خبر الخليل.. وقائع مليئة بالوجع حولًها الاحتلال لمسلسل يومي للألم

الساعة 09:02 ص|17 مارس 2009

فلسطين اليوم- الخليل

تحاصر مئات العائلات الفلسطينية في البلدة القديمة من الخليل بالضفة الغربية، وفي الأحياء المحيطة بالمستوطنات والأنوية الاستيطانية شمال شرق المدينة، وقائع مليئة بالوجع والبؤس والحرمان بالأمان.

 

في المدينة العتيقة الممتدة من شارعي الشلالة والشهداء المغلق منذ المجزرة الرهيبة في الحرم الشريف وفي تل الرميدة، ووادي النصارى، والحصين، والرأس، والبقعة، وغيرها من الأحياء المحاصرة بالمشاريع الاستيطانية التوسعية، يجد المواطنون البسطاء، أطفالاً ونساء، أنفسهم على الدوام في الهامش الضيق الذي تنحشر فيه مناطقهم بين وطأة الإجراءات التعسفية الإسرائيلية التي يزاولها جنود متأهبون على الدوام للقتل، ومستوطنون مسلحون بأنياب العنصرية.

 

وتكشف حادثة المواطنة آيات عبد الكريم الجعبري التي تخضب رأسها بالدم الليلة الماضية بعد مباغتتها من قبل مستوطنين مسلحين بالتطرف والكراهية والإعتداء عليها، المستوى الهابط للحياة الآمنة، حيث يعيش مئات المواطنين وكأنهم في سجن.

 

المواطنة الجعبري (24عاماً) التي تشق الطريق كل يوم إلى بيتها الواقع بين مستوطنتي 'كريات أربع' و' كريات خمس'، أنهت يومها 'المدرسي' حيث تتعلم فنون التصوير في مدينة بيت لحم، بعدة قطب في رأسها، وعادت في اليوم التالي إلى المركز التدريبي عبر الطريق ذاتها، المحفوفة بهجمات دائمة ومحتملة من قبل مجموعات منفلتة من المستوطنين.

 

يقول جمال أبو سعيفان الناشط في تدوين الانتهاكات الإسرائيلية، الذي يعيش على بعد أمتار قليلة فقط من سياج مستوطنة 'كريات أربع' ويتسلح بكاميرا منحته إياها منظمة 'بتسيلم' الحقوقية الإسرائيلية لرصد الهجمات 'الدموية' للجيش والمستوطنين:"إن قصة المواطنة آيات الجعبري، هي في الواقع المليء بالوجع قصة ليست استثنائية، فالحياة في وادي النصارى والحصين والرأس ومحيطه تحتاج إلى ما هو أكثر من الانتباه، وإلى برنامج عملي يخرج المواطنين من محنتهم ويعزز صمودهم في منازلهم وأراضيهم".

 

وفي سياق عرض الحال الذي تعيشه منطقتا وادي النصارى والحصين كنموذج لحال الأحياء المجاورة، تفتقر المنطقتان لأدنى الإحساس بالأمن، فيما يبتهل الآباء والأمهات إلى الله كل صباح بأن ينجي أبناءهم الذاهبين إلى مدارسهم من شرور المستوطنين عبر الطريق الوحيدة التي أطلق عليها طريق 'المصلين' بعد 7 سنوات من إغلاقها بذريعة 'ضمان تنقل آمن' للمستوطنين بين 'كريات أربع' والحرم الإبراهيمي.

 

ويجد أكثر من 15 ألف طالب وطالبة من طلبة الخليل ممن تقع مدارسهم على خطوط التماس، أو أولئك المقيمين في البلدة القديمة أنفسهم، في دائرة المواجهة، وقبضة الخوف، والنيران الإسرائيلية.

 

ويظل 'الحق في التعليم ' بالنسبة لتلاميذ وأطفال الخليل، أو حتى 'الحق في الحياة' التي نصت عليه اتفاقية حقوق الطفل، بالنسبة لهم، مجرد 'حبر على ورق' حيث تعصف الانتهاكات الإسرائيلية واعتداءات المستوطنين، بكل الحقوق حتى الأكثر بساطة منها.

