نجاحاً بالمرة حيث كان الهدف منها منع تهريب السلاح، فيما التهريب ما زال متواصلاً، طبقاً للمعلومات التي أعطيت للمجلس الوزاري المصغر. إن كل أنواع السلاح بما فيها صواريخ "جراد" تصل هذه الأيام إلى غزة عبر الأنفاق وبتدفق متزايد... لقد كان الهدف من حرب إسرائيل على غزة هو وقف إطلاق الصواريخ فيما ظل إطلاق الصواريخ مستمراً. كما كان الهدف إجبار حماس على القبول بتهدئة محسنة لصالح إسرائيل، فيما انتهت المحادثات بين مصر وحماس إلى نفس التهدئة، بل وأسوأ منها. كان الهدف أيضاً العمل على تسريع المفاوضات لاستعادة شاليط، فيما ظلت حماس على موقفها دون أن تتزحزح ولو قيد أنملة". ويضيف برنيع ليقول: "قلنا جميعاً إننا استعدنا الردع، ولكننا لم نُعَبِّرْ في قولنا هذا إلا عن أمانينا. لقد شاهد خالد مشعل وهو في دمشق مشاهد الدمار والقتلى والثكلى، إلا أنه لم يتأثر كثيراً. وعليه، فإننا لم نردع حماس. ربما نكون قد ردعنا أنفسنا فقط. لقد قال لي أحد قادة أجهزة الدفاع إن عملية محدودة قد تكون الحد الأقصى الذي يسمح لنا العالم به الآن مع غزة. إن لم نفتح اليوم المعابر لحماس طواعية، فإننا قد نُجْبَر على فتحها غداً... أولمرت قال إن المصريين أرادوا خلال الحرب أن تعيد إسرائيل احتلال محور فيلادلفيا لتبقى هناك، كما أرادوا أن يعطوا لأبي مازن السيطرة على المعابر. ولكن على الرغم من ذلك، ها هم، الآن، يخضعون لضغوط حماس... أولمرت يطالب برد قاس على كل صاروخ يطلق من غزة، لكن باراك يقول إنه لا توجد الآن أي أهداف يمكن ضربها... باراك يرى أن وزراء المجلس الوزاري يعانون من الكبت، فهم يتحدثون كثيراً، ودائماً، حول تدمير حماس، ولكنهم عندما يُسألون إن كانوا يؤيدون احتلال غزة فإنهم لا يوافقون، على الرغم من أن القادة العسكريين يقولون إنه حتى لو احتلت إسرائيل رفح، فإن عمليات التهريب لن تتوقف وإطلاق النار لن يتوقف، الأمر الذي لن يكون معه مناص من الإنجرار لاحتلال غزة كلها، إلا أن الوزراء لا يريدون الإصغاء والفهم... لقد نفذ سلاح الجو الإسرائيلي، خلال الحرب على غزة، 300 طلعة جوية ذات مهام هجومية. وعليه، فإن المزيد من مثل هذه الهجمات لن يغير الوضع". هذا، ويقول برنيع في مقال آخر له في صحيفة يديعوت أحرونوت: "عملية (الرصاص المصهور) في غزة جاءت لاستعادة صورة الردع الإسرائيلي في مواجهة حماس وفرض قواعد لعبة جديدة في الجنوب. ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق هذين الهدفين لشدة الأسف . حماس لم تصبح أكثر ليونة ولم تَخَفْ، وتهريب السلاح استؤنف وإطلاق الصواريخ مازال مستمراً. مواطنو غزة يُعتبرون  الآن في نظر العالم ضحية للانتقام الإسرائيلي... بكلمتثين اثنتين: أكلناها".

وفي كتابه اختراع إسرائيل والشعب اليهودي، اتهم المؤرخ الإسرائيلي، شلومو زاند – أستاذ التاريخ في جامعة تل آبيب وجامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية – دولة الاحتلال الإسرائيلي بأنها– ومن خلال حربها على غزة – قد حاولت تحويل قطاع غزة إلى "محمية كبيرة"، وأنها "جردت نفسها من كل الضوابط الأخلاقية حيث أثبتت أنها لا تعرف إلا لغة القوة". ويضيف المؤرخ الإسرائيلي قوله: "إن إسرائيل زرعت الخراب والأسى في كل مكان في غزة، وقتلت النساء والأطفال لغايات انتخابية، حيث كان توقيت الحرب ملائماً من هذه الناحية". وقد أنكر المؤرخ الإسرائيلي أن تكون الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد حققت أهدافها، ذلك أن الحرب – حسب رأيه –  "لم تَقْضِ على حركة حماس، كما أنها لم تتمكن من تدعيم قوة معسكر الاعتدال الفلسطيني".

