القائد خالد الدحدوح .. صهيب غزة الرومي

الساعة 10:40 ص|01 مارس 2021

فلسطين اليوم | أ.محمد حميد

بقلم: أ.محمد حميد

عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي

لقد تركت حقبة صدر الإسلام العديد من النماذج الراقية والتي لا تزال تشحذ همم الأمة جيلاً بعد جيل، فلم يخبت ذكر عليّ الكرار –كرم الله وجهه- قط نموذجاً ورمزاً للفروسية وحسن الخلق ، ولا يقل عن ذلك رمزية صهيب الروميّ الصحابي الجليل الذي اشترى ماله فداءً لقضية الإسلام العظيم فمضى مهاجراً بعد أن خسر متاعاً من الدنيا وربح صحبة المصطفى –صلى الله عليه وآله وسلم- وحقق غاية الجهاد، ولما كان هؤلاء العظماء هم نجوم الهداية وتلاميذ النبوة، فما أجمل أن يجمع معاصرٌ جزءاً من هذه الرمزية في شخصية واحدة، ألا وهو الشهيد القائد/ خالد الدحدوح (أبو الوليد).

 

فلا يزال الشهيد القائد/ أبو الوليد -ابن حي الزيتون وسليل عائلة الشهداء عائلة الدحدوح التي قدمت أرواح فلذات أكبادها فداءً لفلسطين وفي سبيل الجهاد- عنواناً لكل المجاهدين والمرابطين على ثرى هذه الأرض المباركة، فهو الذي شارك القادة الشهداء/ مقلد حميد ومحمود جودة وبشير الدبش ومحمد الشيخ خليل في قيادة الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي سرايا القدس، وكان صاحب بصمة واضحة في وحدة التصنيع التابعة لسرايا القدس والتي نجحت في إنتاج مئات الصواريخ والعبوات الناسفة التي استعان بها المجاهدون للتصدي للتوغلات البرية المتكررة التي كانت تقدم عليها قوات الاحتلال عبر أرتالها العسكرية داخل مناطق قطاع غزة.

 

ورغم وضع الشهيد/ أبو الوليد الاقتصادي الجيد، إلا أنه آثر الطريق المحفوفة بمكاره الدنيا راجياً فوز الآخرة، فقد ترك صهيب غزة الروميّ تجارته وشركة الإنشاءات والمقاولات التي كان يديرها ويملكها، وتفرغ للعمل الجهادي مخلصاً لا يبتغي إلا وجه الله، فلم يكن في ذهنه الشهوة إلى أي مواقع إدارية أو مالية، ولم يسجل عليه أي مزاحمات مالية أو إدارية، بل كان همه وشغله المقاومة وفلسطين، فكان صاحب إيمان عميق بفكرة الجهاد وفلسطين من بحرها إلا نهرها وفي القلب منها القدس والمسجد الأقصى، لا يقبل الدنية فيها، فمضى إلى غايته هذه وترك الدنيا وملاهيها، رغم أن طريقها كان كفيلاً بزيادة وضعه الاقتصادي والمعيشي، قال تعالى:" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ" البقرة (207).

 

نسج الشهيد القائد/ أبو الوليد أثناء قيادته لسرايا القدس علاقة قويةً مع باقي فصائل المقاومة الفلسطينية، ومدَّ لها يد العون والمساعدة في الإمكانيات العسكرية والخبرات الفنية في ملف التصنيع، ووقف مسانداً لكل حالة تنسيق جهادية لمواجهة المحتل الأمر الذي حذاا بالأخير إلى وضعه على رأس قائمة كبيرة من المجاهدين المطلوب تصفيتهم واغتيالهم.

 

ورغم حذر الشهيد القائد/ أبو الوليد وحيطته وحرصه على تجنب استعمال الهاتف النقال أو استقلال السيارات خشية متابعته من قبل الاحتلال إلا أن الأخير تمكن من اغتياله عبر تفخيخ سيارة كانت متوقفة في الطريق الذي كان يسير به مشياً على الأقدام، ما أدى إلى استشهاده في غرة شهر مارس 2006.

 

رحم الله الشهيد القائد/ أبو الوليد وكل الشهداء الذي ارتقوا إلى العلياء –بإذن ربهم- وخلّفوا لنا وراءهم سيرةً طيبةً وتركة عظيمةُ من القيم الإسلامية والجهادية عنوان الإسلام وفلسطين، فلا زلت أتذكر تلك الكلمات المغموسة بالإخلاص والإقدام التي نعى بها أبو الوليد إخوانه الذين سبقوه إلى الشهادة وهما الشهيدين/ عدنان بستان و جهاد السوافيري من أبناء وحدة التصنيع في سرايا القدس الذين ارتقيا إلى العلا قبل شهرٍ من لحاقه بهم، حيث قال في تلك الليلة على إذاعة صوت القدس :" نقول إن عملية الاغتيال الجبانة الحقيرة التي نفذتها طائرات العدو الغادر الصهيوني بحق المجاهد الكبير/ أبا جندل والأخ المجاهد القائد/ جهاد السوافيري أبو شادي لن تثنينا عن مواصلة جهادنا ومقاومتنا لهذا العدو المجرم وسنضرب هذا العدو المجرم في كل مكان وأينما كان ونجدد [التأكيد على] أن لا حدود لضرب هذا العدو وليعلم هذا العدو المجرم وليعلم العالم بأسره أن الدماء التي سالت اليوم في فلسطين لن تزيدنا إلا قوةً ووحدةً وإصراراً على تمسكنا بخيار الجهاد والمقاومة، وليعلم الحقير موفاز وزير حرب العدو أن دماء الشهداء ستشعل فينا ثورةً وستظل أمانةً في أعناقنا، ونداؤنا لكل المجاهدين في فلسطين أن دماء الشهداء أمانة في أعناقهم، لن نساوم أو نهادن على هذه الدماء الزكية حتى ولو على حجرٍ ذبحنا، ومن هذا المكان وفي هذه اللحظة العصيبة  التي فقدنا قادةً عِظاماً لسرايا القدس، ندعو كل الشرفاء وكل المجموعات العاملة في قطاع غزة وضفة الصمود لضرب هذا العدو في كل مكان وأي مكان يتواجدون فيه و لا حدود عندنا لضرب هذا العدو المجرم، لا حدود لنا لضرب هذا العدو المجرم".

كلمات دلالية