كتب أ. محمد حميد (أبو الحسن): الحركة الإسلامية والانتخابات الداخلية

الساعة 10:18 ص|13 مارس 2021

فلسطين اليوم | أ.محمد حميد

 بقلم/ عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أ. محمد حميد "أبوالحسن"

شهد الشهر الحالي إقدام حركة المقاومة الإسلامية حماس على عقد انتخاباتها الداخلية الدورية والتي من المنتظر أن تطرح وجوهاً جديدة في قيادة الحركة وتجدد شرعية بعض القيادات الحالية، حيث أظهرت بعض التقارير الإعلامية وجود تنافسٍ داخليٍ حاد بين المرشحين للقوز برئاسة الحركة في غزة أو بعضوية المكتب السياسي فيها، حتى أن الأمر وصل إلى إجراء أكثر من جولة إعادة لاختيار رئيس الحركة في غزة بعد عجز كلا المرشحين عن الوصول إلى نسبة الحسم اللازمة لوضع الثقة في الفائز لأربع سنوات قادمة، والتي نجح في الفوز بها أخيراً الأخ/ يحيى السنوار الذي نبارك له ثقة إخوانه به ونسأل الله أن يعينه على أداء الأمانة، وذلك بعد منافسة شديدة مع الأخ المهندس/ نزار عوض الله. وبهذا المظهر أضحى جلياً للعيان محافظة حركة حماس على دورية الانتخابات الداخلية فيها وفق ما تنظمها اللائحة الداخلية للحركة والذي تُرجم عبر تعاقب عدد من الأشخاص على قيادة الحركة في الداخل والخارج خلال السنوات الماضية، فلا تزال الذاكرة حية بالشيخ/ أحمد ياسين قائداً للحركة ومن بعده الدكتور/ عبد العزيز الرنتيسي وصولاً إلى الدكتور/ موسى أبو مرزوق والأستاذ/ خالد مشعل، وانتهاءً بالدكتور/ إسماعيل هنية المرشح للاختيار لولاية أخرى في رئاسة المكتب السياسي للحركة.

وما حركة الجهاد الإسلامي عن ذلك ببعيد، فلم يمضِ الكثير من الزمان على إتمام الحركة انتخابات الإطار النسائي فيها لأول مرة، لتكمل الحركة سلسلة من الاستحقاقات الانتخابية التي استهلتها عام 2018 باختيار الأمين العام والمكتب السياسي، وصولاً إلى انتخابات على مستوى المناطق والأقاليم، وانتخابات لاختيار هيئة لقيادة الإطار الطلابي للحركة.

لم يكن امرؤٌ ليلوم حركة حماس لتأجيل استحقاقها الانتخابي الداخلي الدوريّ لعامٍ قادم تحت ذريعة الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والرئاسية التي تستعد في الدخول في أتون المنافسة فيها، وكذلك لم يكن أحدٌ ليلوم حركة الجهاد الإسلامي على تأجيل انتخابات القطاع النسائي لأجلٍ آخر متذرعةً بتفشي جائحة كورونا، كان لكلا الحركتين عديد الذرائع والأسباب التي تبرر تأجيل هذه الاستحقاقات الداخلية، إلا أنهما –ورغم كل الظروف المحيطة والحصار الخانق والأزمات المالية المتكررة- آثرتا على احترام قرار القاعدة الجماهيرية لديهما وأقدمتا على إتمام انتخاباتها الداخلية وفق الجداول الزمنية المقررة لها.

ولا ينقص من مهابة هذا المكتسب الداخلي بعض الانتقادات –التي قد تكون صائبة في بعض الأحيان- للوائح الناظمة للعملية الانتخابية بما يتضمنه ذلك من وصفها بعدم النضوج واحتمالية تسببها في ظلمٍ هنا أو هناك، فالأهم من هذا كله أن تسير الحركات الإسلامية على المسلك الصحيح وينطلق فيها قطار احترام إرادة منتسبيها عبر تمكينهم من المشاركة في صنع القرار وتمكين الأعضاء من إجراء المراجعات المستمرة لا للوائح الناظمة لسير العملية الانتخابية وحسب، بل لمجمل الاستراتيجيات والسياسات التي تعتمدها القيادات والكوادر الحركية من أجل تلافي الأخطاء على المستوى الحركي وعلى مستوى المجتمع الفلسطيني أو تأثير الحركات الفلسطينية في المحيط العربي والإسلامي والدولي، ومن أجل تعزيز نقاط القوة في العمل الجهادي والسياسي، بل إن هذه الاستحقاقات  كفيلةٌ بإنضاج خبرات عميقة داخلياً على المستوى الحركي وعلى مستوى المجتمع.

هذه الإشادة التي نطرحها بحق الحركات الإسلامية، تطرح أمامنا سحابةً من الحزن على واقع الفصائل الفلسطينية الوطنية الأخرى خاصة تلك التي تصر في أدبياتها على وسم الحركات الإسلامية بالقوى الرجعية وقوى الظلام، فهي تقف اليوم حائرةً أو مندهشةً من التطور الدوري الذي تحققه الحركات الإسلامية في هذا المضمار، في وقتٍ لا يزال أمناؤها العامون أو أعضاء لجانها المركزية ممن تخطى عتبة الثمانين عاماً مكثوا منها أربعين عاماً بمسمياتهم التنظيمية دون حراك سياسي داخلي أو مراجعات لمجمل سياستهم المتبعة في العمل العام طيلة هذه السنوات.

إن ظاهرة الانتخابات الداخلية في الحركات والفصائل الفلسطينية ظاهرة صحية رغم ما قد يشوبها من أخطاء التي تحتاج من تلك الحركات مراجعتها ومحاولة تطوير نفسها لتجاوزها والاستفادة منها. نتمنى أن تنتقل عدوى هذه الظاهرة إلى باقي الفصائل الفلسطينية، فالأمر لا يزال متاحاً، إلا أن صدارة الحركات الإسلامية في هذا المجال تدل على نضجٍ كبير لهذه الحركات، وهو ما سينعكس على المجتمع الفلسطيني بكل مكوناته المختلفة، وبما سيسهمه ذلك في ترسيخ ثقافة احترام إرادة الجماهير وصولاً إلى مجتمعٍ فلسطينيٍ نزيهٍ قادرٍ على التعبير عن احتياجات الفلسطينيين في الحرية ومقاومة الاحتلال. ختاماً، فالكمال لله وحده، فما نتمناه وندعو الله به أن تتمكن الحركة الإسلامية من تقديم نموذج قيادي للمجتمع يتساوى فيه الأعضاء المنتسبون مع غير المنتسبين في الحقوق والواجبات، والأمر ليس ببعيدٍ وفق ما نرى.

 

كلمات دلالية