أما أوري هاينتر فيقول: "في اختبار النتيجة، حرب (الرصاص المصهور) فشلت بسبب الخلل في اتخاذ القرارات. الحرب فشلت لأنها أوقفت في منتصفها. ليست (رصاص مصهور)، بل "رصاص مص"، ومثل نصف الحمل لا يعطي ثماراً... في المستوى السياسي والعسكري الأعلى، اعتقدوا بأن الضربة القاسية التي تلقتها غزة خلقت رداً يكفي كي توقف نار الصواريخ... كان المنطق في التقدير أن ضربة كالتي تلقاها الفلسطينيون في غزة ستدفعهم إلى الاعتراف بأنه لا معنى من استمرار إطلاق النار، وهو ما لم يحدث. واضح أن الفلسطينيين يفهمون نفسيتنا أكثر مما نفهم نحن نفسيتهم. هم نجحوا في الصمود انطلاقاً من الفرضية بأننا سنتعب وسنكون أول من يتراجع، وهو ما حدث".

في مقال نشرته صحيفة معاريف بعنوان "هل حقاً ما يقال إننا انتصرنا في غزة؟! كتب شلومو جازيت، الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: "كان الهدف المعلن للحرب الإسرائيلية على غزة تجديد الردع الإسرائيلي، أو طبقاً لقادتنا، إحداث واقع أمني جديد على الحدود مع القطاع. في هذه المرحلة، ما زلنا لم نحرز تهدئة، ونحن عالمون بأن إطلاق الصواريخ على إسرائيل لن ينقطع. وما ليس أقل إقلاقاً هو مواصلة التهريب من سيناء. إن مجرد مواصلة التفاوض حول تجديد التهدئة وتحديد حماس مدة التهدئة بما لا يزيد عن عام ونصف يدلل على أن حماس لا تفاوض من موقع الضعيف أو من موقف المنكسر.... وفي مسألة إطلاق سراح جلعاد شاليط، فإن ذلك لم يكن هدفاً إسرائيلياً معلناً عند شن الحرب على غزة. لكن في أثناء الحرب، ومن ثم بعد قرار وقف إطلاق النار، نشأ إحساس عام أكثر شمولية بمسألة مفادها أنه لا يجب الاتجاه نحو اتفاق تهدئة بعد الحرب دون إيجاد حل لمشكلة جلعاد شاليط، الأمر الذي أنشأ اختلافاً كبيراً بين إسرائيل وحماس التي تؤكد على أن موضوع التهدئة وموضوع جلعاد شاليط هما مسألتان منفصلتان ليس هناك ما يربط –البتة– بينهما، وهو ما يشير بوضوح إلى الفشل الإسرائيلي في هذا السياق. فالمساومة في شطب عدة أسماء من قائمة حماس ليس إلا تسليماً إسرائيلياً واضحاً بالفصل بين مسألة التهدئة ومسألة شاليط". ويضيف جازيت فيقول :"إن صفقة تبادل يطلق بها سراح جميع الأسرى لن تمنح حماس ميزة إطلاق السجناء فقط بل تمنحها الشعور بالانتصار في المعركة العامة، الأمر الذي سيمنح الشعور بالانتصار ليس لأهل قطاع غزة فحسب، بل لكل الفلسطينيين في الضفة الغربية وللعرب وللمسلمين في كل أنحاء الدنيا. إنه نصر يقدمه على طبق من فضة رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، الذي يؤمن بأن إطلاق جلعاد شاليط (الذي أسرته المقاومة الفلسطينية أثناء ولايته) سيمنحه نقاط استحقاق عشية انصرافه عن رئاسة الحكومة، وأيضاً الجهازالعام الذي ربى الوعي الإسرائيلي العام على مفهوم إطلاق سراح الأسرى بأي ثمن حتى ولو كان الثمن إهدار القيم العسكرية ومنح الأمان لحركة حماس".

