هكذا ترسم إسرائيل سيناريو المواجهة العسكرية القادمة

الساعة 10:23 ص|22 فبراير 2021

فلسطين اليوم | عدنان أبو عامر

عدنان أبو عامر  

في خطوة غير مألوفة، أصدرت إسرائيل ما اعتبرته عملية "محاكاة" لمواجهة عسكرية واسعة النطاق في المنطقة، تشمل المحور الإيراني بكل عناصره: إيران وسوريا ولبنان واليمن، ورصد هذا السيناريو تفاصيل تلك الحرب "المتوقعة"، من حيث كثافة النيران، ومواقف دول المنطقة.

السطور التالية تقدم أهم ما ورد في هذه "المحاكاة"، ومدى واقعيتها، وسقفها الزمني، وعمقها الجغرافي، والدول المشاركة فيها، ومواقف الدول العظمى منها، وتأثيرها على وضعية إسرائيل في المنطقة.

تتحدث المحافل العسكرية الإسرائيلية عن سيناريو لهجوم محتمل ضد إسرائيل، رغم أن جميع الأطراف ليست مهتمة بهذه الحرب، لكنها قد تستدرج إليها من دون خيار، بحيث يمكن الحديث عن نموذج لما تسمى "لعبة حرب"، ويتمثل في سيناريو رد فعل محتمل لصراع من شأنه أن يؤدي إلى حرب في الشرق الأوسط بين المحور الإيراني الذي يضم سوريا وحزب الله، وبين إسرائيل والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة وغيرها.

سيناريو انطلاق الحرب يبدأ عند إطلاق صواريخ من غرب العراق باتجاه إسرائيل، ينجح صاروخ في اختراق المنظومة الدفاعية، ويصيب مباشرة مبنى شاهق الارتفاع في تل أبيب، ويقتل ويصيب عشرات الإسرائيليين، ويعدّ هذا الهجوم الصاروخي ضمن المحاكاة المتوقعة مجرد عملية واحدة من سلسلة عمليات ضد أهداف إسرائيلية وأمريكية وأهداف أخرى في الشرق الأوسط.

بالتوازي مع وابل الصواريخ من العراق باتجاه إسرائيل، تنطلق صواريخ على السفارة الأمريكية في بغداد، ممَّا يسفر عن مقتل جندي من مشاة البحرية، وتقع سلسلة من هجمات إطلاق النار تشنها إيران على ساحل المارينا في دبي والمركز التجاري في البحرين ضد السياح الإسرائيليين، تقتل إسرائيليين وأمريكيين.

عملية المحاكاة هذه تتوقع مشاركة قوات الحوثي المدعومة من إيران، الذين يطلقون صواريخ دقيقة على أهداف في السعودية، تصيب منشآت التكرير بمدينة جدة المطلة على البحر الأحمر، ما يفسح المجال لقراءة ردود فعل الدول المختلفة على سيناريو التصعيد المتوقع.

رد الفعل الإسرائيلي المتوقع يشمل هجوماً واسعاً على أهداف إيرانية في سوريا والعراق، يسفر عن مقتل إيرانيين ومقاتلي حزب الله، فيما يرد الحزب بصواريخ على شمال إسرائيل في المرحلة الأولى، بهدف محاولة الحد من الصراع، ثم إطلاق الصواريخ جنوب حيفا، وترد إسرائيل بمهاجمة أهداف للحزب في لبنان، بما في ذلك مشروع صواريخه الدقيقة ببيروت.

الهجوم الإسرائيلي يقتل عشرات اللبنانيين، ويرد الحزب بتوسيع إطلاق النار على تل أبيب، ما أدى إلى مقتل إسرائيليين، وترد إسرائيل بهجوم واسع النطاق، دون تدهور الوضع إلى صراع واسع النطاق وحرب شاملة.

