خبر يحجون والناس راجعة .. فهمي هويدي

الساعة 03:24 م|15 مارس 2009

بقلم: فهمي هويدي

كنت أظن أن مهرجان الاحتفال بالسلام قد انفض وتم تجاوزه، خصوصًا أننا في العام الثلاثين لتوقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل شهدنا مذبحة غزة. ووجدنا أن مليونًا ونصف المليون فلسطيني في القطاع أصبحوا يعيشون تحت الحصار، ويمنع عنهم الغذاء والدواء والتيار الكهربائي ليس ذلك فحسب، وإنما في ظل "السلام" واصلت إسرائيل توسيع مستوطناتها وأقامت جدارها الوحشي، وذهبت بعيدا في تهويد القدس. باختصار فإننا بعد ثلاثين عاما من عقد اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، و15 عاما من توقيع اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين واتفاقية وادي "عربة" بين الأردنيين والإسرائيليين، أدركنا أن مصطلح "السلام" قد تحول إلى مخدر للعرب، يتبادلونه فيما بينهم ويتعاطونه بين الحين والآخر، لكي يدغدغ مشاعرهم ويغيبهم عن الوعي، في حين تتسارع خطى الإسرائيليين في محاولة التمدد والتمكين وتغيير الحقائق على الأرض.

ما دعاني إلى استدعاء هذه الخلفية أنني قرأت في صحيفة الأهرام (عدد 10/ 3) خبرا عن إنشاء "مركز سيناء لإستراتيجية السلام"، تم تقديمه بعبارة غامضة ذكرت أن الهدف منه هو العمل "من أجل نظرة مستقبلية تعتمد على التنمية والأمن القومي". وهو ما ذكرني بالتشبيه المتداول في لبنان عن أناس ذهبوا لأداء فريضة الحج، في وقت الرجوع منه، أعني أننا حين اكتشفنا أن إسرائيل استغفلتنا بعقد اتفاقات السلام، وجدنا نفرا من بني جلدتنا آثروا الاستعباط والاستمرار في تسويق البضاعة المغشوشة، وهو أمر يثير أكثر من سؤال حول جدية هذه الخطوة والأهداف الحقيقية لها، ومدى البراءة في تلك الأهداف، وتكتسب تلك الأسئلة أهمية أكبر حين نلاحظ أن في الإسكندرية معهدا أو مركزا لدراسات "السلام" من مخلفات المهرجان سابق الذكر، يقال إنه مختص بالترويج لشيء مطاط اسمه ثقافة السلام، ولم أفهم الفرق بينه وبين المركز الجديد الذي ذكر الخبر المنشور أنه معني بإستراتيجية السلام. كما لم أفهم كيف يمكن أن تنهض بهذه المهمة مجموعة من كبار الموظفين لا علاقة لأي واحد منهم بالإستراتيجية، وربما أجادوا إلقاء "السلام" على الآخرين.

لا أستبعد أن تكون المسألة مجرد فرقعة جديدة تحاول إحياء المهرجان القديم. ولن أستغرب إذا ما احتفت بالمركز الجديد المقام في العريش بعض الجهات الغربية، التي تغدق التمويل لأي نشاط يرفع راية السلام، ليس فقط لإلهاء العرب بتلك الأنشطة بعدما انفصلت عن جوهر السلام، الذي أصبح الآن أبعد منه في أى وقت مضى، ولكن أيضا لاستخدامها في تغطية عملية التطبيع مع إسرائيل وامتصاص حساسيات العرب ونفورهم من الجرائم والمظالم التاريخية التي أنزلوها بحق الفلسطينيين، وتوجسهم من التهديدات الإسرائيلية لأمن ومستقبل العالم العربي. الأمر الذي يعني أن العملية كلها تصب في المصلحة الإسرائيلية بالدرجة الأولى.

إن ما نحتاجه الآن حقا في الشأن الخارجي ليس كيانات جديدة تنخرط في لعبة سلام موهوم، وإنما نحن أحوج ما نكون إلى أوعية جادة تعمل من أجل تعزيز الصمود والتضامن مع الشعب الفلسطيني، وتعزيز وحدة الصف العربي وتوثيق الروابط مع العالم الإسلامي، ومع أصدقائنا في العالم الخارجي. إذ تلك كلها حلقات تعزز رصيدنا ومواقعنا في أي مفاوضات جديدة حول السلام المشرف والعادل. لكن بعض الناشطين لا يزالون يراهنون على السلام المغشوش، رغم أن التجسيد الوحيد له على الأرض انكشف وانتهى بكارثة. ألم تكن العبَّارة المشؤومة التي غرقت بألف وثلاثمائة مواطن مصري تحمل اسم "السلام 98"؟!