هذا، وقد صدر عن جابي أشكنازي، رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، اعتراف بلغ في أهميته مبلغاً كبيراً، حيث ذهب فيه – طبقاً لـ الجزيرة نت – إلى أن "رجال حركة حماس الذين كانوا يرتدون الزي العسكري الإسرائيلي حاولوا أن يتسللوا إلى صفوف الجيش الإسرائيلي". مثل هذا الاعتراف من جانب أشكنازي يحمل أهمية كبيرة واستثنائية، نظراً لأنه يكشف حقيقة المواجهة الميدانية في الحرب الإسرائيلية على غزة والتي حرص الإعلام الإسرائيلي على إخفائها والتعتيم عليها. ويصبح هذا الاعتراف من جانب أشكنازي أكثر وضوحاً حين نتأمل ما صرح به الجنرال موشيه يعلون، رئيس الأركان السابق لجيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث قال: "إن ما فعلناه في غزة طوال فترة الحرب هو المراوحة في ذات المكان". على أن ما يزيد الصورة وضوحاً هو ما طالب به أفرايم هيليفي، الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي، حينما أكد على ضرورة "عدم تجاهل حركة حماس حال الشروع في محاولة إعادة ترتيب أوراق المنطقة بعد الحرب على غزة، نظراً لأن حركة حماس صمدت واستمر وجودها، بالرغم من الضربات الكبيرة والموجعة وغير المسبوقة التي تلقتها على طول 22 يوماً وعرضها". فتأكيداً على قدرة حماس على الثبات والصمود، يقول أفرايم هليفي إنه "بالرغم  من أننا صببنا النار على قطاع غزة من الجو والبحروالبر صباً، إلا أن حركة حماس خرجت من بين الحطام والرماد والأنقاض كطائر العنقاء، ثم أدارت مع مصر مفاوضات صعبة، بحثاً عما تحتاجه دون شعور منها بالضعف أو الانهزام أو الاستسلام".

أما بنيامين نتانياهو – اليميني المتطرف المكلف بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة – فقد قال إن "المهمة في غزة لم تستكمل مدلولاتها الكبيرة، ذلك أن حكومة بقيادتي لابد لها من أن تصدر التعليمات التي توجب استكمال المهمة، وهو أمر يشير إلى العزة الذاتية التي تعني أن شعبنا الذي يحترم نفسه لن يسمح بأن تطلق الصواريخ عليه. لذلك فنحن سنطالب الآخرين باحترامنا بعد أن نكون قد استعدنا عزتنا الذاتية"، الأمر الذي يعني أن الحرب على غزة – من وجهة نظر نتانياهو – قد سلبت من إسرائيل ما أسماه "العزة الذاتية"! وإذا كان شلومو بن عامي، وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، قد ذهب إلى أن: "القرار الإسرائيلي بالحرب على غزة كان خطأً منذ بدايته، حيث إن تلك الحرب لم يكن لها ما يبررها على الإطلاق"، فإن جنرال الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، عوزي ديان، يرى أن الحرب على غزة "فاشلة فشلاً ذريعاً"، ويطالب الحكومة الإسرائيلية القادمة بأن يكون هدفها "تدمير حكم حماس في قطاع غزة". أما يوسي سريد، زعيم حزب ميرتس والوزير الإسرائيلي الأسبق، فقد أكد أن الفلسطينيين قد امتلكوا القدرة على الردع حيث قال:" إن الردع الذي حققه الفلسطينيون من خلال بنادقهم الخردة قد تفوق ألف مرة على قوة الردع لدى الجيش الإسرائيلي في مخيمات اللاجئين، على الرغم من كل طائراته ودباباته، بالإضافة إلى ما شرع المسلحون في زراعته من عبوات ناسفة وألغام ومتفجرات في مواضع كثيرة الحساسية ومتناهية الدقة". وفي محاولة منه  لوصف الردع الإسرائيلي للمقاومة الفلسطينية بأنه نوع من الأوهام والأحلام، قال موشيه أرنس، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق في مقال له بعنوان "الردع أحلام"، بأن "حماس لا يمكن ردعها". هذا، وقال ضباط إسرائيليون ميدانيون كبار أثناء الحرب على غزة: "إننا نواجه مقاتلين مففخين ومنازل ملغمة"، فيما شبه عسكريون إسرائيليون رفيعون المواجهات الميدانية بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في غزة بـ "حرب فيتنام"، حيث الأسر والقنص والأشباح، طبقاً لما أوردته الأسبوعية الفرنسية لوكرييه انترناسيونال، نقلاً عن قائد اللواء العسكري الإسرائيلي الشهير باسم "جفعاتي"، الذي اعترف بأن "المقاومة حولت غزة إلى مدينة متفجرات". ويرى البروفيسور يحزكائيل درور – عضو لجنة فينوجراد التي كلفت بالتحقيق في أسباب فشل الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان في صيف عام 2006–  أن "المستوى السياسي فشل في الحرب على غزة كما فشل أيضاً في الحرب على لبنان بسبب المراوحة في نفس المكان وعدم القدرة على الحسم في القرار". ويضيف البروفيسور درور، قائلاً: "من الصعب الإقرار بقياس مدى انتصار الجيش الإسرائيلي في عملية (الرصاص المسكوب) مقابل الإنجاز الذي حققته حركة حماس بقوة موقفها". هذا، ويؤكد البروفيسور درور على فشل إسرائيل في خلق قوة ردع ضد الصواريخ الفلسطينية التي ما زال سقوطها مستمراً على المتسوطنات الإسرائيلية في المنطاق الجنوبية الجنوبية، موضحاً في الوقت نفسه أنه خلال الحرب على غزة كان هناك تراجع في قدرة القيادة السياسية الإسرائيلية على الحسم.