من المتوقع أن تكون إيران جزءاً من سيناريو الحرب، وستتصرف بطريقة محكومة لمنع نتيجتين سلبيتين لها: الأولى الهجوم على أهداف في أراضيها، والثانية تآكل القوة الصاروخية لحزب الله في لبنان، وتهدف إلى ردع إسرائيل عن مهاجمة البنية التحتية النووية في إيران، وقد تسارع إلى إغلاق الموقف لمنع مهاجمة أراضيها، لكنها تفشل في منع الحزب من العمل ضد إسرائيل، فالتوتر يعكس مصالحه، رغم اعتماده على إيران.

سوريا سيكون موقفها محاولة عدم التورط في القتال، رغم أنها لا تملك القوة لمنع حزب الله وإيران من العمل على أراضيها، مع أن جميع اللاعبين يريدون تجنب تصعيد واسع، وهذه نتيجة مماثلة لما تشهده المناورات الحربية الأخرى، ولكن في حالة حدوث سيناريو مماثل في الواقع، فإن رد إسرائيل سيكون أشد ممَّا هو معروض في عملية المحاكاة.

من الصعب للغاية رؤية موقف لا يكون فيه الرد الإسرائيلي حاسماً بما فيه الكفاية، فعندما يتم إطلاق صواريخ على تل أبيب مع قتلى، فإن هذا سيناريو خطير للغاية لم نشهده في عام 2006، لأن أي هجوم عليها من خلال منظومة صواريخها الدقيقة سيتسبب في إصابات واسعة النطاق فيها، وبالتالي يمكن تصعيده.

في التفكير العقلاني، لا تهتم كل الأطراف بالحرب، لأنها ترى تكلفتها باهظة، وفرصتها قليلة لتعزيز مصالحها الحيوية، لكن سوء التقدير، والانحراف عن التوقعات، والتعامل غير الدقيق مع الأزمة، قد يؤدي إلى الحرب، عبر تبادل الضربات بين الطرفين، وصولاً إلى النهايات الخطيرة.

تكشف هذه المحاكاة العسكرية المتداولة في المحافل الإسرائيلية، عن ملامح القتال التي سيخوضها الجيش مستقبلاً، وتذكرنا بالجولات الحربية في غزة، بهدف ردع إسرائيل عن مهاجمة أهداف التنظيمات المعادية، فيما تتقدم إيران بخطوات لا رجوع عنها لصنع قنبلة نووية.

يتعامل الإسرائيليون مع تهديد الصواريخ الدقيقة، ويسعون لتقديم حل لها بطرق علنية وسرية، ورغم أن التقييم الاستخباري الإسرائيلي للعام الجديد 2021 يكشف أنه على عكس العلامات التي ظهرت في الموجة الأولى من كورونا مطلع 2020، فإن الطاعون لم يوقف تكثيف أعداء إسرائيل لقدراتهم، وواصلت حماس وحزب الله وإيران، زيادة الاستثمار في تعزيز إمكانياتها العسكرية، فيما كثف الجيش مؤخراً استراتيجيته "المعركة بين الحروب" ضد الحزب وإيران في سوريا.

عند الحديث عن سوريا، يقدر الجيش الإسرائيلي أن 2021 سينعكس فيها مع استمرار محاولات الأسد ترميم جيشه المدمر، وخاصة أنظمة الدفاع الجوي، وستظل أجزاء كبيرة منها، خاصة في الشمال، تحت السيطرة الكردية أو التركية، ولا يزال يخشى الرد على الهجمات الإسرائيلية العديدة ضد الوجود الإيراني لديه.

تتزامن هذه المحاكاة الإسرائيلية مع مرور عامين على تولي الجنرال أفيف كوخافي لمنصب رئيس أركان الجيش، الذي بدأ ثورة مفاهيمه القتالية، وواصل مسيرته لإكمالها، وبعد أن حدد قاعدته القتالية بقوله: "المعركة مع العدو تنتهي بأحد خيارين: إما أن يموت، وإما يرفع الراية البيضاء"، فقد تكلم بلغة جديدة أملاها على قادته، وتم ممارستها بالفعل على الأرض.

