خبر القصة أكثر تعقيدا: كيف نحرر شاليط .. إسرائيل اليوم

الساعة 02:06 م|15 مارس 2009

بقلم: أمونة الون

السؤال الاساس، الاكثر حدة، ليس كم قاتل فلسطيني جدير بان يتحرر مقابل جندي اسرائيلي مخطوف واحد. اكثر مركزية منه، واكثر حدة حتى العظم، هو السؤال كيف يحتمل أن دولة اسرائيل، مع كل جيشها المجيد، استخباراتها المتطورة والوسائل البشرية والفنية الذكية الموضوعة تحت تصرفها – غير قادرة على أن تعثر وان تحرر جندي اسرائيلي مخطوف واحد، ليس محتجزا في بلاد بعيدة ما، ولا من دولة ذات جيش قوي ومتطور خاص بها، بل اغلب الظن هنا في غزة، تماما تحت أنف اسرائيل، من عصبة ارهابيين بائسة.

المشكلة هي أن الجواب على هذا السؤال المقلق معروف بقدر لا يحتمل. يوجد بالطبع ايضا التخوف المبرر من عملية انقاذ فاشلة، وان كان في اثناء السنين الطويلة منذ محاولة انقاذ نحشون فاكسمان، غير الجيش الاسرائيلي تكتيكاته في ضوء الدروس المستخلصة. ولكن الجواب الاساس على السؤال الاساس يقول بالطبع بان سيطرة حماس على قطاع غزة لدرجة اختطاف جلعاد شليت ولدرجة تحقيق القدرة على احتجازه في الاسر على مدى زمن طويل جدا، هو نتيجة مباشرة بل ومعروفة مسبقا لخروج اسرائيل من القطاع، قبل سنة من الاختطاف، في اطار المحاولة البائسة "لفك الارتباط" عنه.

لما كان هذا الجواب غير مريح لهم، يفعل الان كل ذوي الشأن بانسجام كي يصرفوا الانتباه العام نحو اتجاهات اخرى. الحكومة المنصرفة، تلك التي يطالبها الجميع الان بالتحرير العاجل لجلعاد، هي المشبوهة المركزية في خلق الظروف التي أدت الى اختطافه وحبسه الطويل. ولكن الان يعرض عليها مؤيدوها التحلل من المسؤولية، وان تحظى بالعفو العام دون محاكمة، على أن تعيده فقط الى الديار ولو بشكل يعرض للخطر حياة مواطنين وجنود آخرين.

لا يوجد في كل دولة اسرائيل ولو أم واحدة، أب واحد، طفل واحد، قلوب لا تتفطر امام اشواق نوعام وأفيفا شليت لابنهما الضائع. لا يوجد واحد، بمن فيهم اولئك في خيمة المعارضين لتحرير المخربين القتلة، غير مستعد لان ينضم في هذه اللحظة الى المجتمعين في خيمة عائلة شليت ليصرخ بكل قوته: "نريده في الديار، نريده الان".

ولكن منظر سلسلة السياسيين الذين يسارعون في الاونة الاخيرة لان تلتقط لهم الصور مع ابناء عائلة جلعاد بصفة "متضامين" و "مشجعين" مثير للحفيظة لدرجة التعب. اين كان الرئيس بيرس، وزير الدفاع باراك، وزير الدفاع اولمرت وكل باقي المشاركين في مسيرة السخافة، عندما كان ممكنا منع الانتصار المهين لخلية واحدة من عز الدين القسام على الجيش الاسرائيلي العظيم؟. جميل أنهم يعانقون الابوين المعانيين، ولكننا نعرف ما فعلوه في الصيف الاخير اياه؛ رأينا كيف حاولوا، ولم ينجحوا، لتعديل الخطأ اياه بحرب اخرى، بقصف آخر، برصاص آخر وبمصبوب آخر؛ ونحن نرى كيف يحاولون الان، قبل لحظة من اعتزالهم المفروض للسلطة، وتمهيدا لمحاولاتهم العودة اليها في المستقبل – الركب على موجة الشعبية الاعلامية والانزلاق الى خارج نطاق الاتهام بفعل دراماتيكي، بطولي مزعوم، لاعادة جندي عزيز واحد الى الحياة.

لم يتبقَ لنا سوى الامل بان يفحص احد ما، في مكان ما هناك في القيادة المنصرفة او الوافدة، هذا الموضوع الحساس بنظرة غير ممالئة للشعب، بل بنظرة زعامية. ليس الهرب من الاخطاء القديمة بل الامتناع عن اخطاء جديدة من شأنها أن تلحق معاناة وضياعا جديدين.

ما الذي تغير فجأة الان، بعد نحو ثلاث سنوات كان جلعاد شليت فيها أسيرا لدى حماس، غير وضع ايهود اولمرت وحكومته منتهية الصلاحية؟ ماذا غير اعتبارات الصورة الشخصية لاولمرت تسمح بصفقة تبادل الاسرى بالذات في الاسبوع القريب القادم بعد أن كانت غير ممكنة  في اثناء السنوات الثلاث الطويلة والصعبة هذه؟ هل خفت حدة مواقف حماس، هل قلت تهديداتها لاختطاف المزيد من الجنود من أجل تحرير المزيد من القتلة؟ واذا لم تكن طرأت هذه التغييرات فلماذا يمكن لاولمرت فجأة ان يفعل، اليوم بالذات، ما عجز عن فعله على مدى كل واحد من الايام الطويلة والرهيبة التي سبقت اليوم؟

نريد جلعاد في الديار، نريده اليوم، ولكن الواقع المعقد يستوجب التغلب على العاطفة وطرح الاسئلة الصعبة ايضا. طرح الاسئلة والتألم، طرح الاسئلة والصلاة، طرح الاسئلة وبذل كل ما هو ممكن.