أما يوسي بيلين فيقول: قبل أن يقرر رئيس الوزراء المنصرف إيهود أولمرت – المنشغل الآن في قضية شيلانسكي – شن عملية عسكرية جديدة على غزة، وقبل أن يقرر خليفته بنيامين نتانياهو شن عملية عسكرية مشابهة لضمان بقاء الردع الإسرائيلي، فإنه يجدر بهم أن يدرسوا بجدية الآثار التي ترتبت على عملية (الرصاص المصهور)... الثمن الذي دفعناه في عملية (الرصاص المصهور) لم يكن متناسباً من حيث الضرر الذي ألحقناه بأنفسنا دون أن نحقق ردعاً لحماس... ثلاثة أسابيع من البث التلفزيوني الذي أظهر الأطفال والنساء وهم يُقتلون يومياً على يد الجيش الإسرائيلي حتى وإن كان عن غير قصد... الأنظمة العربية التي أرادت تغيير خطها والاكتفاء باتهام إسرائيل بالرد بصورة غير متناسبة وفي نفس الوقت مواصلة العلاقات الطبيعية معها أو شبه الطبيعية، لا تستطيع ببساطة أن تسمح لنفسها بذلك الآن. حماس اكتسبت سيطرة في أوساط شعبية واسعة في الدول العربية باعتبارها ممثلة حقيقية للشعب الفلسطيني. القيادة العربية لم تنتخب بصورة ديمقراطية إلا أن هذا لم يقلل من حاجتها إلى الإصغاء للشارع وهذا الشارع شاهد قناة الجزيرة ففقد صوابه. القادة الأكثر منطقية قرروا اتباع سياسة جنونية عن قصد فعادت إسرائيل  لتكون العدو الذي لا يمكن التسليم بوجوده. بدلاً من تكرار خطأ عملية (الرصاص المصهور)، يتوجب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حماس من دون ألاعيب ومن دون تسويف وأن يتضمن ذلك إطلاق سراح جلعاد شاليط مقابل قائمة السجناء "الملطخة أياديهم بالدماء".

وآخر الكلام، بعد أن ثبت للدنيا بأسرها أن الشعب الفلسطيني لن تُكْسر شوكته، ولن تُهزم معنوياته، ولن يُجْبَر على رفع الرايات البيض، فهل يدرك القادة الإسرائيليون الجدد أنه بات عليهم اليوم قبل الغد أن يتخلصوا من غباء استبد بهم وسيطر على عقولهم فأعمى بصائرهم عن رؤية الحق واستجلاء الحقيقة التي لا قبل لهم بإنكارها اليوم، أو الاستمرار في إنكارها غداً أو بعد غد؟! وعليه، فهل يفكرون فيما قاله يوسي بيلين من أن "على دولة إسرائيل أن تعترف بحكومة فتح – حماس إن تشكلت عما قريب كي تتمكن هذه الحكومة من منع العنف ضد إسرائيل، وأن تجري أيضاً مع منظمة التحرير الفلسطينية مفاوضات سياسية حقيقية جدية قبل أن يصبح الوقت متأخراً جداً؟!".