يحتمل أن يكون كوخافي أول رؤساء أركان للجيش الإسرائيلي الذين حددوا أهداف الحرب المقبلة قبل اندلاعها، وتتمثل في تدمير البنية التحتية لإطلاق الصواريخ، على ألَّا تنتهي أي حرب قادمة بما انتهت به الحروب الأخيرة، سواء حرب لبنان الثانية 2006، أو حربي غزة الأخيرتين: الرصاص المصبوب 2008، الجرف الصامد 2014، حيث يواصل أعداء إسرائيل هز جبهتها الداخلية حتى اللحظة الأخيرة من الحرب.

يعتقد الإسرائيليون أن حزب الله وحماس فهما "علم النفس" الإسرائيلي، لذا حرصا على إطلاق النار عليها حتى اللحظات الأخيرة من المواجهة، ما دام بقي في مستودعاتهما الصاروخ الأخير، ولذلك فإن إنكار قدرتيهما لن يساهم في تحقيق انتصار واضح في ساحة المعركة المستقبلية، ولذلك كثف من إحباط محاولات التسلل الحدودية، ومنع الأضرار التي تلحق بالمرافق الاستراتيجية، لكن هذا لا يكفي.

الاختبار العملي لفرضية الجيش الإسرائيلي في الحرب المقبلة يتمثل في كيفية كشفه لمقاتلي الحركتين: حزب الله وحماس، في المناطق الحضرية أو الريفية أو المفتوحة، من خلال ربط جميع وحدات الجيش، بحيث يتمكن الطيار من التحدث إلى مسؤول المدفعية في الميدان، ويمكنهما توجيه كل منهما للآخر نحو الهدف المعادي بغرض تدميره.

يبدي واضعو المحاكاة العسكرية قناعتهم بأن أفضل طريقة لهزيمة حزب الله وحماس، تبدأ وتنتهي بعملية برية، ودون دخول الأرض إلى لبنان وغزة لا توجد طريقة لوقفهما، لتقليل الأضرار التي ستعانيها الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

مع العلم أن أولئك الجنرالات يعلمون أن هذا الاجتياح البري يحتاج لمعلومات استخباراتية دقيقة، تتطلب معرفة استخبارات العدو المتخفي، من خلال الطائرة بدون طيار في الجو التي تقدم صورة للعدو المرئي، والمعلومات القادمة من السفن البحرية قبالة غزة تقدم مساهمتها الخاصة، ويبقى السؤال عن كيفية ربط كل شيء، ووضع الصورة في راحة كل مقاتل في القطاع.

الخلاصة أن تقديم صورة تقريبية للمواجهة القادمة يتمثل في إعداد مقارنة إحصائية لقدرات مختلف أطرافها، فحين ذهب الجيش الإسرائيلي إلى حرب لبنان الثانية 2006، كان عدد الأهداف المحددة يزيد قليلاً على 200 فقط، أما اليوم فلديه آلاف الأهداف في متناول اليد، وفي يوم المعركة نفسه سيكون قادراً على تحديد مئات المواقع الأخرى، وبالتالي قد يقضي على مقدرات حزب الله خلال أيام، ما لم يحدث خطأ يصعب توقعه الآن.

كما أن الجهات المعادية لإسرائيل التي تقف خلف الحدود في الساحتين الشمالية والجنوبية تراكم قدراتها، فمقاتلو حزب الله وحماس في 2021 ليسوا نفس مقاتلي عام 2006 و2014، لأنهم باتوا أقوى وأكثر تدريباً، ويحوزون خبرة في المعارك الصعبة، ولديهم معدات وتكنولوجيا، يحضرونها لمواجهة الجيش الإسرائيلي، الذي يبذل جهداً كبيراً بجمع المعلومات الاستخبارية عن نواياهما.

 

كلمات دلالية