 

في مدارس: قرطبة، واليعقوبية، واليقظة، والفيحاء، والإبراهيمية الواقعة جميعها على مقربة أمتار قليلة فقط من البؤر الاستيطانية الأربع في المدينة القديمة، ومدارس أخرى في محيطها، تتضاعف المرارة لدى التلاميذ المتوجسين على الدوام من هجمات المستوطنين الذين يطلقون الكلاب المتوحشة والمدربة تجاههم، أو يهاجموهم بالحجارة والزجاجات.

 

وفي إجابة على سؤال حول آخر الاعتداءات التي يتعرض لها المواطنون وتلاميذ المدارس في محيط 'كريات أربع'، يشير الباحث في مؤسسة 'بتسيلم' موسى أبو هشهش إلى أنه لا يمكن لأحد أن يخضع ما يجري في الخليل لإحصائيات دقيقة لفعاليات القتل والتنكيل والإغلاق التي يزاولها جيش الاحتلال والمستوطنون.

 

ويضيف: 'في الخليل كل مواطن هدفاً محتملاً لعنف وإرهاب مليشيات المستوطنين المسلحين بالبارود والعنصرية، وفيها يحدث ' تطهير عرقي' ضد الوجود الفلسطيني في البلدة القديمة ومحيطها..إنها مدينة في القبضة المنفلتة لإرهاب  الاحتلال'.

 

'في البلدة القديمة ومختلف الأحياء القريبة من المستوطنات وسط وشمال شرق المدينة حيث اغتصبت فيه المستعمرات الإسرائيلية أراضي المواطنين وأضاءتها بوهج المصابيح، يظل أكبر الوجع اعتداءات المستعمرين الإسرائيليين وسياسات الحصار والإغلاق التي تفرضها قوات الاحتلال' هذا ما يؤكده بسام الجعبري الذي يقم في محيط 'مبنى الرجبي' الذي أخلي من المستوطنين في الرابع كانون الأول الماضي.

 

وقال الجعبري:"إن إخلاء المستوطنين من المبنى، الذي احتلوه قبل عامين، لم يخفف من تدابير الحصار والإغلاق التي يفرضها جيش الاحتلال في 'واد الحصين'، بل على العكس من ذلك يسعى الجيش إلى تحويله لثكنة عسكرية طبقاً لما أفادت به صحيفة 'يدعوت احرنوت' الإسرائيلية، فيما تواصل مجموعات من المستوطنين التجمع أمام المبنى بغرض تأدية الصلاة، وهي صلاة يومية تقام عند الخامسة من كل يوم، ويصل عدد المشاركين في تأديتها إلى نحو مئة مستوطن، عند دخول 'السبت' مساء أيام الجمعة.

 

'إن حقيقة كل نشاط عسكري ميداني يزاوله جيش الاحتلال في المدينة إنما يتم بذريعة أمنية تتعلق بتواجد 400 مستوطن، وبتطوير المشروع الاستيطاني' يقول خبير الاستيطان عبد الهادي حنتش.

 

 ويضيف: 'إن حملة المستوطنين المستمرة من أجل توسيع المستوطنات القائمة تسير جنبا إلى جنب مع قرارات وأوامر المصادرة العسكرية الإسرائيلية، ومحاولات وضع اليد على مبان وعقارات مملوكة لمواطني المدينة'.

 

 وتؤكد تقارير لجنة إعمار الخليل أن الانتهاكات التي يقوم بها جيش الاحتلال والمستوطنون في الخليل ومحيطها، تسببت في تهجير العائلات الفلسطينية من مئات المنازل، وإغلاق أكثر من 520 محل تجاري منذ العام 2000 بالإضافة إلى نحو1200 متجراً ومصلحة حرفية، تقع معظمها في البلدة القديمة من المدينة، شبه مغلقه.

 

وفي الخليل حيث يجهد المستوطنون دون كلل لإقامة 'دويلة' لهم، تجد الحواجز العسكرية، والبوابات الكترونية والحديدية، وإغلاق أحواش، واستيلاء على منازل، ومصادرة ممتلكات، واحتلال أماكن مقدسة، ونقاط تفتيش ومراقبة، وجنود يضعون أصابعهم دوما على الزناد، وعربدة، وترويع، وإحراق حقول ومتاجر وسيارات، وتهجير، وعنصرية، ورغبة جامحة للقتل.